|
|||||||||
> الصفحة الرئيسية - الحكمة - مقالات أخرى |
|||||||||
الحياة هي الموت والولادة
لا تسأل عن عمر الجسد، و لكن اسأل عن عمر الروح. لا تسأل عن طول الحياة، ولكن اسأل عن عرض الحياة. لا تسأل عن فترة الحياة، ولكن اسأل عن كيفيه الحياة. استيقظ لليوم الجديد... ليس هناك وقت لتفكر بالماضي أو تقلق بشأن الغد، ذلك لأنك حرا في عيش حياتك... وعندما تأكل فطورك وتذهب للعمل فلا تضيع وقتك في البحث عن معنى الحياة بل عش الحياة بأكملها، وسوف تعرف معنى الحياة. الحياة ليست جسر يجب اجتيازه أو وزر ثقيل... لقد حاول أكبر العلماء والفلاسفة اكتشاف علة وجودها وشرحها، ولكنهم أخفقوا جميعا... ذلك لأنها ليست علة... فالحياة جميلة. لا نستطيع أن نعرف الحياة أكثر من أن نحياها، فالحياة ما هي إلا كذبه لبعض الناس، الذين هم ملهيين في زحمة سير أمور الحياة الدنيوية... الحياة لا تعني الزواج والإنجاب والبحث عن الأموال والتجارة والشهادات... بل الحياة تعني العيش والتناغم والترابط والدمج بين الزواج والشهادات والأموال مع إتمام الرسالة التي أتيت من أجلها. الحياة لا تعني أن تعيش في فرح وسعادة وغنى، ولكن الحياة تعني أن تعيش بكل جوانبها من فرح وحزن أو من غنى وفقر... هذه هي الحياة، فالحياة هي مدرسة لفهم ذواتنا... لندرك أن الشهادات والأموال لعبة سوف تذهب وتموت... الحياة هي أن تعيشها وتستمتع بالمال والشهادات وتدرك إنها لعبة، وتستغلها لتحقق سعادتك ورسالتك... فلا نجعل الحياة تحكمنا بل تخدمنا. الحياة هي التوازن بين المتضادات... بين الذكر والأنثى، وبين الحب والكره، وبين الحرب والسلام... هي أن تعيش؛ لأن لا حب بدون كرة ولا حرب بدون سلام ولا ليل بدون نهار... هي أن تعيش الازدواجية التي في الحياة، لاحظ كيف تسير الحياة... لاحظ القبائل والشعوب المختلفة... الشحاذ يصبح بها غني والمالك يتحول مملوك وهكذا... فهذا هو نظام الكون... كل شيء يتبدل ويتغير، والشيء الوحيد الثابت هو نظام التغيير ذاته... وهذا ما يعطي للحياة طعم... هذا اختبار الغوص في الحياة... اذهب فالحياة متاهة وغابة بها كل ما تتمناه وترفضه. الحياة هي جميلة وليس بها قبح، كما أن العذاب رحمة، فإن في تعاستها فرح، وفي قبحها جمال، إنما عليك أن تجده، فإن وجدته فإنك ستصبح متدينا، لان الجمال هذا من جمال الله، والله جميل يحب الجمال، إنه لا يصنع شيء قبيح، وإنما أنت من ترى هذا القبح، حيث إنه بالحقيقة ليس موجودا، بل أنت من تتصور وجوده، كما أن الإنسان خلق الحروب، فأن على الإنسان أن يخلق السلام الآن، ولا سلام إلا إذا نظر الإنسان من زاوية جميلة، حتى يرى الحياة كلها جميلة... فإن القبح أتى من الجهل، كما إن الحروب شنت من الجهل وعلى الماديات وعلى العالم الخارجي. الحياة بشموليتها أخي الإنسان. الحياة كبيرة يا صاحب هذا العرفان. هذه هو البيان... الحياة بيان..الحياة كتاب الله المفتوح، أنت كتاب الله المفتوح. لا تكن من الوجود ولكن كن مع الشهود... عش الحزن والفرح وشاهد الحزن والفرح، وأيضا لا تدع الحزن يأثر عليك ولا تدع الفرح يأثر فيك، لأن هذا ميزان له كفتان والكفتان نفس الشيء ولكن المميز والمثير يكون في الوسط... أن تكون شاهد على الأطراف المتضادة المتوافقة... على هذه الرقصة الازدواجية.
