|
|||||||||
> الصفحة الرئيسية - الحكمة - مقالات أخرى |
|||||||||
بداية الطريق.. كيف نرتقي بوعينا؟
المعرفة الحقيقية هي معرفة
الذات نحن خلال حياتنا قد نسلب شيئاً من صحتنا أو أموالنا أو شهرتنا الكثير، ولكن لا يمكن إطلاقاً أن نسلب شيئاً من أنفسنا، القيم والمبادئ التي نؤمن به، الإيمان المجرد والخلق الفضيل، تلك المساحة الصغيرة في أعماقنا حيث نتحدث ونفكر كيفما نشاء، ولا يصلها شيء من دهور الزمن ولا تقلبات القدر ولا يعلم بها إنس ولا جان، تلك هي ذواتنا الباقية، ومعنا أينما كنا، تبقى لنا حيثما كنا، أن نعرف ذواتنا ومن نكون حقاً هي أعظم معرفة على الإطلاق. هذه المعرفة قديمة قدم الوجود البشري، جميع البشر بلا استثناء تأتيهم تلك الأوقات التي يتفكرون فيها بحقيقة وجودهم. يقول الله تعالى: ((وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)) (21) سورة الذاريات من علوم النفس والأديان تتوضح بعض أجزاء الصورة وليست كله، إنها رحلة حقيقية نحو الداخل، نحو هذا الفضاء الذي نخافه ونخشاه، حيث يظهر كل شيء، هي رحلة حقيقية، كرحلة المؤمنين المخلصين نحو مكة، علينا أن نتحلى هنا بالمثل، بإيمان صادق وثقة بحقيقة ذاتنا ومن نكون، ولأن إدراك ماهية الروح أمر مستحيل، فإن معرفة الذات التي نعنيها هنا هي معرفة حقيقة معتقداتنا ومشاعرنا وإنفعالاتنا وفضائنا الداخلي، تلك المعرفة قيمة بشكل لا يصدق، الشيء الوحيد المؤكد هنا، أننا نجهل فعلاً الجزء الأعظم من حقائق وجودنا، إن تجاهل تلك المعرفة هي التي تجعلنا نبدو مهزومين وضعاف الإرادة ونهتز بشدة عند أول صدمة، هي التي تجعلنا نقول باستمرار أننا غير قادرين على تغير أنفسنا نحو الأفضل، هي التي تجعلنا ضحية سهلة لرغباتنا وشهواتنا ومخاوفن، وتجعلنا عبيداً للمشاعر والأفكار بدلاً من أن نكون أسياداً لها أحرار. رحلة البحث عن الذات قد تبدو فكرة سخيفة وساذجة للبعض، وحلماً بعيد المنال للبعض الآخر. الأمر المؤكد أننا عند ولوجنا في تلك الرحلة نصبح أكثر قوة وحكمة ونضجناً مما لو إكتفينا بالتسكع هنا وهناك طوال حياتنا، يمكن أن تنظر إلى الأمر كحكمة مفيدة لحياتك، وقد تجد منها طريقك ودربك الخاص.
أهمية ثنائية الإدراك في إرتقاء الوعي في السیناریو الذي یفترضه العلماء لبقاء الكون دون فنائه ھو أن یزوّد بكمیات من الطاقة تتناسب مع درجة التوسع لیحول دون إنھیاره على نفسه.. وھذا ما یجب على أي إنسان فعله عند دراسة الكون أو الذات، فلا یمكن أن تشحن عقلك بشي من المنطق دون أن یخضع لتلك القوة الإیمانية. فلا یشطح العقل ھنا وھناك دون سیطرة. ویجد البعض أن من الصعب التخیل بأن التمادي في الإدراك قد یؤدي إلى الجنون، فالتصور السائد بأن الإدراك یصون العقل.. ولو استمررت بطرح الأسئلة ستعرف كل شيء تقريب، والحقیقة أن أسباب الجنون مختلف علیھا. ولكن لكل إنسان نسبة من الجنون مدفونة في داخل أعماقه. وبعض المشاعر أو الصدمة قد تساعد في تحرر قوة ھذا الجنون لیقوم بامتصاص الإدراك والعقل. الإیمان والمنطق ھما القوتان اللتین تحكمان الكون الصغیر. الطبیعة والعقل البشري ومكونات الذات. وداخل أعمق أعماق النفس الإنسانية وقبل نشوء الزمان والفضاء. بعض الناس یرون أن المنطق ھو أداة الشیطان وأداة تدمیر الحیاة والإیمان المجرد. وظھرت العدید من الجماعات والطوائف بعد الخمسینات من القرن الماضي، ترفض جمیع مظاھر الحضارة الحدیثة. وتدعي أن روحاً استوطنھا الشیطان نزلت إلى الأرض قبل نحو ٣٠٠ عام وھي توجد في عقول ألمع المفكرین والعلماء. وھم یرتدون ملابس يدوية الصنع ویكتبون الشعر بالریش ويعيشون في أكواخ وسط الغابة في غياب معظم وسائل الحياة الحديثة، وحتى بعض المتشددين دينيا، يرفضون النقد المنطقي للدين، أو النظرة المنطقية المجردة للحياة. إن نظرة مجردة إلى ھؤلاء تجعلك تعتقد أنھم مخبولون تماما، لكن الحقیقة أنھم یمثلون جزءاً من الطبیعة البشریة. ذلك الجزء الذي یمیل إلى الإیمان ويرفض المنطق في التعاطي مع العالم الخارجي. لقد عشت لفترة من حیاتي ھذا الصراع عند دراسة الكون بین المنطق والإیمان. واعتقدت أن ھذا التناقض أو الصراع شيء جاءت به لحظة تأمل غیر موفقة، أو اختراع مخیلة خصبة. لأكتشف في النھایة أن ھذا الصراع موجود في الواقع حقاً، وكما یقال فإن أسوأ الكوابیس ھي تتحقق بالفعل، عندھا لم أستغرب فشلي في التوفیق بین ھاتین الطبیعتین. كما فشلت السكولاستية في القرن الثالث عشر في التوفيق بين آراء الكنيسة وبين الاكتشافات الجديدة، وفي العصر الحدیث مازال الجدل دائراً حول هذه الفكرة.
