|
|||||||||
> الصفحة الرئيسية - الحكمة - الحكيم أوشو |
|||||||||
الطاقة الروحية من الطاقة الجنسية
الطاقة الروحية [1] من الطاقة الجنسية: 14 نوفمبر 1970، في يوود لاند، بومباي، الهند. الحياة بكل حياتها، يمكن أن نراها بطريقتين مختلفتين. الحياة لها جانبين، الأول هو الجانب المادي، والآخر هو الجانب المعنوي أو الطاقي أو الروحي. ومن الطبيعي أن ننظر للجنس من خلال هاذين الجانبين؛ فالجانب الأول للجنس هو البيولوجي، الجانب المتعلق بالجسد وتفاعلات الجسد من سوائل وهرمونات. والجانب الآخر للجنس، هو الطاقي أو الروحي، والمتعلق بالفكر من خلال الوعي. لهذا من الضروري أن نفهم هاذين الجانبين في بادئ الأمر. الأول هو الجانب البيولوجي، هو الحياة التي تعيش فيها خلايا جسد الإنسان. وهذه الحياة هي جزء من الجسم. هذا الجانب البيولوجي الذي نسميه المني أو الجنس أو الشهوة أو أي اسم يمكن أن نراه بأعيننا الماديتين. ولكن هذا الجانب له علاقة بجانب آخر، وهو الجانب المعنوي أو ما نسميه بالطاقة الجنسية أو الطاقة. إن الأمر يشبه قطعة المغناطيس، في هذه القطعة المغناطيسية جانبين، الجانب المادي وهو الحديد، بينما هناك مجال مغناطيسي يحيط بهذه القطعة المادية لا يمكننا أن نراها في عيننا المجردة ولكنها موجودة لا محالة. وإذا ما وضعنا قطعة من الحديد بالقرب من قطعة المغناطيس، نجد أن المجال المغناطيسي الذي لا نراه بأعيننا يعمل على جذب القطعة الحديدية الأخرى. وهذا المغناطيس بالنهاية هو قطعه من الحديد حتى لو فقدت قوتها المغناطيسية، ولن تختلف عن أي قطعة حديدية أخرى، لا بشكلها ولا بوزنها ولا حتى تركيبتها الداخلية... إن هذا مجرد مثال لا أكثر. الروح هي بمثابة الحقل المغناطيسي. الجسد هو الجانب المرئي، الروح هي الجانب الغير مرئي، ولكن آثار الروح وأفعالها يمكن أن تُرى، فعل جاذبية الروح هي ما ترى. هذه الأرض التي نراها، لها قوتها الجاذبية التي تجذبنا كلنا على سطحها طوال الوقت.. ونحن لا نراها. وإن فقدت هذه الأرض جاذبيتها، فإننا لن نكون على سطح الأرض، بل سنطير في اطراف الفضاء. والصعوبة الكبرى التي يواجهها رجال الفضاء تكون قبل خروجهم من المجال المغناطيسي للأرض أي حوالي 200 ميل، وتنتهي هذه الصعوبة حينما يدخلون في المجال الفضائي الذي تختفي فيه جاذبية الأرض. لذا يمكنهم التنقل هنا وهناك مثل مهب الريح. وإذا تحرروا من أحزمة مقاعدهم، فإنهم سيكونون مثل البلونات الغازية التي تلتصق بسقف المنزل. هذه الأرض تجذبنا جميعا، ولكننا لا نعرف عن هذه الجاذبية شيء، لأننا لم نراها بأعيننا. الذي نراها هي الأرض، والتي لا نراها هي القوة المغناطيسية والمجال المغناطيسي. الذي نراه هو الجسد، والذي لا نراه هي الطاقة أو الفكر أو الوعي أو الروح. وبالطريقة نفسها يمكن أن نفهم الجنس. الذي نراه هي المواد والعمليات البيولوجية للجسم والذي لا نراه هي