|
|||||||||
> الصفحة الرئيسية - الحكمة - الحكيم أوشو |
|||||||||
طريق القلب
كلمة شجاعة جميلة جدا. أتت من كلمة يونانية وهي "Courage"، و""Core" تعني قلب. إذن كلمة "كوريجاس" (Courageous) تعني أن تعيش بالقلب. وفقط الضعفاء هم من يعيشون بعقلهم؛ خائفين، يضعون حماية حولهم، حماية عبارة عن المنطق الذي يغطيهم، متخوفون ويغلقون كل النوافذ والأبواب من حولهم بآراء ومعتقدات دينية، كلمات ونظريات، وداخل هذه النوافذ والأبواب المغلقة هم يختبئون. طريق القلب هو طريق الشجاعة؛ إنها تعني أن تعيش بلا ضمان. أن تعيش بحب؛ أن تتحرك باتجاه المجهول، حيث تترك الماضي وتسمح للمستقبل أن يتجسد أمامك. الشجاعة هي أن تتحرك بطرق ومجالات خطرة. الحياة خطرة. وفقط الجبناء هم من يستطيعون تجنب الخطر، ولكنهم بالأصل ميتون. الإنسان الحي، الحي حقا هو أن يتحرك دائما نحو المجهول. يعرف أن هناك خطر، ولكن سيقبل هذا الخطر. القلب دائما مستعد أن يخاطر ، القلب دائما مغامر. إنما الرأس، هذا العقل مثل رجل الأعمال، الرأس دائما يحسب ويعد، إنه لئيم، إنما القلب فلا يحسب أبدا. كلمة "Courage" بالانجليزية تعني الشجاعة، وهي جميلة جدا أيضا، وممتعة. أن تعيش من خلال قلبك يعني أن تكتشف معنى ما. الشعراء يعيشون خلال القلب، أو حتى هم شيئا فشيئا يبدأ القلب يستمع لأصوات غير مألوفة. إنما الرأس دائما يكون مليء بماهو معروف مسبقا ومعلوم. ماهو العقل؟ إنه كل ما كنت تعرفه، إنه الماضي، الماضي الميت، إنه يخزن كل ما مضى. العقل ما هو إلا مجمع لذلك الماضي المتراكم فوق بعضه، إنه الذاكرة. إنما القلب هو المستقبل، القلب دائما هو الأمل. القلب دائما يجول في مكان ما في المستقبل. الرأس يفكر بالماضي، بينما القلب فإنه يحلم بالمستقبل. المستقبل يأتي بالانتظار، المستقبل يحدث. المستقبل لا زال محتمل، سيأتي.. إنه قادم. في كل لحظة يكون المستقبل حاضراً. والحاضر يصبح ماضي، لا احتمالية فيه. لقد استهلك الحاضر وانتهى وأصبح ماضي. الماضي تنتهي منه سلفا، وهو دائما يتحرك إلى الوراء.. إنه متعب جدا.. إنه منهك جدا لأنه شيء ميت.. إنه كالقبر. إنما المستقبل كالبذرة، إنها دائما متحركة.. والحاضر ليس إلا حركة نحو المستقبل. إنها خطوة اتخذتها مسبقا، إنها اتجاه نحو المستقبل. كل الناس يريدون أن يصبحوا حاضرين حقيقيين، لأنه بمجرد أن تكون حقيقي يجلب ذلك لك الكثير من المتعة والغبطة والسعادة والهناء ومنتهى النعيم. لماذا على الإنسان أن يكون مصطنع وزائف وغير حقيقي؟ يجب أن تكون لديك القليل من الشجاعة ومن بُعد النظر والبصيرة، وقليل من الادراك والفراسة لتجيب، لماذا أنت خائف؟ ماذا يستطيع أن يفعله بك العالم أجمع؟ الناس يستطيعون أن يضحكوا عليك -هذا الضحك سيخدمهم لأن الضحك دائما دواء للصحة- قد يعتقدوا إنك مجنون.. إنه مجرد اعتقاد بأنك مجنون. هذا لا يجعلك مجنونا فعلاً. بل مجرد اعتقاد في عقولهم. إن كنت في صحة وشعورك بالمتعة والفرح حقيقيين بدموعك وغنائك ورقصك. فإنه عاجلا أم آجلا سيكون هناك أناس يتفهمونك. وقد ينضموا إلى قافلتك. أنا عن نفسي لقد بدأت هذا المشوار وحدي، وبعدها قاموا آخرين يأتون، واليوم أصبح هذا المشوار طويلا وقافلته في كل مكان.. لم أدعوا أي شخص لينضم لي، وإنما ببساطة فعلت الشيء الذي كنت أشعر به من قلبي. مسؤوليتي اتجاه قلبي فقط، ليست اتجاه أي أحد آخر في العالم. كذلك مسؤوليتك فقط اتجاه كيانك أنت. لا تكن ضد نفسك، لأن من يكون ضد نفسه كمن يقوم بالانتحار، فهو يدمر نفسه. وما الذي ستكتسبه حينما تكن ضد كيانك وطبيعتك؟ حتى لو أن الناس أعطوك الاحترام، واعتقدوا أنك المحترم المبجل والجليل، هذه الاعتقادات عنك لن تغذي أو تنعش أو تحيي كيانك.. هذه المسميات التي يلصقوها الآخرون عليك لن تعطيك إدراك ووعي بالحياة وبجمالها الخلاب. كم من ملايين الأشخاص الذين عاشوا قبلك على هذه الأرض؟ لا تعرف اسمهم حتى.. هل عاشوا ام لم يعيشوا.. فلن يشكل ذلك فرقا لك. لقد كان من قبلك قديسين وكان هناك اناس محترمين كثر، وكان هناك العديد من غريبي الأطوار.. والمجانين. ولكن كلهم اختفوا، ولم يبقى لهم أي أثر على وجه الأرض. الأمر الوحيد بالنسبة لك الذي يجب أن تهتم وتراعيه وتحميه هي الخصال التي تستطيع أخذها معك عندما يدمر الموت جسدك، ودماغك. لأن هذه الخصال ستكون رفيقك الوحيد. هذه الخصال هي ذي القيمة الحقيقية، والناس الذين يملكونها، هم فقط الأحياء حقا ويعيشون الحقيقة.. أما الآخرون فإنهم يتظاهرون بأنهم مفعمون بالحياة، ويتنعمون بمشاهدة الحقيقة. أحد مباحث وكالة الأمن الدولي الروسية طرق باب "يوسل فركشتاين"[1] في ليلة مظلمة... فتح "يوسل" الباب. سأله المباحث وكأنه ينبح: "هل يوسل يعيش هنا؟" أجاب "يوسل": "لا" ووقف أمامه بملابس النوم. سأل المباحث: "إذن من أنت؟" فقال: "أنا يوسل" قام رجل المباحث بضربه فرماه أرضاً قائلا: "انك أجبت قبل قليل بأنك لا تعيش هنا" فأجاب "يوسل": "وهل تسمي هذه عيشة؟". أن تعيش فقط، لا يعني أنك تحيي الحياة أو تعيش فعلا. انظر لحياتك، هل تسمي هذا نعيم؟ هل تسميها هدية من الله، وأن الله أو الوجود معك؟ هل تود أن تعود لحياتك مرة أخرى بعد الموت؟ وتعيدها مرة أخرى وأخرى؟ لا تستمع للنصوص، بل إلى قلبك. هذا هو النص الوحيد الذي أصفه: استمع بانتباه وتيقظ والتفت برعاية ووعي وادراك ولن تكون مخطأ أبدا. إن استمعت إلى قلبك فلن تكون مقسما منفصما. ما إن تستمع إلى قلبك إلا وتتحرك نحو الاتجاه الصحيح، دون حتى أن تفكر أي الاتجاهين صحيح وأيهما خاطئ. من صفاة الانسانية في هذا الزمن، هو أن يحصل المرء على سر الإصغاء للقلب بوعي وادراك وبيقظة وتروي وانتباه. استمع إلى قلبك واذهب حيث يأخذك. نعم، أحيانا يأخذك نحو المخاطر، ولكن تذكر.. إن تلك المخاطر مطلوبة لتجعلك جاهزا للحصاد. أحيانا تأخذك وتضلك وتضيعك، تذكر مرة أخرى بأن هذا التوهان هو جزء من نموك. أحيانا كثيرة ستسقط. انهض مرة أخرى. بتلك الطريقة الشخص يُجمّع القوى. بالسقوط والنهوض مرة تلو المرة.. هذا هو الطريق، أن يكون الشخص متماسك. ولكن لا تتبع قوانين مفروضة عليك من الخارج. القانون