مفارقة أینشتاین
مابین المعسكرین "العلمي" و"الإیماني" یمكنك في الحقیقة الوقوف في الوسط والسخریة من الطرفین. لكن المعضلة التي ظھرت ھي (أین ھو الوسط؟) وكلما سألت نفسي ھذا السؤال یظھر لدي سؤال آخر وھو (ما الفائدة من طرح مثل ھذا السؤال؟) فیتجلى مدى عمق ھذا الصراع؛ فالجانب المنطقي یدفعك لتسأل في كل شيء. والجانب الآخر یوقفك لیسألك عن الفائدة المرجوة من السؤال. وأن الأسھل ھو الإیمان والتصدیق بالشيء كمسلمة وجدانية بدلاً من أن تكون حسیة وشعوریة. أي انه من الأسهل لنا أن نؤمن، كان يكون الله مجرد فكرة غيبية لا تلامس واقعنا، بينما محاولة البحث واثبات هذه الفكرة العقلية أنها موجودة ومتلازمة لواقعنا اليومي هي الوسيلة الأكثر صعوبة. حيث إثبات أمر عقلي وفكرة غيبية في ميدان الشعور والإحساس. وخلال فتره بحثي عن الطریقة التي لجأ إلیھا أینشتاین في (اختراع النسبیة العامة) التي تعد أعظم النظريات في القرن العشرین. وجدته في أحد المراجع یشرحھا في رسالة بعث بھا إلى أحد أصدقائه في برن، إلى موریس سولوفین وتضمنت ھذه الرسالة والتي تحمل عنوان (طریقة مسلمات أینشتاین) تخطیطاً یوضح طریقته في التفكیر.. وھذا شكل قریب للمخطط الأصل:
ما یھم من كل ھذا المخطط ھو كلمة "قفزة
حدسیة". على الصعيد الآخر نجد أن البعض اعتمد اعتماداً كليا على الحدس والشعور كأدوات للإدراك وجمع المعرفة، كحالة المعرفة "الفيدية" والتأمل التجاوزي، في الحقيقة احتجت لبعض الوقت لأرى الصورة على حقيقتها، ثم لم أرى شيئاً في حياتي بكل هذا الوضوح.
الفلاسفة والعلماء لا يؤمنون سوى بالمنطق، فوعيهم موجه كليا إليه. فيؤمنون بشي واحد إسمه العقل. أما الوجدانيون أو الروحانييون يؤمنون بالحدس والإلهام بشكل شبه كامل، بل ويؤلفون بها العلوم الكاملة، كالعلوم "الفيدية"، ولا يستعينون سوى بجزء صغير جداً من المنطق والذي يكفي ليضعوا إلهامهم بصورة تجعله يبدو كعلم، بما يسمى العلوم الكاذبة، وهذا مبالغ فيه إلى حد كبير، نعم قد يلعب الحدس والشعور دور مهماً ما في الوصول إلى المعرفة، لكن لا يشكل معرفة كاملة، هذا يشبه ما فعله المتصوفون عندما تركوا العلم الشرعي بإدعاء المعرفة الحدسية والإلهام من الله بشكل مباشر فضاعوا. من يستطيع أن يضمن أنه خلال التجربة الروحية (عند النوم أو الخروج من الجسد أو الرؤية والإلهام) بأنه سيبقى مستيقظاً تماماً؟ خلال تجربتي الشخصية والحقائق اليومية التي نراها يمكنني القول بأن الوصول إلى مرحلة اليقظة التامة في العقل الفعّال هي مسألة صعبة جد، لا يوجد من يستطيع تذكر كل تفاصيل رحلته خلال المستويات العميقة في الوعي اليقظ. اسأل المتأملين المتجاوزين هل كانت كل الحقائق التي إستخلصوها من مجالهم الموحد صحيحة؟ اسأل أي شخص يرى حلم في منامه، هل تحققت جميع أحلامه؟ -لو كنا مستقظين تماماً في العالم (الغير مرئي) لأصبحنا ملائكة- قلت في نفسي. المهاتشي يوغي والفيدا التجاوزية تؤمن تماماً بأن العلم يستخلص إستخلاصاً بالإلهام بما يسمى (التأمل التجاوزي) وسنقف عنده كثيراً ونحاول أن نعرّف حقيقته وحقيقة المجال الموحد. ادعى "يوغي" بأن العلوم الفيدية بأكملها أتت بهذا التأمل، أي لتأليف كتاب في الطب كان يجلس المتأمل ويستخلص المعرفة بالتأمل فقط! هل تصنف هذا على إنه علم حقيقي؟ إنه ليس فلسفة حتى، هل يمكن أن نبني علم بأكمله بالإيحاء والتأمل فقط! مع أنهما من الادوات المفيدة والخطيرة في العملية، هناك نسبة من الخطأ قد تحدث كما أن النتائج المستخلصة لا يمكن التنبأ بمدى صحتها، فهناك مخاطرة كبيرة بإسقاطها هكذا على العالم الحقيقي دون دراسة منطقية وواعية، وحتى لو أتت بنتائج جيده! من المضحك حقاً أن يوغي أسس جامعات إنتشرت حول العالم لهذا الغرض! لقد استفحل الأمر حق، لقد أصبح التأمل التجاوزي اليوم حركة سياسية لها أجندة دولية شبه اشتراكية، من المهم أن ندرك كم هي الأفكار الحديثة مؤثرة على حقيقة من نكون بالفعل وحقيقة ما نتصوّر أننا عليه بالفعل. ما يجب أن يكون عليه وعينا هو المزج بين القوتين؛ المنطق والإلهام بحيث يحتل المنطق الأرباع الثلاثة الأولى والإلهام الربع الأخير، السبب في ذلك الطبيعة المنطقية والإستقرار في هذا الكون بحاجة للدراسة بشكل منطقي. والنسبة المقترحة للإلهام تبدو قليلاً لكنها في الحقيقة كافية لبناء تصور غير مادي تماماً للعالم، "لماذا يعجز الناس عن فهم هذا الأمر؟" سألت نفسي: لماذا يجب أن يكونوا منطقيين تماماً أو روحانيين تمام، لماذا لا يمكن أن يوجد فئة "الروحانيين المنطقيين"؟ لماذا لا نستخدم الإستدلال والتحليل المنطقي مع التأمل التجاوزي، لماذا لا نرسم حدود التفكير مع رحلات الإسقاط النجمي، لماذا لا يمكننا الإستفادة من كلا القوتين وكلا الأداتين؟! لتصل إلى حالة "الإدراك الصافي المبدع" علیك الدمج بین المنطق والحدس للوصول إلى الحقیقة. هل يمكن أن تكون منطقياً وروحانياً في الوقت نفسه؟ المهاراتشي كان عالم بالفيزياء، ساعده ذلك بعض الشيء ویبدو وبشكل غریب أن الافتراض الخیالي والقفز فوق القوانین یمتلك قوة ما مجھولة تساعد في الوصول إلى حالة الإبداع.. جزء من كتابتنا يجب أن يكون منطقي، في الوقت نفسه يجب أن يكون ملهم، بمعنى أن نحاول تجاوز قدراتنا الحالية قليلا، وندفع أنفسنا إلى الحدود القصوى فنختبر حالات عالية من الإلهام خارج النطاق البشري المعتاد. حاول استخدام ھذه الطریقة في حل مشكلة تعترضك في حیاتك الیومیة.. اتبع الحدس أحیاننا. العلم لیس عدواً بل ھو رغبة عمیقة داخل النفس البشریة، ولكن البحث عن المعرفة اللانھائية تشبه محاولتك لقتل نفسك!! وعندما أمر الله آدم ألا یأكل من الشجرة. خالجه ھذا الصراع الذي نعیشه. بین الرغبة المنطقية في معرفة ما تخبؤه ثمار الشجرة وبین قوة الإیمان التي تحاول ردعه. وربما عند تلك لحظة ولدت تلك الخصلة في البشر ویبدو أنھا ستستمر إلى النھایة.
إستيقظ! قد تشعر عندها أنك وحيد تخاطب نفسك، الإيمان بالقدرة على التغيير.. تغيير الآخرين.. أو إيقاظ النائمين.. هي أصعب مهمة على الإطلاق، لهذا كان الله ينتقي الأنبياء إنتقاءاً دقيقاُ من بين الجموع الغفيرة ثم يسهل لهم سبل "الصحوة الذاتيه" وفهم الذات، سواء كان بالتأمل والتدبر أو بالإرشاد والإلهام. كيف يمكنهم تغيير وفهم عقليات البشر إن لم يكونوا قادرين على تغيير وفهم عقليتهم الخاصة؟ وهذه أصعب المهمات؛ أن تفهم نفسك ثم تفهم نفوس الآخرين ثم تفهم الكون، أن تغيير توجه الوعي البشري إلى إتجاه معين، وأن تساعد في تفتح العقول، وأن تنمي الثقة في النفوس، وتكسب الأمل في التغيير العديد من الأفراد الذين أصبحوا أحيانناً مدمّرين ذاتي، وأصبحوا عبئاً على أنفسهم وعلى الآخرين. أنت تعيد فتح صناديق الكنوز تلك، وتمنح البشرية فرصة آخرى، لتطوير أفكار علمية ثورية أو لعلاج السرطان أو إختراع حاسوب يتحمل العمل في الظروف البيئية القاسية، أو تمنح النور لفكرة فلسفية أو مذهب ديني أو طريقة في الحياة، فهذه أكثر الأعمال نبلاً وشرف، أن تجعل الآخرين يدركون حقاً من هم. أيقظ وعيك أولاً.. أيقظ قدراتك الكامنة، وأخرجها إلى العلن.. أظهر لنا من أنت حقاً وليس ما تبدو عليه، أؤمن أن كل إنسان لديه القدرة على الاستيقاظ، ليس هناك شيء يسمى "أنا فاشل"، "أنا لا فائدة مني"، "الجميع يسخر من شخصي" ، "أنا لا يمكنني أن أتغير"، "أنا لاشيء!". فقط اغلق عينيك.. وحرر ذهنك.. أوقف الزمن بعقلك للحظة.. وتخيل من أنت؟.. انظر إلى نفسك.. إلى جوهرك، وليس إلى ما تبدو عليه. من أنت في الحقيقية؟ مشكلتك الأساسية أنك غير قادر على التغيير، أنت مثل مفرش جميل على منضدة، مهما كان جميلاً لا يلبث أن يتقادم ويتراكم عليه الغبار أو أذى الشمس، وبعد فترة يستبدله الناس بمفرش آخر مختلف، لذلك إذا أردت أن تعيش في هذا العالم بكفاءة فعليك التغير معه، لأن العالم ذاته يتغير، والتغيير هو سنة الكون، عندما نقف جامدين نرفض التغيير نصبح عائق أمام الموجودات المتغيرة حولنا فعندها تبدأ تلك الموجودات بالإصطدام بنا فنشعر بالإنزعاج والضعف، فالشخصية مثل رداء يهترىء مع الزمن فعليك أن تغيره، الأمر لا يعني أن نغير من نكون أو أن نضحي بالقيم أو الثوابت الغالية عندن، بل أن نظهر صورة جديدة حول من نكون بالفعل، فبدلاً من أن تظهر صورة الضعيف اظهر صورة القوى الكامنة فيك، وبدلاً من تظهر صورة الجاهل.. اظهر بصورة المثقف الباطني داخلك.. وهكذا. لماذا تختزن ذاتك في صورة معينة وتقول "هذا أنا". في حين أنك تمتلك صور عديدة رائعة وجميلة ولكن لا تظهرها! الشخصية وهم، ذاتك العميقة مكان واسع جداً كمحيط أو غابة. الشخصية عبارة آلة تصوير تلتقط صورة واحد فقط من ذلك المكان الشاسع، هل تمثل هذه الصورة كامل التفاصيل والموجودات في ذلك الكون الواسع؟ بالطبع لا، كل شخص بالنسبة لي هو كون واسع ومدهش، مخزون لانهائي من القدرات اللانهائية والعجيبة، البعض يطأطأ رأسه مشككاً في ذلك. إنظر هنا.. حتى أقوى أجهزة الحاسوب وأغلاها ثمنناً أستطيع أن أضع عليها أسوء البرمجيات وأجعل من يجلس عليها يعتقد أنه جلس أمام أسوء الحواسيب على الإطلاق، فنحن نفترض أن "الفاشل" فاشل بطبيعته، وليس أن نتاج برمجة سلبية جعلته يبدو "فاشلاً"، في الحقيقة كلنا أجهزة إدراك راقية جدا، ولكن لا نجيد في معظم الأحيان برمجتها بشكل صحيح، فلا نظهر قدراتنا الحقيقية أبداً. لفترة طويلة شغلتني مسألة "العدالة الإلهية" كيف توجد عدالة في هذا العالم والبعض يولد بعاهات وفقر وجهل وظلم وآلام، والبعض الآخر يعيش برفاهية وعلم ورقي وكل الوسائل متوفرة ومتاحة لهم. فلو وقفت أمام مقعد أو مريض طوال حياته وأخذت تتحدث عن العدالة في العالم فأنت في الحقيقة تقوم بخداعه والأغلب أنه لاحظ ذلك. لا يجب أن تتحدثه عن العدالة العالمية، بل حدثه عن مفهوم العدالة الذاتية، فالفرق مثلاً شاسع بين شوارع غزة وشوارع نيويورك، والنظرة المسطحة تقول أن أفراد في نيويورك سيتمتعون بوعي أكبر وثقافة أعلى وصحة أفضل من نظرائهم في غزة أو غيرها من مدن العالم الرابع. ومع ذلك نرى أن أرقى فلسفات الذات والوعي تنشىء في الشرق في الهند والصين والمناطق الفقيرة الأخرى، والغربيون يشدون الرحال إلى تلك البلدان البعيدة لإكتشاف الذات، فمعرفة الذات ليست مرتبطة بالمستوى المادي أو العلمي بل بالمستوى الروحي والعقلي العميق ولكن بالطبع تتأثر بالجوانب المادية والعلمية وما يقرر حقاً مدى هذا التاثير هو نحن. نحن قبل أن نكون فقراء مادياً.. نقرر أن نكون فقراء ذهنياً.. وقبل أن نكون جهلة حق، نقرر أن نكون كذلك برضانا بهذا الحال والسكوت عليه.. ولذلك نبقى فقراء وجاهلين بإرادتن، والله ما أنزل من داء إلا أنزل معه دواء، فكما جعل في هذه الحياة ما تسميه "المصائب والبلايا والمشاكل" جعل في أنفسنا أدوات وقدرات كافيه لحلها جميع، نحن بكل بساطة لا نستخدمه، لو خلقك الله في مكان فقير ويسوده الجهل والظلم، فليس معنى ذلك أن الله ألقى بك إلى التهلكة، بل جعل لك في نفسك أدوات تستخدمها للتفوق على هذا الحال وتغييره. وأنت بيدك تقرر ما إذا كنت تريد لهذه المؤثرات أن تشكل صورتك الحقيقية أم لا. الناس لا يهزمون حقاً إلا عندما تهزم نفوسهم من الداخل، فعندما يقتنعون أنهم مهزومون حقاً ويصبحون كذلك، هنا تبرز العادلة الذاتيه، فذواتنا مسلحة بجميع الأدوات الكافيه لتجاوز المصاعب والأزمات، نحن فقط من نقرر استخدامها من عدمه، لذلك لا يمكن أن تلقي باللوم على القدر أو مفهوم العدالة في العالم، بل ألقي باللائمة على نفسك، والفقير الكسول والذي يرضي بالعيش على إراقة ماء الوجه، والذي يتصور أن تغير حياته يتطلب العثور على كنز من الذهب فهو واهم، لأن الكنز الحقيقي ليس كنز المال بل كنز الذات.
البداية إن الفيدا التي تعني "علم الحياة" استخلصت في أكثر الأماكن هدوءاً وعزلة عن العالم، هناك في أعالي جبال الهملايا. ونحن بالتأكيد لا ندعو الأفراد إلى الهجرة نحو ذلك المكان المعزول، بل نريد أن نمنح وعينا فرصة للوصول إلى منطقة أكثر عمقاً. أعرف تماما أن البعض قد "يستهجن" فكرة اعتزال التلفاز ووسائل الإعلام الأخرى (تسمى وسائل تأثير على الوعي)، وسبب تعلقهم بالتلفاز ليس كما يدّعون أنه يربطهم بالعالم الخارجي؛ فهو لا يربطهم إلا بالعالم الذي تصوّره وسائل الإعلام -العالم الكئيب- لنفكّر في الأمر.. تحدث ملايين الأخبار يومي، وبالتأكيد فنحن لا نسمع في نشرات الأخبار سوى السيئ منها بل الأشد سوء، فلا تأتي نشرة الأخبار وتقول مثلاً: أن 5000 طائرة هبطت بسلام هذا اليوم. بل تقول: إن حادث طائرة شنيع حصل في المكان كذا. وطبّق الأمر على باقي الأخبار، في الحقيقة فإن الإعلاميين في جميع وسائل الإعلام يبذلون قصار جهدهم للبحث وإيجاد أكثر الأخبار دموية ومأساوية لأن تلك الأخبار هي التي تزيد حجم المشاهدين أو