> الصفحة الرئيسية - جـسـد - النظام الغذائي المتوازن

الغذاء هو الدواء

للغذاء اليومي مقدرة على الشفاء أو الإعياء، إما يبقينا أصحاء أو يسرع في تدهور صحتنا. وبخلاف عناصر التغذية العصرية، التي تحلل فيها الآغذية وفقا لتأثيراتها الكيميائية الحيوية، تعتمد المكروبيوتيكية على فهم الغذاء كطاقة أيضا وليس كمادة فقط، كما أن مقاربة المكروبيوتك ديناميكية وكلية، أكثر منها تحليلية وتجزيئية.

في المكروبيوتك، فإننا نتعامل مع الطعام على مستويين... في المستوى الأول وهو الأساسي، فإننا نطبق مبدأ الين واليانغ لنوازن حميتنا الغذائية ككل. يساعدنا الين واليانغ على فهم الطعام بوصفه طاقة وذبذبات... والموازنة بين الطاقتين في حميتنا الغذائية يعني الشفاء من المرض، ويعني الصحة... كما أن هناك توازن في الطبيعة بين الذكر والأنثى كما الليل والنهار، فلا بد لهذا الكون الصغير (الإنسان) أن يوازن بين قوة الذكر والانثى بكل جوانب حياته، لاسيما الغذاء. وفي المستوى الثاني أو المستوى الأعراضي، نستخدم الطعام لنغير أو نوازن حالة أو عرضا معين ما.

يكمن مفتاح الصحة والشفاء من كل داء، في قدرتنا على فهم الطعام وفق مبدأ الين واليانغ والطاقة، ولتطبيق ذلك الفهم على بنية ووظيفة الجسد البشري. لذلك السبب يجب النظر إلى الجسد في ضوء الين واليانغ. مناطقه الداخلية، بما فيها العظام، الدم والأعظاء الباطنية أكثر يانغ او منقبضة، بينما مناطقه المحيطة، بما فيها الجلد والشعر، أكثر ين أو منبسط. فمقدمه الجسد، عموما تكون أكثر طراوة أي ين، بينما تكون مؤخرة الجسم أكثر صلابة وتضامنا أي أكثر يانغ.. والجذع العلوي عموما أكثر ين، بينما الجذع السفلي يكون أكثر يانغ.

كذلك الجانب الأيمن من الجسم، إجمالا يكون مشحون بطاقة صاعدة، ين... بينما الجزء الأيسر مشحون بقوة بطاقة هابطة يانغ... والدليل على ذلك في الدين والاحاديث النبوية التي توصي الإنسان عند دخول أي مكان ذو طاقة إيجابية بالقدم اليمنى أولا، وذلك لرفع الطاقة الإيجابية للجسد، ولكن عند دخول الخلاء (دورة المياة) ذو الطاقة السالبة، فعليه أن يدخل بالقدم اليسرى حتى يفرغ الطاقة السلبية من جسده.

كما تتجلى حركة طاقتي الجسد الصاعدة والهابطة في بنية المعي الغليظ. وفي عمل الدماغ أيضا. إذ يتحرك المعي الغليظ صعودا في الجانب الأيمن من الجسم، وهبوطا في الجانب الأيسر منه... أما الدماغ فالنصف الأيمن منه ينتج مزيدا من الين، صورا جمالية وفنية... بينما ينتج النصف الأيسر منه مزيدا من اليانغ، كالمقدرات التحليلية والعقلانية... ومن خلال هذا التصنيف أقيمت روابط معينة بين الطعام وطاقة الجسد.

كما أن الغلاف الجوي له دورات تتأرجح يوميا، بين طاقة صاعدة وأخرى هابطة... بين ين ويانغ، فتسيطر الطاقة الصاعدة صباحا. وفي المساء  تكون الطاقة الهابطة في أوج قوتها. وإذا أردنا أن نحافظ على صحة جيدة، علينا أن نوجه حياتنا في انسجام مع حركة الطاقة. وبكلمة اخرى، إذا أردنا أن نكون نشيطين طيلة النهار، فعلينا ان نستيقظ في الصباح مع شروق الشمس، ونأخذ قسطا كافي من النوم ليلا. أما إذا تحركنا بعكس حركة طاقة الجو. كأن ننام في النهار ونعمل في الليل، فنحن نخاطر بفقدان صحتنا.