الطاقة الجنسية. وإن لم نفهم هذا الأمر، فلم نستوعب الأمور الأكثر تفصيلا حول الجنس فيما بعد... هناك الكثير من التجارب والخبرات العظيمة عن الجنس في الهند. هذه الأرض لها باع طويل من أيام التاريخ، قبل الميلاد بل قبل التاريخ المكتوب، أي قبل الميلاد بآلاف السنين. لقد أفادتنا "الهارابا" و"موهينجودارو"[2] بانظمة يوجا متقدمة ومفيدة. والـ"هارابا" تعود إلى ما قبل 7000 سنة. و في هذا التاريخ الطويل للسبعة آلاف سنة مضت، كان الكثير من التجارب والخبرات التي تتعلق بالجنس قد قدمت لنا، ولكننا اخطانا في تفسيرها وفهمها. نحن نزيد الأمر صعوبة حينما نفهم الجنس على إنه مجرد أمر بيولوجي مادي فقط. اليوغيون القدماء يقولون أن الطاقة الجنسية يمكنها أن تصعد وترتقي، لكن العلماء يقولون أن اليوغيون يكذبون لأننا حينما نشرّح الجسم، ونفتش بين أعضائه، فإننا لا نجد الحيوانات المنوية ترتفع أو ترتقي، بل لا يمكنها أن ترتفع أو تصعد للأعلى -كما يقول اليوغيون. ولكننا لسنا قادرين على فهم أن المقصود به هو الطاقة الجنسية وليست الناحية البيولوجية (المني)، ما يقصده اليوغيون هو الطاقة الجنسية التي ترتقي وليست الهرمونات هي التي ترتقي. فحينما يمارس الشخص الجماع، فإن الجانب البيولوجي (المني) ينزل ليخرج من جسد الرجل، بينما الطاقة الجنسية تعانق الأعالي، والمني يخرج من الجسم ليعانق حياة جديدة في رحم المرأة. إن أمرين يحدثان وقت الجماع الجنسي.. الأول هو مادي، والآخر نفسي أو معنوي. في المادي (البيولوجي) المني يتحرك ليبحث عن الأجزاء الأخرى في المرأة ليعانقها من أجل ولادة حياة جديدة. وفي الجانب النفسي أو المعنوي (الذي تحدثت عنه اليوجا) حيث وقت الجماع فإن الطاقة الروحية ترتفع -وهناك طرق أخرى لرفع الطاقة الروحية. ولا يمكن الخلط بأي حال من الأحوال بين الجانب الروحي مع الجانب البيولوجي. فليس هناك علاقة أو صلة وصل بين (المني) و"شاكرا السادسة أو السابعة" (المقام السادس والسابع). الذي يرتفع ويرتقي هي الطاقة، الحقل المغناطيسي، وحينما ينزل هذا الحقل المغناطيسي للأسفل، فإن الحيوان المنوي يبدأ بالنشاط والحركة. الولد يولد ومعه كل العوامل الجنسية وكذلك الفتاة.. وذلك بفعل القانون الوراثي. الفتاة حينما تنضج في أحد الأيام، فيكون لديها ثلاثة مائة ألف بويضة، بيضة واحدة في كل دقيقة. ومن كل هذه الثلاثة مائة ألف بويضة، ألفين منها سوف تثري وتنفع الرحم. ومن بين هذه الألفين بويضة، منهم عشرين يمكن أن تلقح طوال حياة الفتاة. وكل هذا يبدأ من سن الثالثة عشر أو الرابعة عشر، حينما ينضج العقل والفكر فيرسل الطاقة الجنسية إلى الأسفل لكي تنشط عمل البويضات. وفي الجانب الآخر، حينما تبلغ المرأة سن الأربعين أو الخمسين، تنتهي العمليات الجنسية البيولوجية. وليس من الضروري أن تضعف الطاقة الجنسية أو تموت -كما تتوقف العمليات الجنسية البيولوجية. المرأة