المتابعين. فأنت عندما تشاهد الأخبار يومياً فما تراه ليس بالتأكيد العالم الحقيقي.. فهم لا يوصلونك إلى أي شيء سوى الجانب المظلم من العالم، العالم حسب ما تراه اعينهم، وكامراتهم.. أي ان الآخبار تصل لك من خلال نظرتهم التي قد تكون ساذجة في معظم الأحيان. المجاعات والاضطرابات والحروب، ولا تقلق فالأخبار المهمة حقاً والتي تتصل بك ستروج بين الجميع وتعرفها فور، وستدهش بالفعل عند مقاطعة التلفاز ليوم أو يوميين بأن جميع الأخبار تصلك بنفس السرعة التي تصل بها إلى الجميع وقد تسبق بعضهم. ثم إن من يحتج بأن التلفاز مصدر للمعرفة وهذا صحيح أحيانا قليلة، فيمكننا هنا أن نقوم بتجربة بسيطة.. لو أردت، امسك ساعة وسجّل كم دقيقة من الساعات الطويلة التي كنت تجلس فيها أمام التلفاز، وكم دقيقة هي بالضبط تلك "المعرفة" التي قد تجدها! لا أعتقد ولم أسمع قبلاً ومن تجربتي الخاصة بأن القنوات الفضائية تضع "المعرفة" في الأولوية، دائماً يحتل "الترفيه" المكانة المقدّسة فيه، إن معظم ما يعرض على التلفاز من أفلام أو أغاني "تُولول" على الحبيب والاشتياق له، وغيرها من البرامج الترفيهية والمسلسلات والمواد الإعلانية.. لا أعتقد أنه يمكن تصنيفها ضمن خانة "معرفة" وبالأساس فالهدف الأول والأخير لها هي "قتل الوقت"، والتأثير على وعي المستهلكين لتوجيه الحركة الشرائية أو المساعدة في تنفيذ ونشر بعض الأفكار التي لا تكون غالباً مناسبة لك، بل مناسبة لشركات الإستهلاك العملاقة والأنظمة السياسية الفاسدة. ثم إن معظم العلماء والباحثين لا تحوي منازلهم أجهزة تلفاز، وهي حقيقة قد تفاجئك!! فلو كانت هذه الأجهزة منابر لـ"المعرفة" لكانوا أولى الناس بها! إن النقطة الثانية تكمن في "المعرفة" الحقيقية، ولن أتحدث إطلاقاً عن أهمية العلم والمعرفة وغيرها من العبارات الفضفاضة التي اعتدنا على سماعها في المدارس.. في الحقيقة وهي معلومة قد تجدها غريبة بعض الشيء، فإن الأكثر أهمية في مسألة التعلّم أو طلب العلم ليس المعرفة بحد ذاتها بل ما نستخلصه من تلك المعرفة، وهي مسألة من المهم توضيحها؛ إن العديد من المعلومات التي تستخلصها من المعرفة أو المطالعة بشكل عام هي معلومات لن تحتاج إليها بشكل كبير في حياتك اليومية، فمن النادر أن يستوقفك أحد المارة ويسألك: ما محيط الكرة الأرضية؟ أو متوسط عمر الحوت؟ أو كم تبلغ قيمة الثابت الكوني للجاذبية؟... وما شابه ذلك.. مجرد مفاتيح قد تجد أقفالها وقد لا تجد. في الحقيقة فإن الطلاب الجامعيين يشكون أيضاً مما يسمّونه "معرفة فلسفية" تملئ الكتب بمعرفة "زائدة"، لا نصادفها كثيراً في الحياة اليومية، الله طلب من الإنسان أن يتعلّم لماذا؟ ما الفائدة أن نجمع المعرفة عن العالم الفاني، التأثير الذي تحدثه المعرفة تجعل الوعي يزيد، مناطق جديدة من العقل تتفتّح، الإنسان عندما يتعلم يزيد وعيه، بالتالي، يعرف الله بشكل أفضل، يساعده هذا على الإيمان من منطلق ثابت، أفضل بكثير من إيمان الجاهل، العلم هنا هو العلم بجميع أحوال الكون وليس العلم الديني فقط، والعديد من الأفراد يسألون وبشكل غريب "ماذا نقرأ؟!". يقول الله تعالى:
((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ
مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ
بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)) إن أي شيء ستقرؤه يتفرّع لاحقا، وستكتشف كم هي العلوم متصلة بعضها ببعض، جد تلك الروابط وارتقي بالعلم والثقافة وجميع العلوم الطبيعية، ستجدها في نهايتها جميعاً تتوجه نحو اتجاه واحد... نحو الله، وتذكر أن الهدف من المعرفة ليست المعرفة بالأساس بل زيادة وعيك وقدرتك الإدراكية.. توسيع الإدراك ليس للرفاهيه بل حاجة للبقاء. إن العلم الديني مهم، ولا يجوز فصله عن أنواع العلوم الأخرى، إذا فعلنا هذا فسيحدث ما حدث للكنيسة في بداية عصور النهضة الأوروبية، ونحن في الطريق إلى شيء مشابه في عالمنا المعاصر؟ ارتداد جماعي عن الدين، بإدراكنا أو بدونه، هذا هو السبب في "تمرّد" الشعوب على المنهج الديني، بدلاً من إلقاء اللوم مراراً وتكراراً على فساد قلوب الناس وعقولهم لما لا نلقي اللوم على قادة التيارات الدينية الذين فشلوا في إيصال نور الحقيقية إلى قلوب الناس وعقولهم؟ جعلوا عالمنا مكاننا تملؤه الحروب والفساد والجهل والتخلف، المنهج الذي يستخدمونه اليوم هو منهج فاشل يقوم على محاربة الحداثة والإدراك الموسّع والبحث في المخطوطات القديمة المغبرة لن يخبرنا عن شيء لا يمكننا أن نبحث فيه بعقولنا اليوم، لا ننسى أن تلك السلطات الدينية هي نفسها التي تعطي الشرعية للسلطات السياسية الفاسدة التي تملئ العالم الثالث والعالم الإسلامي على وجه التحديد، وفي الوقت الذي تحارب فيه الثقافة وتطوير الوعي والتنوير بكل أشكاله وترفض التعاون مع العديد من المؤسسات العلمية والباحثين الدينيين المتحررين فكرياً. تقبل وبكل سخرية الإملاء الخارجي بتعديل المناهج أو تطويرها "تقليم الوعي الحر" في (كوميديا مضحكة) ومحزنة في الوقت نفسه. إن التحرر الحقيقي لا يكمن كما يعتقد البعض في أمتنا بعزل أنفسنا عن "المآزق الفكرية" أو الاكتشافات الحديثة، من السهل الوقوف والقول: "حسنناً لقد أخطؤا كم هم حمقى!"، لكن من المستحيل إثبات أنهم بالفعل كذلك، وعندها يظهر من هو الأحمق بالفعل. هذا يقودنا إلى مستوى سطحي جداً من التفكير، لدرجة أن البعض في عالمنا الإسلامي يتصوّر أن الخلاص لا يكون إلا بصناعة قنبلة هيدروجينة وتفجير نصف الكرة الغربي، ثم ماذا بعد ذلك؟ لن تجد حقاً من يخبرك، لو كنت تمتلك القدرة على تدمير كل ما لا يروق لك في العالم فهل ستستخدمها؟ لو فكّرت في الأمر ستجد بأنك لن تتغير أبد، وضعت المشاكل والصعاب في الحياة لنتكيف معها نبحث عن الحلول. نفكر ونطوّر من أنفسنا وبذلك نتقدم. الحيوانات لم تفهم الأمر لذلك إستمرت في التأثير في العالم الخارجي بمبدأ القوة وحده، في النهاية كانوا فقط ينتظرون قوة أكبر من التي لديهم ليختفوا نهائي، كما حدث للديناصورات قبل ملايين السنين.. المضحك أنه رغم ملايين السنين من سقوط تلك الصخرة الفضائية التي أبدأت الحياة منذ عهد الديناصورات، فإننا لازلنا نجد عقول تلك الكائنات البدائية "التي تحيّر العلماء في وصف مدى غبائها" نجدها في عقول بعض الأفراد اليوم، مبدأ القوة، التحرر الحقيقي هو أن نحرر عقولنا من الأوهام وأجسادنا من الشهوات وأنفسنا من الشك و أرواحنا من اليأس!! وليس أن نفرض قوة مفرطة لتدميرها والبقاء كما نحن. علينا أن نرى الطريق من جديد، بأن ندرك بأن وجودنا ليس لمجرد تناول الأطعمة والشراب وتضيع الوقت أو جمع الأموال والزواج والإنجاب الكثيف، ألا تستطيع أن ترى؟ كلها مؤامرة لإبقاء الشعوب في العالم الثالث، ذو وعي مخفض وسطحي جد، مشغولة فقط بلقمة عيشها وإشباع شهواته، وتستمر في البقاء ضمن أدنى مستويات الوعي (الحسي) أو أسوء، ويجعلها سهل الانقياد للسلطات الدينية التابعة للعصور الوسطى ومن ورائها الأنظمة الفاسدة القمعية، التي تعبث بمقدرات وإرادة هذه الشعوب الغافلة. فالنقطة الأخيرة هي التنوير والتحرر الفكري، وعليك أن تفهم أنه لتطوير وعيك عليك ألا ترتبط بأي ميراث قديم أي كان. أنظر لنفسك وكأنّك آدم وقد نزل إلى الأرض للمرة الأولى، وأبحث بنفسك عن الحقيقة، من المفترض أن تجدها في كل مكان وليس فقط في الكتب الدينية؟ لماذا لا تستطيع أن تراها خارج المسجد أو الكنيسة أو المعبد؟ لأنك في الحقيقة لا تستطيع أن ترى بنفسك، أنت ترى من خلال عيون الآخرين، تفكر من خلال عقول الآخرين، تستمع من خلال آذانهم، توقف عن قول: "سمعت فلان يقول، رأيت الناس تفعل كذا، قال الرجل فلان كذا وكذا"، واستبدلها بـ: "أنا أقول، أنا أرى، أنا أعتقد" لماذا تريد أن تكون "جرذاً فكرياً"، تقتات على ما يلقيه الآخرون من أفكار، تحرر من كل عبودية فكرية، وابدأ بالإنتاج، ابدأ بالكتابة وعبّر عن رأيك وتوجهك، وهكذا فعل الأقدمون ولم يتصوّروا للحظة أن أفكارهم ستستخدم لردع الأفكار الجديد واكتشاف المزيد.. أعد صياغة نظرتك الدينية والعلمية والثقافية والذاتية من جديد. نظرتك أنت وليس نظرت غيرك.
شجرة الحياة ونحن يوم القيامة ننبت من "عجب الذنب" كما ينبت الشجر تماماً. وهناك إشارات كثيرة في القرآن تربط بين حياة الإنسان والشجرة.. يقول تعالى:
((وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا)) (17)
سورة نوح عملية التحرير لهذه العناصر تعني السيطرة عليها كما أسلفن، في كل مرحلة تحدي وهدف وأسلوب خاص..
