|
|||||||||
> الصفحة الرئيسية - الحكمة - مقالات أخرى |
|||||||||
التأثير الباطني للموسيقى
العالم ابتدأ برقصة... قالوا في الشرق الأقصى. فالرقصة والكلمة والإنفجار الكوني قد لا تعدو كونها تعابير مختلفة أو أردية متنوعة لحقيقة واحدة وهي الحركة. والحركة في أصلها المتقشف وأصالتها المبدعة، ذبذبة. والذبذبة هل تكون غير روح الموسيقى?
لماذا إن قرأنا شعرا نشعر بالموسيقى؟
فهل في هذا ما يفسر سمو الفنون
ورسالتها، ويشرح
وحدة الوجود؟!
الموسيقى عطر النفس
وبلسم الروح. الموسيقى
نسمة
الحياة. حتى إذا انصت إلى صوت الطبيعة، سمعت أنغام الموسيقى تصدح من كل صوب، من صوت موج البحر يتكسر على الشاطء... إلى صوت تغريد عصفور... وخرير مياه ساقطة جارية... وحفيف وريقات الأشجار... إلى ما هنالك من إيقاعات موسيقية يعجز المرء أحيانا عن حصرها. فالموسيقى ترافق الإنسان منذ الولادة وحتى الوفاة، حتى وإن لم يعرها الانتباه اللازم أو الاهتمام الكافي!
لماذا الموسيقى؟ من ناحية أخرى، يفسر العلم الصوت، أي صوت بأنه صوت ينجم عن ارتطام الهواء أو احتكاكة بالأجسام الصلبة، هذا جانب واحد من واقع الصوت، يحدد من خلال امكانية الحاسة السمعية فقط... وإلا لكان سماع أصوات الزواحف والحشرات وحركة جوف الأرض وحركة الكواكب ممكنة! لكن حقيقة الموسيقى أبعد مما تقدم وأعمق بكثير، فهي صوت تحرك الذبذبات في الأجواء، كما في الباطن، سواء في جوف الأرض أو في صميم الإنسان. هي أصلا صوت حركة الذبذبات الكهرومغناطيسية أو تذبذبها في طبقات الأثيرإن لم ينتبه العلم إلى هذا الواقع بعد. وما يثبت هذه الحقيقة هو أن النبات يتأثر بالموسيقى -استنادا إلى نتائج الاختبارات العلمية- مع انه ليس للنبات إذن ليسمع بها، فكيف يتفاعل النبات مع الموسيقى! تشرح علوم الايزوتيريك أن النبات يتفاعل مع الموسيقى عبر الأثير، أي عبر الهالة الكهرومغناطيسية الخاصة بالنبات المحيطة به، التي تنقل ذلك التفاعل إلى مسامه، فلو أن الموسيقى تنتقل عبر ذرات الهواء لما استطاع النبات التفاعل مع الموسيقى! لأنه لن يستطيع أن يسمع الموسيقى إلأا بإذن مادية أو حاسة سمعية إذا كانت الموسيقى تنتقل عبر ذرات الهواء الكثيفة، لكن كون النبات يتفاعل مع الموسيقى ولو بقدر ضئيل فذلك دليل أكيد على أن صوت الموسيقى ليس الهواء بل حركة الذبذبات الأثيرية أو الكهرومغناطيسية التي تنطلق من الذبذبات نفسها لتتفاعل مع الحقل الكهرومغناطيسي او الهالة المحيطة بالنبات! من ناحية أخرى أن ضجيج الحياة هو ما يحول موسيقى الطبيعة صوتا .. أما سكون النبات فيحول الصوت موسيقى !! ويجعل الأذن الموسيقية المرهفة الإحساس تستمتع حتى بالأصوات التي لا تستطيع الاذن العادية إلتقاطها، من أغلظ الأنغام (contrebass) إلى أرفع الأصوات وأحلاها (coloratura) وكأن معنا هذه الأخيرة (coloratura) المشتقة من كلمة (color) أي لون ، يكشف ضمنا العلاقة الذبذبة اللونية بالذبذبة الموسيقية أو بالتحديد ما هية ما تحت الأحمر وما فوق البنفسجي في علم الألوان أو "سلم الألوان" إذا جاز التعبير.