ذات السبعين خريفا يمكنها الشعور بالرغبات الجنسية، ولكن من دون عملية بيولوجية تتحرك فيها الهرمونات الخاصة بالجنس. حتى الرجل ذات التسعين خريف، طاقته الجنسية يمكنها أن تهبط للأسفل من العقل إلى الجسد. على الرغم من أن جسده لا يتفاعل معه من ناحية الهرمونات، إلى أن عقله يبث له الأفكار الجنسية. الطاقة الجنسية غير محدودة. "المهافيرا"[3] لديه اسم آخر، وهو صاحب المني الغير محدود.. أي الطاقة الغير محدودة. إن حقيقة اسم "مهافيرا" مشتقة من ذلك المعنى. إنه يسميها "الفيرا الغيرمحدودة"، وليس لهذا الاسم علاقة بالجانب البيولوجي للجنس (المني/الهرمون) بل "فيرا الغير محدودة" تعني حرفيا أن الطاقة الجنسية المستمرة التي تهبط من العقل إلى الجسد، وتأتي من الروح إلى العقل. هذه هي الخطوات، من دونها لا يمكن للطاقة الجنسية أن تصل. حينما يتوقف العقل عن العمل، وهو في وسط طريق الطاقة الجنسية، سوف يتوقف الإيصال بين الروح والجسد، سوف يعيق ذلك مرور الطاقة الجنسية ولن تصل إلى الجسد. إن الطاقة التي أتحدث عنها والتي نسميها (الطاقة الجنسية) هي المقصودة في اليوغا والتانترا،[4] ولا اقصد بها الناحية البيولوجية التي تتعلق بالهرمونات وعمليات الجسم الحيوية. هذه الطاقة الجنسية يمكنها أن تصعد مرة أخرى وترتقي –كما هبطت من الروح، ثم العقل، ثم الجسم. إن بدأت هذه الطاقة الجنسية بالصعود مرة أخرى حتى عند الرجل العجوز، سوف تغدو حياته أكثر بساطة وبراءة، ويعود كما لو كان طفلا صغيرا بريء. سوف يشع النور والبراءة والطهارة من عينيه من جديد، تلك البراءة والجمال التي نجدها لدى الأطفال سوف تصبح موجودة عنده أيضا. وربما أكثر من ذلك.. إن براءة الطفل مليئة بالخطر، لأنه يمكن أن يفقدها مع مرور الزمن وعوامل المجتمع، تحت براءة الطفل يوجد بركان حي قابل للانفجار في وقت قصير. ولكن عندما تعود الطاقة الجنسية إلى مصدرها عند الرجل العجوز، ستكون حياته مليئة بالقداسة والبراءة والحكمة.[5] الطاقة الجنسية هذه، يمكن توجيهها من قبل العقل، إنها لا تنزل الطاقة الجنسية دون أن يطلب العقل منها ذلك، وحينما يمكن للعقل أن يجعل الطاقة الجنسية تهبط منه إلى الجسد، فهو قادر على أن يجعلها ترتقي من الجسد. تقدم في أمريكا، في العشرين سنة الأخيرة سن النضج لدى الأولاد والبنات بنسبة سنتين. أي أن سن النضج أصبح مبكر بنسبة سنتين كل من الفتاة والولد؛ الفتاة التي كانت ستنضج بسن الثالثة عشر، أصبحت تنضج في الحادية عشر، والآن فإن النضج يكون بعمر السن الحادية عشر. ذلك بسبب أن العقل الأمريكي أصبح يتعرض لأمور أو ملامح أو عوامل تثير الطاقة الجنسية، وهذه الإثارة يتعرض لها المرء، كما الأطفال من كل النواحي الحياة. أي أن الظروف والبيئة المحيطة حتمت على أن يصبح سن النضج الجنسي أو "البلوغ" مبكر بنسبة سنتين. ويمكن أن يتقدم سن النضج من السنة الحادية عشر إلى