القدرات الإدراكية
وعملية التحرير الذاتي: القدرات الذهنية تكتسب وجودها من تلك الطبيعة، معظم البشر يؤمنون بوجود الروح،بأننا لسنا مجرد عظام ولحم، لكن عندما يأتي الأمر إلى القدرات الذهنية، يسود الإنكار والشك شريحة واسعة، هذا أشبه بأن تؤمن بوجود الجاذبية ولكن تنكر أثرها على الطبيعة، أمر مضحك، لا زلت أجد صعوبة في فهم هؤلاء الذين يؤمنون بوجود الروح ولكن لا يؤمنون بأن لها أثاراً على هذا العالم الخارجي. فما هو تعريف الوجود بالنسبة إلى هؤلاء؟ ما يعطي للأشياء الحق بالوجود هو مقدرتنا على إدراك ذلك الوجود، إما بشكل مباشر كالظواهر اليومية والطبيعية، أو المنطق والرياضات لوصف الأشياء التي تدرك بشكل نظري أو غير مباشر، وحتى الله الذي لا يمكن الوصول إليه بالحواس أو الفكر نستدل على وجوده بآثاره في المخلوقات وتنوع الطبيعة. لا يمكن لوجود ما إخفاء وجوده بشكل كامل، ولو استطاع ذلك فهو بالفعل غير موجود، إن لم يكن هناك دليل على وجود الشيء فهل يمكن أن تقول أنه موجود؟ فهؤلاء الذين ينكرون الأثر الروحي في العالم يفترضون في الأساس أن للروح كيان خفي عن إدراكنا يفوق خفاء الله بحد ذاته، فهل هذا ممكن؟ هل يمكن أن يكون المخلوق أكثر خفاء من خالقه؟ إنها أشياء صغيرة لا يمكن تفسيرها، عندما نرى الرؤيا في المنام تتحقق، عندما نشعر بمكروه يصيب أحد أحبائنا ويكون بالفعل بحاجة إلينا، نفكر أحيانا بأحد ما فيتصل بنا أو يزورنا، عندما نسير في الطرقات وننظر إلى أحدهم وفجأة يشعر بتلك النظرة ويلتفت إلينا، عندما يؤذي الحاسد الناس بالنظرة والشعور، عندما نسمع أصواتاً أو نشعر بوجود ما حولنا أو مشاعر لا يمكن تفسيرها كحدسنا أو صوتنا الداخلي، عندما نخشع في الصلاة أو نخلص في الدعاء نشعر براحة وخفة في أوزاننا وكأننا على وشك الطيران، عندما لا نعتبر كل تلك الظواهر ناتجة بالأساس من طبيعتنا الروحية، فنحن ببساطة نقضي على أدلة وجودها وبالتالي علينا تصوّر أن كل تلك الظواهر غير موجودة، أي أننا كملايين البشر نعيش يومياً وهماً جماعياً لا وجود له، والأسوء من كل ذلك ما فائدة الروح إن لم يكن لها أثر؟ إن الذين ينكرون أثر الروح يضعون أنفسهم في مكان غريب لا يملكون فيه سوى التشدّق بفكرة "الروح البليدة" التي بالتأكيد "موجودة" وبالتاكيد "لا أثر لها"، الذين يربطون الروح بالحياة عليهم تفسير سلوك البكتيريا التي تتكاثر بطريقة جنونية "فهل تقوم بإنتاج سريع للأرواح؟" والفيروسات التي تعتبر عتبة الحياة تتصرف كجماد خارج الجسد العضوي وحية داخله "فهل أتقنت إخراج روحها وعودتها إليها؟"، عليهم أيضاً تفسير الطبيعة العضوية للإنسان، فعلم التشريح لا يعترف بوجود الروح كسبب للحياة أو الموت، بل بقاء القلب والعقل والأجهزة الحيوية في حالة عمل دائمة، هل يمكن أن يموت شخص ما بدون سبب عضوي؟ أي أن يكون سليماً عضوياً؟ يمكن أن تعتقد ذلك، لكن ستقوم بتدمير أحد القوانين المهمة وهو قانون السببية، فلابد لكل شيء من سبب، هل يمكن أن يكون هناك موت بلا سبب؟ لو قلت ذلك فأنت في نفس الوقت يجب أن لا تعترض إذا أخبرك شخص ما أن العسل إنسكب من جرّة غير مخروقة، أو أن الكرة دخلت المرما دون أن تركلها قدم! أو أنك رسبت في الإمتحان دون أن تدخله! أو أن الكون وجد بالصدفة وبدون سبب. هل ستقوم بعمل "فقاعة استثنائية" حول الأمر وتتمنى من أعماق قلبك أن لا تنفقع، مثير للشفقه. والسببية مسألة معقدة وكبيرة لا يمكن بحثها هنا، لكن عليك أن تكون حذراً تماماً في التعامل معه، السببية ليست شيئاً يمكننا الإستغناء عنه متى شئنا، الإلحاد يبدأ بافتراض أن السببية ليست قانوناً يحكم الوجود، كل شيء يبدأ بسبب ويكون سبباً لشيء آخر، إلى أي مدى تؤمن بأن هذه العبارة حقيقة؟ هل تؤمن بوجود أشياء تحدث بلا سبب؟ وحتى المعجزات لا تحدث إلا بسبب وهو الله، فكيف يمكن أن يحدث شيء آخر بلا سبب؟ والعشوائية التي سنتحدث عنها باسهاب هي في الأساس ليس لها معنى، لأنه لو كان لها تعريف أو معنى محدد لما أصبحت "عشوائية" أليس كذلك؟ عند تقدم الوعي، فالفرد يكتسب سيطرة أكبر على الذات، هذه السيطرة لها العديد من المناطق التي يمكن لها أن تفرض السيطرة خلاله، مناطق مختلفة داخل الدماغ، الدماغ هو لوحة التحكم والوعي هو المسيطر، عندما نسير الوعي في اتجاه معين داخل الفكر فنحن نقوم بفتح "مسارات" للوصول إلى كامل القدرات الخاصة بنا، سواء المادية أو الروحية. وفي جميع الحالات فكل ما نفعله في الأساس هو بسط المزيد والمزيد من السيطرة، لكن ما مقدار تلك السيطرة؟ منذ الولادة إلى مرحلة النضج، تزداد السطيرة تدريجي، إلى حد معين ثم تقف، السبب ببساطة أننا نكتفي، لا نعقد أنه يوجد المزيد داخلنا، لا نعتقد أننا قادرون على اتقان مهارات معينة، غير أن المجتمع يغلق باقي الطاقات داخلنا، فنكتفي وننفصل عن الفطرة، لنعيش في الفطرة التي رسمها لنا المجتمع. بما أن للإنسان أربع عناصر وجودية كما أسلفنا وهي: الجسد ،العقل، النفس، والروح. فالدماغ البشري طوّر مناطق داخله للسيطرة على هذه المناطق، لقد ارتبط المفهوم البشري للحرية على مدى التاريخ بالحرية "الجسدية"، أي امتلاك الفرد للحرية في تنقل بجسديه حيث يشاء، ثم انتقل الأمر لا حقاً إلى أنواع أخرى كحرية التفكير والرأي (حرية عقلية)، الحرية الشخصية والخصوصية "نفسية"، حرية ممارسة العبادة التي يشائها الفرد "روحية". مناطق السيطرة الدماغية هي مناطق يمارس فيه الوعي النفوذ ليصل التحكم المطلوب في أحد العناصر، فينشأ لدينا أربعة أنواع من الوعي حسب المنطقة التي يستعملها داخل الدماغ.