ترى ما هو تاريخ الموسيقى؟ ألا أن العلوم الباطنية فتذهب أبعد من ذلك ويغوص في تاريخ الأرض منذ بدء الخليقة، إذ تقول "إن فعل الخلق أو الكلمة الأولى الأولي لفظها الرب الخالق كانت صوتا أثيريا ذا مقاطع موسيقية"! ذلك يعني أن الموسيقى رافقت الإنسان وجود الإنسان على الأرض منذ ملايين السنين! لكن نوع الموسيقى ونوع الأدوات والآلات الموسيقية اختلفت بحسب الحضارات الإنسانية التي تعاقبت على الأرض. منذ آلاف السنين دأب كبار المتصوفين واليوغيين بوجه خاص إلى الارتفاع بتأملاتهم عبر تموجات الأنغام الشجية في الفضاء... أو بالأحرى الانعتاق بغية الارتقاء إلى حالات السمادي والنيرفانا عبر دوزنة حالتهم التأملية على أنغام الألحان الشجية التي تناجي الروح، لترتفع بها إلى أن تتحقق الرؤيا أو المشاهدة أو المعاينة والوصول إلى حالات من الغبطة أو السمع الباطني!
وماذا كانوا يسمعون؟ وبفضل هؤلاء العارفين القدامى، نشأت أبجدية الموسيقى ، أو النوتات السبعة، درجات السلم الموسيقي، الذي هو في الواقع صوت إيقاع أو نغمة كل من الكواكب السبع في دورانها.. تحكي قصة وجودها بلغة كونية من دون كلام أو هي تقدم تسابيحها بخشوع إلى رب الأكوان، ألحانها تذكرنا بالسيمفونيات الأخيرة لبتهوفن (أي السابعة والثامنة والتاسعة). هكذا وصلت الموسيقى إلى الأرض، وكان الاغريقي اورفيوس أول المرحبين بها في العالم الغربي أو أول من عمل على تجسيد رقة إيقاعها بواسطة الناي، وجعل الموسيقى في متناول أسماع الجميع ، فدعي "أورفيوس " بإله الموسيقى والشعر في المثيولوجيا اليونانية. ومن تمتع بنعمة السمع الباطني يكشف لنا بعلم اليقين أن الذبذبات الأثيرية ، بتنقلها في الفضاء تصدر رنات موسيقية، اوركسترا ولا أروع ولا أشف، وأنغامها ولا أبدع ولا أرق! ذكرنا أن تاريخ الموسيقى يعود إلى أزمان غائرة في القدم لم يصلها التاريخ المكتوب، أما في الحقبة الزمنية التي تمتد عبر التاريخ المكتوب فإن الموسيقى ارتقت وانتضمت وكرست على أيدي الإغريق، إستنادا إلى المثيولوجيا الإغريقية، التي تقول أن اورفيوس، إله الموسيقى والشعر ابتدع الناي من عظم الحيوانات وراح يناجي الآلهة، واستطاع أن يسيطر من خلال رقة عزفه وسحر موسيقاه على الوحوش الضارية، حتى وصل به المطاف إلى التحكم بمخلوقات نورانية أو ملائكية... تلك الأسطورة تأكد أهمية الموسيقى في حياة الإنسان وفي كل ما حوله! ولان الأسطورة ليست مجرد خرافات وخيال إنسان قديم ، بل ترتبط بالواقع الذي يعيشه إذ يتخيل الاسطورة ليفسر الوجود بها ، كالكوارث الطبيعية التي تدل على غضب الإله على الإنسان حسب الأساطير. كما أن عددا من الآلات الموسيقية الشائعة، يعود تاريخها إلى العهد الإغريقي القديم . والسيتارة أو القيثارة كلمة يونانية لأنها من إبداع أو تطوير أورفيوس، كذلك الأرغن أو الأورغ إغريقي المنشأ كما يدل أصل الكلمة. ثمة مثل قديم يقول: إذا شئت أن تعرف حضارة أحد الشعوب ، يكفي أن تستمع إلى موسيقاه. هذا القول يعبر عن الواقع إلى حد بعيد. لأن الموسيقى تعكس الباطن الإنساني وما يحويه من مستوى وعي!