السنة التاسعة للفتاة. كما يمكن أن يتقدم و يصبح بالعام السابع أو الخامس. في أمريكا كل شيء صار يحتوي على رموز جنسية. الجنس أصبح وسيلة لترويج البضائع وتسويقها، من السيارة إلى السيجارة، وكل إعلان أو دعاية أصبحت تصور امرأة شبه عارية. وكل ذلك له تأثيرات شديدة على العقل البشري، فيبدأ العقل بإعطاء أوامره الجنسية للجسد قبل الموعد الطبيعي بعامين، ولابد أن تكون النتائج خطيرة. فيما مضى.. في هذه البلاد، لم يكن ذلك موجود أو يسمح في حصول ذلك، لقد كنا ناجحين في الحفاظ على الشباب والفتيات بعيدا عن عالم الجنس قبل سن الخامسة والعشرين. والعقل كان ناجحا في تحكمه في هذه الطاقة. ويكون ذلك بفضل تدريبات جسدية روحية خاصة وتأمل خاص وإرادة. حينما يكون الشخص قادر على وقف تدفق طاقة الجنس من عقله إلى جسده حتى السن الخامسة والعشرين، فإنه يعيش أكثر متعه، وفي المستقبل حينما يدخل عالم الجنس، سوف يفرق بكل سهوله بين الفرح قبل دخوله لعالم الجنس، والفرح بعد دخوله لعالم الجنس. لذلك، من عاش حياة التبتل إلى ما بعد سن الخامسة والسبعين، سوف يبدأ بعيش حياة مقدسة بعد سن الخمسين، لأنه قد وعى الفرق بين الفرح قبل عالم الجنس وبعد دخوله فيه. إن حديثنا اليوم عن الفرح المتصل بالتبتل، كأننا نتحدث عن خرافة، لأن ليس هناك أحد يفهمه أو يدرك. لأن الناس جربوا فقط الجنس، ولم يجربوا البتولية أبدا. إن المؤسف في هذا هو أمر واحد فقط؛ إن الطاقة أخذت تتدفق من العقل إلى الجسد نزولا، يكون من الصعب التحكم بها لأن ترتقي وتصعد من جديد، لأنها قد شقت طريقها وحفرت سكتها، و رسمت مسارها، فعندما تسكب كأس من الماء على الأرض، فإن الماء سيجري بعيدا عن مصدره، ويترك أثرا وراءه، وبعد فترة سوف يتبخر هذا الماء، وكأن لم يكن على الأرض ماء، وتبقى أثار مسار الماء فقط. وحينما تسكب الماء من جديد، الماء سيكون مختلف كليا عن الماء السابق، ولكن احتمال قوي أن يأخذ الماء المنسكب الجديد في المسار نفسه الذي رسمه الماء المنسكب القديم. من الطبيعي أن يتدفق الماء في المسار الأسهل له. هناك رغبة من الماء لأن يسري في المكان الأقل مقاومة له. حينما يدخل عقل غير ناضج عالم الجنس، فستتدفق الطاقة في المسار الأقل مقاومة والأسهل. وحينما لم تخرج الطاقة منه، فسوف يعيش معاناة وألم. وحينما تخرج الطاقة سوف يسترخي العقل ويرتاح. سوف يشعر وكأنه أصبح أكثر لطافة وكأنه قد تحرر من القيد والعبء الثقيل. ولكن حينما يكون لدينا الخيار والاختيار في جعل الطاقة ترتقي مرة أخرى إلى الأعلى، سوف نسعد ونشعر بالحكمة والحرية أكثر. وهناك ثلاثة أمور من الضروري أن نفهمها، لكي يكون عقلنا قادر على أن يتحكم باتجاه مسار الطاقة الجنسية، صعودا أو نزولا. الأمر الأول الذي لابد أن نفهمه، هو أن أي شيء يتجه للأسفل، يمكنه أن يتجه إلى الأعلى. القوانين العلمية يمكن أن تشرح ذلك. في الحقيقة إن أي