في المستوى الأساسي، فإن الصحة والشفاء تعمل في المبدأ نفسه. تستمد أعضاء الجسد اليمنى مثل الكبد والمثانة، شحنتها القوية من الين، الطاقة الصاعدة. بينما تتلقى أعضاء الجانب الأيسر، بما فيها البنكرياس والطحال، شحنة يانغ قوية، طاقة هابطة. أيهما ذا فائدة أكبر للبنكرياس والطحال، الطعام الغني بالطاقة القابظة او الباسطة ؟ بالمثل، ما هو نوع الطعام المفيد للكبد والمثانة ؟.. ووفق ما نلاحظة في الدورة اليومية، فإننا بحاجة لمواكبة حركة الطاقة، أي أن الأطعمة التي تتناسب مع طاقة العضو هي الأطعمة الأنسب.

أي خلل في الجسم يعمل بالاتجاه المعاكس، إذ يمكن أن تتسبب الأعراض عن فرط ين أو يانغ، وإذا أردنا تحييد أو تغيير أعراض معينة، يجب أن نتناول أطعمة تتميز بطاقتها المضادة لطاقة الأعراض. فإذا كانت الأعراض ناجمة عن فرط يانغ، نتناول الين. وعندما تنجم عن فرط ين، يجب تناول اليانغ.

أقرب مثال هو الإمساك، فقد ينجم الإمساك عن فرط ين أو فرط يانغ في الحمية الغذائية. الإمساك هو يانغ، ينجم عن استهلاك متكرر للحم، والجبن والبيض والدجاج، وغيرها من الأطعمة الحيوانية، ونقص في تناول الحبوب، الخضر وغيرها من الأطعمة النباتية الغنية بالألياف. ويحدث ذلك عندما تتشنج المعدة وتنقبض. وللتخلص من هذا العرض. فإننا نحتاج لتناول أطعمة نقيضة، أو مزيدا من طاقة الين، مثل النباتات المبخرة قليلا، أو الفجل الأبيض المقشر، أو الخضر المقلية قليلا بالزيت.

كما أن إمساك الين يحدث عندما ترتخي المعدة وتضعف، وتتعفن بسبب الإفراط في تناول السكر والشوكولا والكحول والتوابل والمثلجات، أو المشروبات الحارة، ولإستعادة الأمعاء إلى حالة انقباضها الطبيعية، يجب أن نقوم ببعض إجراءات اليانغ، كزيادة طهي الطعام، والإكثار من الجوماشيو ومن المناسب أن نتناول بعض الأومو-شو-كوزو.

وبالمناسبة، فإن المكروبيوتك عموما يقدم غذاء متوازنا، وحتى إنه لا يحتاج الكثير من البحث والتفكير، يمكنك الاعتماد على الطبق اليومي كي تستعيد صحتك ... كما إنه لا يقدم دواء حتى تحتاج لترخيص من طبيب متخصص، إن الدواء هو الغذاء، والغذاء هو الدواء.

الطاقات الخمس في الصحة والشفاء:
عرفنا مما سلف أن الكبد والمثانة يتغذيات على الين، الطاقة الباسطة، ويتغذى البنكرياس والطحال على طاقة يانغ، أي القابضة، وبناء على ما تقدم، وطبقا لمبدأ الين واليانغ، فإن أردنا تقوية الكبد والمثانة، نختار الأطعمة الغنية بالين أو الطاقة الباسطة، وإن أردنا تقوية البنكرياس و الطحال نختار الأطعمة الغنية باليانغ. ورغم أن الحبوب هي الأكثر توازنا بين الأطعمة، يحتوي كل صنف منها على كمية طاقة مختلفة قليلا. فالذرة مثلا، تنضج الصيف، وهي طرية حلوة وغنية بالعصارة، وتتميز بغناها بطاقة الين. أما الحنطة السوداء الصلبة القاسية التي تنضج في المناطق الشمالية الباردة تتميز بغناها بطاقة يانغ قوية، بينما يتميز الرز باحتوائه على نوعية طاقة مختلفة عن طاقة الشعير، وطاقة الدخن مختلفة عن طاقة القمح... أيضا الأرز قصير الحبة يختلف عن طويل الحبة.  إذن فما هو النوع الأكثر فائدة للكبد والمثانة/ وما هو الأكثر فائدة للبنكرياس والطحال؟

