|
|||||||||
> الصفحة الرئيسية - الحكمة - الحكيم أوشو |
|||||||||
تعلم لغة الصمت
نحن موصولون بالآخرين بطريقة غير مباشرة، ولكن عندما نتصل بهم بشكل مباشر، فإننا نمضي بالدردشة والحديث عن ألف وألف أمر لا أهمية له ولا داعي.. في الحقيقة لا شيء مهم البتة، إننا نتحدث لتمضية الوقت فقط! ولكن عندما تشعر بأنك قريب من شخص ما، تبدأ تتصاعد في داخلك مشاعر الحميمية، وعندها لن تستطيع الدردشة بسهولة عن أي شيء، لأن كل كلمة تكون مهمة. فلن تلعب بسهولة بالكلمات، فكل كلمة تأخذ لها دلالة ما ومعنى ما. وسيكون هناك فجوات من الصمت. وقد يشعر المرء بالغرابة في بداية الأمر.. فالمرء غير معتاد على الصمت. والمرء يشعر بأنه لابد أن يقول شيء وألا يكون صامتا، وإلا ما الذي سيعتقده الآخرون؟ كلما اقتربت أكثر، وكلما زاد الحب بينكما، يزداد الصمت، إلى أن يصل إلى درجة الصمت التام والطويل.. في الحقيقة، لا يوجد شيء لتقوله له. مع أن هناك الكثير لتقوله للأصدقاء، ولكن لا شيء لتقوله للحبيب.. وستشعر بالثقل لأن هناك صمت مطبق بينكما، ولم تعتاد على هذا الصمت بعد. بالتأكيد لم تسمع عن موسيقى الصمت، عن سمفونية هذا السكون والهدوء العميق. بالتأكيد لقد مارست طوال حياتك اللغة اللفظية من خلال الكلمات والأفكار والعقل. ولكنك لم تتعرف على طريقة القلب في الحوار.. من القلب إلى القلب.. لقد كبرت على نظام قديم للتواصل، ولا يسعف هذا النظام طموحك وتطلعاتك.. بل يكون دائما مقصرا للتعبير عما يجول في خاطرك.. لهذا عليك أن تنمي فيك نوعا جديدا من التواصل غير اللفظي. كلما نضج الفرد، كلما أصبح صامت أكثر، لأنه يستخدم لغة الصمت للتواصل. نحتاج اللغة الكلامية لأننا لا نعرف كيف نتواصل ونتحاور. عندما نعرف كيف نتواصل، فلن نحتاج إلى لغة منطوقة. ويصبح الصمت لغة اللغات. اللغة المنطوقة هي مرحلة ابتدائية، مدرسية، تعتمد عليها المدارس. إنما الوسيلة الحقيقية هي الصمت. لذا لا تفهم الموضوع بشكل خاطئ حتى لا تتوقف عن النضج والنمو. لن تخسر شيء حينما تنقص أهمية الكلام في حياتك. وإن كنت تعتقد ذلك فهناك خطأ ما في هذا الاعتقاد. حينما تخبو اللغة رويدا رويدا، هذا يعني بأن شيء جديد قد طرأ على كيانك، وأخذ النظام القديم في التعبير تتناقص كميته وأهميته. هذا يعني بأنك تنضج، وتكبر، لهذا عليك أن تبدل ملابسك القديمة بملابس جديدة على قياسك. ولن يعني هذا بأنك تخسر شيء ما في حياتك، وإنما يعني بأن شيء ما قد أضيف لك، هدية ما من الوجود قد وصلت لك. كلما تأملت أكثر، كلما أحببت أكثر، وصرت موصولا أكثر بالآخرين. وفي النهاية سيصل الفرد إلى لحظة يصبح فيها الصمت هو الأداة الوحيدة للوصال. لا، في المرة المقبلة، إن التقيت بالآخر ولم تتحاورا بالكلمات.. لا تشعر بالانزعاج، بل بالسعادة.. لأن الصمت قد وصل لك، وصار يخدمك.. اسمح لهذا الصمت أن يقوم بالحوار بدل الكلمات. نحن نحتاج للغة لكي نتواصل مع أناس لا نعيش معهم حالة حب. بينما الصمت – اللا لغة- نحتاج لها مع أناس نعيش معهم الحب. على المرء أن يعود إلى حالة البراءة مرة أخرى.. كما هو الطفل الصامت.. يومئ لأمه، يبتسم، يشبك بيديها.. ويبقى صامت.. ينظر إلى عينها ولا يفعل شيء آخر غير ذلك. ويعيش المحب مع حبيبه هكذا.. يتقابل، يندمج أحدهما بالآخر، وينغمس ويغوص.. يختبر كل منهما شعور عميق غريب.. لا أحد يشعر به غيرهما، لأنه شعور عميق جدا، لا يمكن التعبير عنه بكلمات. استمتع بهذا الصمت.. اشعر به تذوقه، استنشق عبيره.. وبعد وهلة من الزمن ستجد أنه صمت ولكنه نوع من الحوار والتواصل الجديدين عليك.. وستعرف إنه أعظم وأعلى وأعمق من أي تواصل كان.. ستشعر بأنه تواصل مقدس، وفيه نوع من الطهارة.
osho
| |||||||||
|