شيء يمكنه أن يهبط، بإمكانه أن يصعد كذلك. الطريق التي يمكن أن ننتقل منه إلى الأسفل، يمكنها أن تأخذنا إلى الأعلى، الطريق هو ذاته، الاتجاه فقط هو الذي يتغير. إن الحياة لها بعدين. عندما ينسكب الماء من أعلى الجبل إلى أسفله، يمكن أن يتبخر فيصعد مرة أخرى فوق الجبل وينزل على صورة مطر، أو أن يحمله أحدهم بالدلو إلى قمة الجبل. ولا يمكن رفع الماء للأعلى دون هذه الخطوات، خلاف لما كان الماء يهبط من الأعلى، بحكم الطبيعة. الطاقة الجنسية تهبط للأسفل، بحكم قانون الطبيعة المحكم. إن أراد أي شخص لأن يأخذ الطاقة الجنسية من الأسفل إلى الأعلى، فلن يكون هذا الأمر سهل. ولن يتحقق ذلك بفعل الطبيعة. سوف يتحقق ذلك بجهد وإصرار وإرادة. على المرء أن يعمل جاهدا من أجل ذلك. لأنه سوف يتجه عكس تيار الطبيعة. لأنك إن أردت أن تصل إلى البحر فلن يحتاج الأمر منك للسباحة والجهد، لأن تيار النهر سيأخذك بكل سهولة. ولكن إن أردت أن تصل إلى منبع النهر، إلى مصدر النهر، عليك بالسباحة والجهد العظيم. لأنك سوف تتحرك عكس تيار النهر الطبيعي. الذي يطمح لأن يرتقي في حياته، عليه أن يفهم النقطة التالية. عليه أن يكون حازم، لأن الطريق سوف يكون مليء بالصعاب. إن السعادة التي تتحقق حينما تهبط الطاقة إلى الأسفل تكون مؤقتة فقط، تختفي من اللحظة نفسها. طالما أن الطاقة الجنسية تهبط باستمرار فإنها تجلب معها السعادة، ولكن حينما ترتقي الطاقة وتصعد من الأسفل فإنها تأتي بأقصى درجات الفرح والبهجة والسرور. أنت من تأمر الطاقة بالصعود. أنت هو خزان الطاقة الجنسية، وهذه الطاقة لا نهاية وغير محدودة، بل تتكاثر تزداد في كل يوم. حينما تتوقف السعادة الخاصة بالطاقة الجنسية، فإن الحزن سيأتي مكانها ويزداد على حساب الآخر. لذلك، دائما ما يكون هناك ظل أسود من الحزن، يقف خلف السعادة التي تكون سببها نزول الطاقة الجنسية، وهناك عالم مشرق من الفرح والبهجة في مقابل كل بهجة سببها صعود الطاقة الجنسية من الأسفل إلى الأعلى. ليس هناك ظل من التعاسة يقف خلف هذه البهجة، كما يقف خلف السعادة التي تكون سببها الطاقة الجنسية الهابطة من العقل. إن البهجة –الخاصة بصعود الطاقة الجنسية من الأسفل- طبيعتها أنها تتراكم، لأنها تزداد في كل يوم، ولها الإمكانية أن تزداد أكثر وأكثر، وتدوم طوال العمر. ونقطة أخرى أخبرك بها عن المشكلة والحل. والآن سوف يكون من الجيد فهم ما هو الحل، وكيف للطاقة أن تصعد بوجود طريقة ما... سأعطيك تخطيطين أو ثلاثة، حيث تستوعبهم بشكل جيد. المسلمون يصومون، والهندوس والمسيحيون أيضا. بالأمس كان صديق لي يسألني عن معنى الصيام، ما الذي يحدث حينما يبقى المرء جائع؟ الناس الذين بدئوا بهذه العادة ليسوا حمقى. إن حاجة المرء للطعام في حياته أعظم الحاجات. لأن الطعام متعلق في بقاء الحياة بكاملها. من أجل الحصول على الطعام يمكن للرجل أن يتخلى عن الحب، والأم عن ابنها.. وأثناء مجاعة البنغال[6]، الكثير من الأمهات بعن أطفالهن من أجل الحصول على الطعام. الزوج يمكن أن يقتل زوجته، أو يبيعها، والزوجة تتخلى عن زوجها. حينما يقترب المرء من لحظة الموت، في اللحظة الأخيرة التي يستطيع ان ينقذ نفسه، فهو ينسى العالم حوله، لأنه يستطيع أن يجد زوجة أخرى، والأم ان تلد طفل آخر، ولكن لا يمكن للمرء أن يجد نفسه مرة أخرى حينما يفقد حياته. لهذا فإنقاذ الحياة لا يمكنه أن يتأجل أبدا. لهذا فالحصول على الطعام هو أعظم رغبة في الحياة. افترض أن هناك رجل جوعان، سوف يفكر بالطعام طوال الأربعة والعشرين ساعة. كل شعرة من بدنه سوف تطلب الطعام. في يقظته وحلمه سوف يفكر بالطعام. في داخل جسده هناك مكان ما خالي. هناك فجوة في داخله. جسده يطلب الطعام ويحتاجه، وهو في الوقت نفسه منشغل في صلاته للرب. جسده متوجه يبكي جوعا، أثناء صلاته تلك للرب. ففي يوم أو يومين من الزمن، جسده الذي يحتاج إلى الطعام بشدة، سوف يتحول إلى حاجة وعطش وشوق إلى الرب، كما هو حاجته إلى الطعام. الجسد محتاج للطعام، وعندما لا يجد الطعام، حينما يدرك أن ليس هناك طعام، لكن الله هو المطلوب، وبعد أربعة أو ستة أيام الجسد سوف يبدأ بالبكاء والالتجاء إلى الله عوضا عن الطعام. إن التحول قد تم. التركيز الذي كان باتجاه الطعام أصبح باتجاه الله. الحاجة الملحة للطعام أصبحت متجه للرب. وهذا تحول عظيم. إن الحزم يعني أن الطاقة تتوجه إلى اتجاه ما برغبة الشخص. حينما يطلب العقل الجنس، حينما يطلب الآخر، الطرف الآخر، المرأة تطلب الرجل، والرجل يطلب المرأة، حينما يتوجه العقل باتجاه الطرف الآخر. حينها علينا أن نوجه تدفق الطاقة. علينا أن نختار النظام المعاكس، لذا تكون لهفة العقل متوجة لتكون لهفة لله وللتحرر. من هنا علينا أن نضع أمرين أو ثلاثة في الحسبان. حينما يطلب العقل المتعة أو الرغبة الجنسية، فالجسم يبدأ سريعا بالتحضير لذلك الأمر. من مركز الجنس، حيث تبدأ الأعصاب بالنبض. مركز الجنس يبدأ بطرح الطاقة للخارج. إن علم التانترا[7] يقول: إذا استطاعت الطاقة الجنسية أن تتوجه لمكان ما داخل الجسم وأن تتراجع عن تواصلها مع الأعضاء الجنسية (ما يعرف بجنس المودرا sex-mudra)، سوف تلاحظ خلال لحظتين أن الجسد قد وقف استعداداته الجنسية وقد تراجعت رغبته بالممارسة الجنسية. ولكن حينما يكون الاستعداد قد تم، وطاقة الجنس وصلت إلى كامل وعيها في الجسد، والأعصاب قد عملت، والأعضاء الجنسية امتلأت بالهرمونات والدم، أيضا من الممكن أن تأخذ هذه الطاقة للأعلى وترتقي بها. ما إن نفكر بالجنس حتى تبدأ الطاقة بالتدفق نحو الأعضاء التناسلية. على المرء أن يوجهها للداخل، وحينها فالمنافذ الخارجية التي تخرج بها الطاقة الجنسية [الأعضاء التناسلية]سوف تغلق، ولن تستنزف الطاقة الجنسية. حينما تصحى تلك الطاقة، يجب أن نغلق أعيننا في ذلك الوقت. أغلق عينك وانظر من الأعلى، وكأنك تنظر من سقف الغرفة.