إستمع إلى موسيقى القارة الأمريكية، تجدها صاخبة في
معظمها لا تدخل أعماق النفس بل تتوقف عند حدود الجسد! منذ القدم كان للموسيقى استعمال شائع في دور العبادة، لما لها من تأثير مميز. فمنذ التاريخ القديم وحتى يومنا هذا ، لم تزل الموسيقى مهيمنة على حيات الشعوب... أكانت في الطقوس الدينية الإفريقية وقرع الطبول، أو في أورغ الكنائس ، او في ترانيم الصلاة ورقص الدراويش ونقر الدفوف، أو في الحسينيات، أو في معابد الشرق الأقصى وموسيقى الكزيلوفون. مما يدل على مكانت الموسيقى الراقية وتأثيرها في الحالة النفسية والفكرية لدى الشعوب كافة. ولنتعمق قليلا في تأثير الموسيقى في النفس والفكر، إذا ما اخترى أحدهم بنفسه واستمع إلى أي نوع من أنواع الموسيقى ما الذي يحدث في كيانه؟ أول ما تفعله الموسيقى أنها توقف التركيز الذهني، وتجعل المرء شارد التفكير فيشعر وكأنه عاجز عن حصر ذهنه في أي موضوع .... بعد ذلك توقظ الموسيقى المشاعر في الكيان، وذلك بحسب نوع الأنغام الموسيقي. إذ أن الموسيقى الصاخبة تستثير الإحساس والموسيقى الهادئة الناعمة تداعب المشاعر الرقيقة وتناجي رهافة الحس... سواء بإثارتها الفرح والسعادة، أو الحزن والكآبة. بعض أنواع الموسقى تخمل الفكر وتوقظ المشاعر، والمشاعر عادة أقوى في الإنسان العادي من الفكر وأكثر فاعلية منه. فإذا أطلق المرء العنان لمشاعره فإنها قد تأثر في كيانه ككل... فيأتي التفكير من منطلق المشاعر التي استيقظت في نفسه. وبهذه الوسيلة يمكن التحكم بالأشخاص الضعفاء الشخصية، بواسطة الموسيق التي تخمل الفكر وتوقظ المشاعر... وبهذه الوسيلة كانت الثورات تجد طريقها إلى الشعوب عبر أغاني حماسية ثورية... وبهذه الوسيلة أيضا كانت المذاهب الدينية القديمة تلقم لبعض الشعوب بواسطة تراتيل دينية خاصة... وبهذه الوسيلة كان المرضى النفسانييون يشفون باستماعهم إلى موسيقى هادئة، لاسيما موسيقى باخ التي تتميز برتابة وتكرار وهدوء... خلافا لموسيقى بتهوفن وموزار التي توقظ المخيلة وتتفاعل مع الهالة الأثيرية لا مع المشاعر مباشرة. والسر بين أنواع الموسيقى الكلاسيكية هذه يكمن في تفاوت الطبقات اللحنية (registre) في موسيقى بتهوفن وموزار. فالتعاقب بين موسيقى عالية وأخرى خافتة، من شأنه أن يوقظ الفكر والوعي في الكيان ويطلق العنان للمخيلة على نقيض الموسيقى الرتيبة التي تهدئ الجسد والفكر وتتفاعل مع المشاعر، ولهذا السبب ما زال بتهوفن وموزار بوجه خاص يتربعان على عرش الموسيقى والإبداع الموسيقي... لأن موسيقاهما تتميز عن غيرهما بما تضفيه من تفاعل فكري. ولعل روائع الألحان الموسيقية تكمن في صداها! ومثلما حلاوة الثمرة تكمن في لبها، كذلك أصالة الموسيقى تكمن في صداها... وهذا ما دعا البعض إلى القول أن خلود الموسيقى ينم عن أبعاد صداها كما الفكر يقرر عمقه بمدى أبعاده! أما كيف تتفاعل الموسيقى مع الكيان البشري، فالعلم يخبرنا بأن الأصوات التي تنتقل إلى الدماغ تأثر في الجزء السمعي من الدماغ، الذي بدوره يأثر في الجهاز العصبي ككل ، فتفرز الغدد افرازات معينة تهدئ الجسد والنفس . هذا الواقع ينطبق على الإنسان والحيوان كنتيجة وليس كسبب. لأن الحلقة الناقصة في هذه المعلومات هي أنه لو كان تأثير الموسيقى يتأتى عن الصوت نفسه، لما تأثر النبات ولا المياة بالموسيقى لأنه لا يملك أداة سمعية ولا جهاز عصبيا أو دماغ لسماعه الأصوات!
إذن، التفاعل الموسيقي ينم عبر الهالة
الكهرومغناطيسية أو الأثيرية المحيطة بكل كيان، أكان إنسانا، حيوانا أو نباتا. الموسيقى التي هي حركة الذبذبات الأثيرية في الأجواء، تنطلق من الآلة الموسيقية في كل مكان فتخترق الهالة الأثيرية المحيطة بكل كيان، فتأثر في تحرك ذبذباتها ، فإذا كانت الموسيقى هادئة هدأت حركة ذبذبات الهالة ونظمتها، فهدأ الكيان وارتاح... وإن كانت الموسيقى صاخبة، أثارت الحركة الذبذبية في الهالة ونشطتها، فانعكس ذلك نشاط في الجسد، وبالتالي تتأثر ذبذبات المشاعر والأحاسيس، ثم ذبذبات الفكر والتفكير. والجدير بالذكر أن علم النفس قد اعترف مؤخرا بوقع الموسيقى على النفس وتأكد مما تحقق منه اليونانيون القدماء سابقا، وهو أن المرأة الحامل التي تستمع طوال أشهر الحمل إلى الموسيقى الهادئة يتمتع وليدها بهدوء أعصاب ورزانة وطول أناة بنسبة أعلى من الذي لا تستمع والدته إلى الموسيقى طوال أشهر الحمل!