الكبد والمثانة أشار الفلاسفة الأطباء التقليديون إلى الطاقة الصاعدة التي تغذي الكبد والمثانة باعتبارها طاقة الشجرة. وتشير طاقة الشجرة إلى النمو العمودي، إضافة إلى حركة الأغصان نحو الخارج. ويمتلك الشعير، من بين الحبوب، خاصية بسط خفيفة، ويصنف في خانة طاقة الشجرة. والطاقة النامية عن توافق طاقة الكبد والمثانة. ولؤلؤة الشعير هو نوع من الشعير البري الذي ينمو في الصين يحتوي على طاقة صاعدة. ويمكن تناول لؤلؤة الشعير والشعير العادي عدة مرات أسبوعيا في الحساء أو مع الأرز الأسمر. وشاي الشعير يمد الجسم بطاقة صاعدة خفيفة ويمكن استخدامه كشراب بشكل دائم.

البنكرياس والطحال والمعدة. تشحذ بطاقة نقيضة أطلق عليها الفلاسفة الأطباء التقليديون طاقة التربة. وتوحي كلمة تربة بمزيد من التضام، طاقة هابطة. الدخن، نوع من الحبوب القاسية وله قشرة خارجية صلبة، إنه من نتاج طاقة التربة، ويمكن تناوله لتقوية البنكرياس والطحال والمعدة، كما أنه مفيد في تعزيز التعافي من خلال سكر الدم، بما في ذلك داء البول السكري. يمكن طبخ الدخن مع الرز الأسمر أو صنع الحساء منه... إن المعدة تقع بالاتجاه الأيسر من الجسم وتعمل بتناسق كبير مع البنكرياس والطحال.

لنر الآن  كيف نطبق مبدأي الطاقة المتوازنة في اختيار الحبوب الكاملة من أجل الأعضاء الأساسية الأخرى من خلال مبدأ العناصر الخمسة.

القلب والأمعاء الدقيقة، يتميز القلب بطاقة فعالة أكثر ديناميكية بالمقارنة مع الكبد والطحال. و يقع في الجذع العلوي من الجسم في وسط الصدر... ويشير المعالجون التقليديون إلى هذه الحركة الفعالة باسم طاقة النار. بينما تعمل الأمعاء الدقيقة بتساوق مع القلب، ويقع في وسط الأمعاء المنطقة الأغزر شحنة والمسماء بـchakra ha المصدر الرئيسي لطاقة الجذع السفلي. ومن بين الحبوب، فإن الذرة هي منتج صيفي غني بالين وطاقة النار. ويفيد جدا في تعزيز العمل المتسق بين القلب والأمعاء الدقيقة، ويمكن تناوله طازجا في موسمه، او مطبوخا مع الرز أو عمل الحساء أو مع وجبة الفطور.

الرئتان والأمعاء الغليضة، تنطوي على طاقة يانغ أكثر كثافة إذا ما قورنت مع القلب... تتموضع في الجذع السفلي حي ثتكون الطاقة الهابطة أقوى، ورغم كونها أكبر حجما، فهي مضغوطة في حيز صغير. وتعمل الرئتان بتساوق كبير مع الأمعاء الغلظة، تحتوي على الكثير من الأسناخ الهوائية والأوعية الدموية المضغوطة في أماكن ضيقة... ويسمى المعالجون التقليديون هذه الدرجة من الضغط  بـ(المعدن) طاقة المعدن. ويعتبرونها أكثر يانغ أو أكثر كثافة من الطاقة الترابية الهابطة، والتي تشحذ البنكرياس والطحال. والأرز الأسمر وخصوصا قصير الحبة المطهو بأوان الضغط البخارية، يحتوي على طاقة مكثفة توافق درجة طاقة المعدن. يمكن تناوله يوميا لتقوية وتنشيط هذه الأعضاء.