[8] من خلال الممارسة المستمرة لمدة شهر، وسوف يبدأ شيء ما بالصعود. وسيكون ذلك حقيقة، ستشعر أن شيء ما بدأ بالصعود، شيء ما يصعد للأعلى، البعض يسميها "كونداليني" والبعض الآخر يسميها بأسم آخر. من الضروري أن تبدي اهتمام للنقطتين، الأولى هي "مولدهار" المركز الأول والأخرى هي الأعلى "ساهسرارا" المركز السابع[9] السهاسرارا هو أعلى مقام لدينا، والمولدهار هو أدنى مقام لدينا. المولدهار مقام ممتلى من الداخل، لذا فالطاقة فيه تبحث عن مكان لتخرج منه. والآن علينا أن نوجه العقل للاتجاه العلوي، اتجاه الأعلى، لأن الطريق للاعلى مفتوح بفعل الطاقة الجنسية التي نزلت من العقل إلى الجسد. إن طاقة الجسم تبدأ بالتدفق بأي اتجاه قد حدده العقل من قبل. هذا أحد الطرق في تحويل اتجاه الطاقة. إن طبقت هذه التجربة، فستكون الأمور الاخرى سهلة التطبيق من دون مصاعب. هذا ليس "الكبت الجنسي"، وإنما يسمى "تسامي" أو تهذيب للطاقة. الكبت الجنسي يعني أن باب درب ارتقاء الطاقة للأعلى مغلق، وأن باب الأعظاء الجنسية والمركز الجنسي السفلي مغلق من قبلك أنت، وكأنك تقف حارس على ألا يتسرب أي شيء إلى الخارج ]وقد تحتقن الطاقة الجنسية فيها[. ونتيجة الكبت الجنسي هو تهور عقول الناس ومزاجهم. إذا كانت الطاقة تتدفق، فلن يكون هناك كبت جنسي، بل تسامي. سوف تبدأ الطاقة بالتدفق من الأسفل إلى الأعلى. جرب هذه التجربة وسوف تعرف معناها. وهذه ليست نظرية فكرية أو علمية. هذا يحدث حقيقة، نتيجة خبرات ملايين من الناس ومن التجارب السهلة. وحينها تبدأ أزهار البهجة تتفتح في العقل والمراكز العليا للطاقة، سوف يختفي الجنس بالتدريج في حياتك، سوف تبتعد رويدا رويدا، وحينها سوف تغدو كالمولود الصغير الذي يتمتع بحياة نقية من جديد. سوف تتمتع بالبتولية مرة أخرى. ليس للجانب الفسيولوجي من الجسم أي صلة بهذا الشأن. فحينما نشرّح الجسم، فلن نرى الطاقة الجنسية موجودة. إن الطاقة الجنسية تشبه المجال المغناطيسي الذي لا نراه بأعيننا. لن نرى الطاقة الجنسية حتى لو شرحنا العظام، لن نجدها في أي جزء من الجسم. وليس هناك مفتاح أو باب يمكن من خلاله أن نجد تلك الطاقة، لأن ليس لها صلة بفسيولوجية الجسم. إنها نفسية، معنوية، روحية، تأخذ مكانها في العقل، وبالتحديد في الجزء المسئول عن الجسم. ولكن تأثيرها يبان في أجزاء معينة، فحينما تأخذ الطاقة بالهبوط من العقل، يبدأ (المني) أو الهرمون بالتحرك للخارج. وعندما لم تتدفق الطاقة نزولا، فإن (المني) لن يتحرك للخارج. [10] إن الجسد سوف يكون محمي تماما، ولكن هذه التجربة ليس الهدف منها هو حماية وصون الجسم. الجسم مقيد بالعمر، وسوف يتخطى ذلك العمر، لن يستند إلى العمر. إن أهم محرك جيد هي الطاقة. إنه مرتبط بالطاقة النفسية والروحية. وعلى مستوى الفرد، يمكن للطاقة الروحية أن تتمدد وتستزيد إلى