السيطرة على الجسد
"المرحلة الأولى" الذيّن يوجّهون تطوّر وعيهم نحو الجسد يمتلكون سيطرة مشابه ولكن بنسبة أقل، أساطير مقاتلي النينجا والساموراي القدماء تتحدث عن ظواهر قريبة، رهبان معبد الشاولين والمجاهدون المسلمون، انطلاقاً من الجزيرة العربية نحو اجتياح العالم المعروف أظهروا بسالة وقدرة تحمّل عالية جداً، مقارعة جيوش تفوقهم في العدد والعتاد بقوة الوعي الإيماني، المتصوّفون لاحقاً ومعتنقو ديانات عديدة.. يمارسون المشي على الجمر أو المسامير، دليل على قوة الإيمان أو استحضار الأولياء أو الأرواح المرشدة، مستويات أقل تمارس في الكراتيه والفنون القتالية الحديثة، يطلقون عليها "كيميه" كلمة باللغة اليابانية تعني "روح قتالية"، صرخة، تزيد قوة الركلات واللكمات، تحطيم ألواح الخشب أو الحجارة. وهذا جوهر الكراتيه، أي تحويل القوة الكامنة في الجسد البشري إلى قوة وحشية لتدمير الخصم بسرعة وكفائه، يتطور جميع الفنون القتالية نوع من الإنضباط العقلي، مستوى من الذكاء والتركيز الذهني مطلوب لتحقيق مستويات عاليه لبعض الحركات. حيث من المذاهب الفكرية والروحية تنشأ رياضة جسدية، تحرير الجسد هو أسهل مراحل التحرر، ولكنه أساسي من حيث أنه البوابة الأولى لتحرير باقي العناصر، لكن كيف يتحرر الجسد؟ نحن في الحقيقة نظن بأننا نسيطر على أجسانا وتلك خدعة أخرى، معظم وظائف الجسد هي وظائف لا إرادية أي أن الوعي المتدني لا يسيطر عليها.. سرعة التنفس ودقات القلب، تنظيم الهرمون وتنظيم السكر في الدم، الضغط والقدرة على التحكم في المؤثرات الجسدية الداخلية: كالجوع والعطش والألم والجنس. القدرة على استخدام العضلات الجسدية بنسبة 100%، الحساسية الشديدة، اتساع حدقة العين، التوازن عند الحركة السريعة، إفراز الأدرينالين.. والكارثة .. عدم القدرة على التحكم في أصابع القدم بشكل منفصل، هل لاحظت أنك غير قادر على فعل ذلك؟ وهل لازلت واثقاً أنك تتحكم بجسدك.. أم في الحقيقة جسدك هو الذي يتحكم بك؟ تعتمد فلسفة تحرير الجسد على "اقتلاع الجذور" حيث نتحكم في البداية بما يدخل إلى جسدنا من غداء أو سوائل، الصوم لعدة أيام قد يكون بداية جيدة، ثم تبدأ مرحلة التدريبات الجسدية، وليس المقصود منها بناء عضلات مفتولة، فالهدف ليس القوة بل السيطرة، الرياضة التي تمكننا من السيطرة على نقاط الضعف في أجسادنا هي مزيج من تمارين الإطالة والليونة، والتحمل، نرى هذا المذهب كثيراً من أنواع الرياضة مثل: اليوجا والجنباز والكونج فو وغيرها. وبناء التمرين المناسب والمتوازن عن طريق الجمع بين العديد من الرياضة العالمية أو الفنون القتالية هو المفتاح نحو سيطرة أكبر على الجسد. المرحلة المتقدمة من التحرير تتضمّن اختبارات عليا للتحمّل ومقاومة الألم والرغبات الداخلية، وفي هذه المرحلة وحدهم الخبراء الذين أمضوا سنوات في التدريب يستطيعون الخضوع لها. إن تطوير تمرين بشكل ذاتي هو أمر قد يكون خطيرا، استشر طبيبك أو مدرّبك الخاص إن كنت تعاني من أي مرض مزمن، لا تمارس الرياضة القاسية أو العنيفة كل يوم. اتخذ جدولاً صغيرة يتضمن تمارين عامة وأساسية وقم بالارتقاء يومياً في هذا التمارين وزيادة العدد، إن العبرة هي القيام بالنشاط العضلي القليل ولفترة دائمة. وليس القيام بتمرين شاق ثم الإصابة والقعود. الصلاة هي عبادة ورياضة في نفس الوقت، صلّ أكبر عدد ممكن من الركعات يومياً نهاراً وأقم صلاة الليل، إن جميع الرياضة الروحية تحتوي حركات تشابه وضعيات الصلاة وهذه من نعم الله علينا أن جعل في الصلاة صحة للأبدان. في نهاية هذه المرحلة المفترض أن نكون قد سيطرنا ولو بدرجة معينة على اللياقة العامة للجسد، الصحة، القدرة على التحمّل، الصبر على الجوع أو العطش أو الألم. والارتقاء بالمستوى الجسدي يرتبط بمدى وعي الفرد وإدراكه بنفسه وتصميمه. الجسد أداة، وكلما كانت تلك الأداة أكثر فاعلية كانت الأثر الذي تتركه في العالم الخارجي أكثر وضوح، وكما يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير"، ولكن المؤمن القوي يترجم ذلك الخير إلى العالم الخارجي باستخدام جسده "أداة إدراكه".
السيطرة على العقل هي
المرحلة الثانية: يقول الله تعالى: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)) من الآية 260 سورة البقرة فسيدنا إبراهيم (عليه السلام) لم يطلب من الله رؤية إحياء الموتى ليؤمن به، بل ليحقق السلام الداخلي الذي ترتاح به النفس. على المعرفة أن تكون ضمن التوجيه الفطري الإيماني،والعقل يكون ذو غاية سامية نحو إدراك الحقائق الإيمانية وليس الجدال والتضييق. هذا يكسب قدرة ذهنية،يطلق عليه "الذكاء الخّلاق" ذاكرة قوية جدا، تحليل سريع وقدرة على الاستنتاج والتخطيط، الابتكار وإيجاد الحلول لأعقد المشاكل، وضع العلوم أو استنتاج الروابط المفقودة والقوانين. الإدارة وقيادة التجمعات البشرية الكبيرة.
مقال معاد نشره
| |||||||||
|