المفروض لا يمكن أن يكون صالحاً، لأن القوانين من اختراع الناس الذين يريدون أن يرأسوك ويقننوك ويستخدمونك. نعم، بعض الأوقات كان هناك أناس عظام في العالم أيضا. حتى محمد، بوذا، كرشنا، وعيسى، لم يعطوا قوانين وشروط للعالم، بل إنهم قدموا حبهم. ولكن عاجلا أم آجلا التابعين والأصحاب يتجمعون مع بعضهم ويبدئون باعطاء قواعد ونقاط وشيفرات لتنظمك وتأمرك. بمجرد اختفاء المعلم أو السيد أو المرشد. عندما يختفي النور يهم الناس في ظلام دامس. فيبدؤون يبحثون عن قوانين معينة لاتباعها، لأن النور الذي كانوا ينظرون من خلاله]المرشد[ لم يعد موجودا، فيتبعوا التعاليم. ما فعله المسيح لم يكن همس من قلوب الآخرين، بل كان همس قلبه هو، وما يستمر في فعله المسيحيون ليس همس قلوبهم، بل هم مقلدون. وفي اللحظة التي تقلد بها، فإنك تهين نفسك وتهين انسانيتك وتهين ربك. أبدا لا تكن النسخة الكربونية، النسخة المنسوخة والمقلدة لأحد، بل كن دائما فريد أصلي. ولكن ما يحدث في العالم هو عكس ذلك تماما. فمع كل نبي ومرشد هناك نسخة مقلدة. إن الحياة رقصة، إن كنت فريد بنفسك.. إن كنت أصلي. بل أنت مجبول على أن تكون كذلك، فطرتك تدفعك لأن تكون أصلي فريد من نوعك. انظر كيف أن كرشنا يختلف عن بوذا. وإن كان كرشنا يتبع بوذا، فإنه يفوت عليه المتعة الحقيقية، وكنا سنفتقد أجمل مخلوقات الله على الأرض. وكذلك إذا كان بوذا يتبع كرشنا، فسيكون نسخة تقليدية رديئة. بمجرد أن تفكر أن بوذا هو من يعزف الناي على الناس! فإن كثيرا منهم سينزعج.. لأنه لم يكن عازف للناي أصلا. كذلك فكر في بوذا وهو يرقص؛ سيبدو ذلك سخيفا جدا وغريبا. والشيء نفسه بالنسبة لكرشنا.. تخيل أنه جالس تحت شجرة من غير ناي، من دون تاج الطاووس، من دون ملابس حلوه.. بل يجلس مثل المتسول تحت شجرة وعيناه مغمضتان. لا أحد يرقص من حوله، لا شيء من ذلك الرقص ولا شيء من تلك الأغنيات. بتلك الصورة سيصبح كرشنا مفقود ومعدم ونكرة. إن بوذا هو بوذا، وكرشنا هو كرشنا، وأنت هو أنت. وأنت لست أقل من أي أحد آخر، احترم نفسك وقدرها، واحترم صوتك الداخلي واتبعه. وتذكر، أنا لا أضمن لك أن صوتك دائما سيأخذك ويدلك إلى ما هو صحيح. أحيانا كثيرة سيأخذك إلى ما هو خاطئ. ولكي تصل إلى الباب المطلوب، الباب الصحيح، عليك أن تطرق الباب الخطأ اولا. هذا هو الحال. إن طرقت أول باب وكان هو الصحيح، فلن يكون بمقدورك أن تحكم إن كان صحيحا أو خاطئ. إذن تذكر، لكي تصل إلى المطلق، فإن جهودك لن تضيع سدى، لأن كل جهودك ستساهم للوصول إلى القمة حيث نموك الروحي. لذا لا تتردد، لا تقلق كثيرا، حيث القلق يأخذ منك جهد كبير أثناء التفكير ما إذا كان جهدك سيؤدي إلى الصواب أو الخطأ. هذه أحد مشكلات الناس، لقد عُلموا ألا يخطئوا أبدا، ألا يقوموا بعمل خاطئ. ونتيجة لذلك، أصبحوا مهزوزين مترددين، خائفين جدا، مذعورين ان يرتكبوا أي خطأ، وبذكلك يصبحوا عالقين في مكانهم.. لا يمكنهم التحرك، فإن تحركوا فقد يحدث شيء ما خاطئ. وبعد الوقت يصبحون كالحجارة، يفقدون كل الحركة. قم بالاخطاء