درجة هائلة. حينها يمكن للشخص أن يقول عن نفسه: "إنني براهما"،[11] في ذلك الحين حينما لم تعد الطاقة تنزل إلى الأسفل. إن تعبير "أنا هو براهما"، ليس استنتاج منطقي. له هو استنتاح وجودي كينوني. إنها تجربة فردية. فحينما تتصل "بالوعي الكوني" أو "القدرة الكلية" (virat) سوف تشعر أنك لست مجرد فرد، وإنما الوعي الكلي. ولكن هذه التجربة محفوظة من قبل الوعي الكوني الإلهي، ومن المستحيل معايشتها واختبارها طالما أن الطاقة الجنسية لم تصعد للأعلى أبدا. [1] في الترجمة الإنجليزية كانت Self energy from sex energy، ومعنى كلمة self تعني الذات أو النفس، لذلك وجدت أن المعنى المقصود هو الروح/الجوهر، فكان هذا هو العنوان. ولابد من مراعاة الفرق بين النفس وبين الروح في الفكر الاسلامي. ولهذا فالعنوان هنا مناسب لما يقصده، حيث ان الطاقة الروحية هي الطاقة الجنسية. [2] مواقع أثرية في الهند. [3] أحد شخصيات المثيولوجيا (أساطير) الهندية، يقال أنه عاصر بوذا، وتوفي في 500 ق.م. (اكس فورد) [4] تؤمن اليوغا والتانترا بأن الطاقة الروحية والجنسية هي طاقة واحدة، ولكن بمستويات مختلفة. ويمكن للطاقة الجنسية إذا ما تحررت وارتقت إلى الشاكراتين العلويتين، فإنه يمكن أن يحصل للإنسان الكرامات والنعمة والتوحد بالحالة الصمدية. ويعمل جزء كبير من اليوغا ووضعياتها على تحرير هذه الطاقة التي تسمى (كونداليني)، و التي قد يرمز لها بالأفعى. [5] إن ما يقصد به اوشو بالروح والعقل والجسد قد يكون؛ أن لولا الروح لما تحركت الهرمونات، فالروح تعطي القوة العقلية بأن يتحكم العقل بالهرمونات، ومن خلال العقل تنزل القوة إلى الجسد فتكون الشهوة، و الأمر قد يكون عكسي حينما يستفيد العقل من القوة الجنسية ثم تستفيد الروح ومن هنا يكون صعود الطاقة الجنسية. [6] كان في سنة 1943. [7] علم هندوسي، يؤمن بأن هناك طاقة في أسفل العامود الفقري إذا ما تحررت وصعدت إلى الأعلى فإن الإنسان يحصل على الحكمة والنعمة، والتوحد مع الوعي الكوني، أو ضمير الكون، أو الإله. [8] هذا هو التأمل الخيالي الذي يعتمد على الخيال الذي يولد من خلاله النية والأفكار، والتي تلعب دور كبير في تحديد اتجاه الطاقة الكهرومغناطيسية في الجسم. [9] مركز الطاقة / الشاكرا / المقام: المولدهار هو المركز الأول، والساهسرارا المركز السابع. [10] إن توجه المني للخارج لا يتوقف على هبوط الطاقة الجنسية من العقل، بل حينما يفيض المني في الجسم فإنه يخرج من تلقاء نفسه، من دون أن يكون هناك رغبة جنسية، و قد يتحقق ذلك الأمر وقت الاحتلام أثناء النوم، ويمكن أن نفسر ذلك بأن الجسد يحتاج لهذه اللذة، اللذة الجنسية التي تصاحب الاحتلام، من أجل أن ينضج الوعي الخاص بالجسد والفكر والعاطفة. وفي ذلك فوائد كثيرة تغني عنها الكتب العلمية. [11] براهما أحد آالآلهة الهندوسية ذو القوة الهائلة.
* * *
osho
| |||||||||
|