كما أن الطب النفسي قد بدأ باستعمال الموسيقى كدواء
مهدئ في بعض الحالات العصبية، لاسيما في المصحات العقلية. فالنفس البشرية هي مكمن المشاعر والأحاسيس في جسم باطني أو جهاز وعي خاص بها يلي جسم الهالة الأثيري مباشرة، وهو ما يسمى بالجسم الكوكبي، لذلك يسهل التأثير في هذا الجسم بواسطة الهالة الأثيرية، فيشعر المرء بتأثير الموسيقى من دون أن يدرك سبب لذلك. والعلوم الباطنية تأكد أن العلماء سيكتشفون في المستقبل القريب أن تأثير الموسيقى لا يتوقف عند النفس البشرية فقط، كما يعتقد علم النفس، بل يتعداها إلى أعماق الكيان الإنساني حيث تستقر الذات العليا رمز الحقيقة في الإنسان. وما المانترا أو اللفظة المرنمة أو المرتلة أو التسبيحة، سوى إيقاع موسيقى من نوع خاص يتفاعل مع الذات العليا فيوقظ الإرادة والحكمة والمحبة السامية في الكيان. ناهيكم عن أن علم الموسيقى لم يكتشف بعد اختلاف تأثير الآلات الموسيقية في الكيان البشري. فالآلات الإيقاعية كالطبل والدف تتفاعل مع الأحاسيس الجسدية فقط... فيما الآلات الهوائية النفخية كالناي والساكسفون والفلوت تتفاعل مع المشاعر... وقد ترتقي إلى مستوي المحبة السامية. أما الآلات الوترية فتتفاعل مع الفكر وتنشط الهالة الأثيرية.
روابط لبعض المعزوفات التي تم
ذكرها في هذه المقالة: ____________________ المراجع: 1- محاضرات في الإيزوتيريك -الجزء الرابع، بقلم الدكتور جوزيف مجدلاني.
***
كيف نستخدم الموسيقى؟ فكلنا سكارا، لا نحتاج لنشوة غنائية، بل إننا نحتاج لتركيز اكثر وطاقة حفظ أكبر، ونور أكثر حتى يتم الترقي... -إقرأ في مكونات النفس الإنسانية- أما في حالات التأمل ، فإن في المراحل الأولى لتدريب على التامل يمكن ان يصاحب التدريب موسيقى معينة، وبعد ان يختبر المتدرب حالة الصمت، يمكنه الإستغناء عن الموسيقى، حتى يسمع صوت الصمت وهو التامل الأفضل للمرء ، وعندها سوف يستمع للقرآن بخشوع أكبر واكثر من أي شخص أفكارة مشردة ولا يملك فن التركز والإنصات. إنما يسألنا البعض عن تأملات أوشو الخاصة (الديناميكية) التي يصاحبها الموسيقى.. فنقول أن أوشو يستخدم تقنية عدم التركيز في الوصول إلى حالة الصمت أو (حالة الذهول)... من خلال عدم التركيز على الأفكار... لهذا فإن تأثير الموسيقى هي توقف التفكير.. لأن حكمته تقول بأن الإنسان ليس عقل ولا قلب ولا جسد، فهو يريد للمتدرب أن يخترق عمل التفكير وعمل المشاعر ليكتشف أنه روح وليش مشاعر ولا قلب ولا جسد، ويتم الوصول من خلال ارهاق الجسم بالرقص، وارهاق الفكر والمشاعر بالموسيقى... لانه وجد أن النفس البشرية بها الكثير من الكبت جراء العادات والتقاليد، وأراد أن يفرغ هذا الكبت من خلال هذه التقنية... إلا أننا لا نستطيع ان نحكم على تقنيات أوشو بالسلب ولا بالإيجاب، إنما عند الإمتحان يكرم المرء او يهان... فيمكنك ان تجرب كل شيء، حتى تجد ما هو أفضل لك. إلا أننا نعود فنقول لك بأن إنسان اليوم لا يحتاج إلى شيء من هذا القبيل حتى يصل للحقيقة، بل يمكنه الوصول لها بطرفة عين عندما تكون إرادته بيديه وليس بقرين الجن الذي معه... -رابط مكونات النفس الإنسانية-
أحمد الفرحان ***
| |||||||||
|