الكليتان والمثانة تتموضعان في منتصف الجسم، فالكليتان إحداها في الجانب الأيسر والأخرى في الأيمن. وشعر المعالجون التقليديون والعلماء الفلاسفة أن طاقة الكليتان تتغذيان على طاقة شبيهة بالماء... تطفو بين الين واليانغ، صعودا ونزولا مثل الموج، ورغم أن الطاقة الهابطة المحصلة هي المسيطرة قليلا... فقد أسموها بالطاقة المائية.

فإن البقول الأكثر يانغ أو القابضة أكثر من معظم الخضر، وأكثر ين أو بسط من معظم الحبوب، فهي تجسد ذلك العوم (الطاقة المائية). وتعمل على تقوية وتغذية الكليتين، والمثانة المتصلة بهما. وتحتوي البقول الأصغر مثل الأزوكي وفول الصويا السوداء مزيدا من الطاقة القابضة عالية الفائدة. ويمكن تناول 15 % من الوجبة الأساسية اليومية منها.

وعندما نشير إلى أكثر يانغ او أكثر ين، أو ين أو يانغ، فإننا نقصد به الين الطبيعي المسموح به وليس الين المتطرف كالسكر المكرر مثلا، فهو ين بأقصى الين ويخل ميزان الجسم، إنما الين المقصود هنا فهو ين متوازن.. وكذلك اليانغ أيضا.... لأن المكروبيوتك يعتمد على توازن هذه القوتين وليس تطرفهما.

كما أن هذه المراحل الخمسة للطاقة، عمليا جزء من الدورة المستمرة، فالطاقة تدور باستمرار إلى الوراء وإلى الأمام، من الين إلى اليانغ وبالعكس، وتتكرر هذه الدورة يوميا وفصليا وسنويا، وتتشكل أجسادنا من خليط هذه الطاقات التي يتكون الكون منها (الشجرة والنار والتراب والمعدن والماء) وإن أردنا الصحة لأنفسنا فعلينا أن ننوع حياتنا ونأخذ نصيبنا من هذه الطاقات جميعها.

يمكن للطاقات الخمس هذه أن تقودنا في اختيارنا للخضر والأطعمة المتممة الأخرى، إضافة إلى طرق إعدادا الطعام وطهيه... وعموما، فإن الخضار ذات الأوراق الخضراء مشحونة بطاقة صاعدة (الشجرة) بينما تكون الخضر المدورة مثل القرع والبصل والملفوف مشحونة بطاقة التربة/ والجذور مثل الأرقطيون والفجل الأبيض مشحونة بطاقة المعدن، بينما الأعشاب البحرية فهي تمثل طاقة العوم أي الماء.

ونغير طبيعة طريقة طهي أطعمتنا أثناء طبخنا لها فنجعل طاقتها أكثر ين أو يانغ. فالطبخ بالتبخير السريع، والسلق السريع والقلي فإنه يسرع من الطاقة الصاعدة (الشجرة) وينشط طاقة النار، بينما السلق البطيء فإنه يكثف الطاقة في الطعام ويجعلها تتوافق مع التربة، أما الطبخ بالبخار أكثر يانغ وتتوافق مع المعدن، بينما الحساء وأطعمة المحتوية على الماء فإنها مشحونة بعنصر الماء، لذلك نحتاج لتشكيل بين هذه الطرق من التحضير، لنمد الجسم بطيف واسع من الطاقات التي يحتاجها، ويمكننا التركيز على نوع معين من الطعام ومن طرق الطهي لتقوية عنصر معين ضعيف لدينا.

مقال منقول

____________________

المراجع:

1-يلشث

2-سفاصقف