اللحظة التي تحاول أن تنجز بها عملين هي لحظة ضائعة، حاول أن تعيش كل لحظة كما هي، فإذا أتاك الحزن فعش الحزن، وإذا أتاك الفرح فعش هذا الفرح... افرغ كل طاقة الفرح التي فيك؛ لأن هذه اللحظة وهذه الحالة نعمة وهبة من الله... حاول أن تعيش هذه اللحظة بصدق؛ لأن لا حياة إلا بهذه اللحظة... لا موت ولا ولادة إلا بهذه اللحظة... فأنا لا أحبك للأبد بل أحبك بهذه اللحظة فقط؛ لأنني لا أعلم ماذا سيحصل في اللحظة الآتية بعدها... لهذا أعيش اللحظة بصدق. الحياة تسكن الآن في هذه اللحظة، ويجب علينا أن نحياها هنا الآن في هذه اللحظة، ويجب أن نحضر حضورها فينا-كالصلاة- لأن ((الآن)) لباس الحياة... فلحظة الماضي والمستقبل تكون متمثلة في العقل والتصور فقط، ولكني أريد أن أوقظ وعيك ليعيش الحياة معي ويقرأ الكلمات معي... فلحظة الماضي والمستقبل لحظة ميتة؛ لأن الفكرة من حصاد الماضي وزرع المستقبل، ولحظة الماضي والمستقبل لحظة ميتة لأنها ليست في الواقع بل ستبقى في تصور عقلك وذاكرته... كذلك الحقيقة تكون في اللحظة ((الآن)) ولكن الحكمة تكون في لحظة الماضي والمستقبل...بل كن واعي للماضي والمستقبل ولكن لا تسكنها...بل زرهما لحظات واسكن ((الآن))،لا تسكن المستقبل والماضي وتزور ((الآن)). يا سفير الحقيقة... إن علم الغيب وضع رحمة من الله تعالى، لأن عدم المعرفة بالمستقبل يعتبر كالحجاب، والحجاب رحمة؛ ذلك لأن إذا انكشف ما سيكون في المستقبل والذي هو الحقيقة التي تسكن خلف هذا الحجاب المسمى بالغيب، والموجودة خلف سخافة هذا الوجود، حينها يُسحق العقل ولم يعد يعمل.. فإذا لم يعمل عقل الإنسان بات في الحيوَنة ولن يسمو أبدا؛ ذلك لأن الحياة هي السمو. لأننا نحزن عن الماضي ونقلق بشأن المستقبل، فأصبحت حياتنا كالأرجوحة، نتأرجح ونتمرجح بين الماضي والمستقبل... إننا نعيش حال الرحَّال والترحَال، الذي يرحَل من ضيعة إلى ضيعة ماشياً على قدميه، فيتطلع إلى الضيعة التي يرحل إليها"المستقبل" ويلتفت إلى الضيعة التي قد رحل عنها"الماضي"... فيتذكر الماضي ويتأمله، ثم يتخيل المستقبل ويأمله... وحينها ينسى وقع أقدامه وتخبطها إن كانت تخبط على حجر أو تراب أو وحل...هذا حالنا كحال الرحّال وقت الترحال... عسى أن يتبدل الحال عنه هذا الحال. لا تقلق على الغد، لأن الغد يهتم بنفسه، ويكفيك كل يوم ما يحتويه من مشاكل لتحلها... انظر أيها الإنسان لطيور السماء... إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع في مخازن أو متاجر، والله يرزقها طعامها كل يوم...فأنت أهم منها لأنك الخليفة وخير خليقة... فكيف تقلق على رزق المستقبل وأنت أهم من طيور السماء!؟
سلوى النعمة
| |||||||||
|