قدر الامكان، متذكراً فقط شيء واحد: لا ترتكب الخطأ نفسه مرة أخرى. وستنموا وتكبر وتتطور. إنه جزء من حريتك، جزء من كرامتك أن تعترض على الله. وأحيانا من الممتع والجميل أن تعمل شيء ما ضد الله. هكذا تبدأ عجلتك بالدوران والحركة. ولهذا تجد الملايين من الناس في جمود بلا حركة. إنس كل ما قيل لك عن أي شيء، "هذا أمر خاطئ، هذا أمر حسن".. الحياة ليست ثابته. الشيء الصحيح اليوم، قد يكون خطأ غداً. الشيء الذي كان خطأ في هذه اللحظة قد يكون صحيح في اللحظة القادمة. الحياة لا يمكن أن تكون كالمكتبة التي تصف الأوراق فيها وتحفظها، حيث لا تتغير أو تتبدل.. لا يمكن أن تلصق عليها طوابع وتسميها اسما ما بسهوله؛ "هذا صحيح وهذا خطأ"، كما أن الحياة ليست مختبر حيث كل محلول يلصق عليه طابع، وإن قرات هذا الطابع فإنك ستعرف ما فيه وما تركيبه هذا المحلول بسهوله. الحياة هي غموض وأحجية في لحظة ما، سيكون ذلك الأمر مناسبا وصحيحا، وفي لحظة أخرى لا يعد هذا الأمر صحيحا ويصبح خاطئا. ماهو تعريفي للأمر الصحيح؟ الأمر الصحيح هو الأمر المتناغم مع الوجود، وما هو غير متناغم فهو أمر خاطئ. عليك أن تكون يقظ في كل لحظة، لأنه يجب أن تقرر في كل لحظة القرار الطازج لها. لا يمكنك أن تعتمد على الأجوبة الجاهزة. لأن الأجوبة الجاهزة الموضوعة في قوالب ليس لها أي لمعان او ذكاء، بل تكون خرقاء وغبية. الأجوبة الجاهزة لما هو خاطئ وما هو صحيح، موجودة فقط للأغبياء الذين يعتمدون عليها، لأنه لا حاجة بهم أن يكونوا أذكياء. أنت بالأساس تعرف ما هو الصح وما هو الخطأ، حيث تستطيع أن تحفظ القائمة وتراجعها، فهي ليست كبيرة جدا. الوصايا العشر، بسيطة جدا، من خلالها تعرف ما هو الصحيح وما هو الخاطئ. ولكن الحياة مستمرة في التغيير. فإذا ما جاء موسى مرة أخرى، لا أعتقد إنه سيعطي الوصايا العشر نفسها التي قدمها أول مرة.. بعد ثلاثة ألاف عام كيف له أن يعطي نفس الوصايا العشر؟؟ بل عليه أن يقدم شيء آخر وفقا للواقع. ووفق فهمي الخاص، فإنه حيثما تعطي الوصايا، تخلق صعوبات للناس؛ لأنه في الوقت الذي أعطِيَت فيه هذه الوصايا، كانوا وقتها في تلك اللحظة موجودين، وبعد ثانيتين تكون تلك الوصايا قد عفى عليها الزمن. لأن الحياة تتحرك بسرعة، إنها حيوية وديناميكية، إنها ليست احصاء وأرقام. إنها ليست حوض ما أو بركة راكدة. بل هي جداول ومشارب وشلالات وفيضانات مستمرة في الجريان، إنها ليست كما هي عليه قبل ثانيتين من الآن. فأي شيء كان صحيحا قبل ثانيتين، قد لا يكون صحيحا الآن. إذن ما العمل؟ الشيء الوحيد الممكن هو أن تجعل الناس واعيين إنهم هم أنفسهم يستطيعون أن يقرروا كيف يستجيبوا لمتغيرات الحياة. قصة ما من الزن أذكرها..
الحياة كذلك.. لا تستطيع أن تحضّر لها وتخطط. ولا حتى ان تكون جاهز لها. وهذا هو جمالها، وهذا هو عجيبها وانبهارها، إنها دائما تفاجئك وانت غير مدرك، وتأتيك دائما بالمفاجآت. إذا كنت تملك عينين، فستجد أن كل لحظة هي مفاجأة، ولا يوجد إجابات معلبة جاهزة مناسبة لها.
osho
| |||||||||
|