Facebook Login JavaScript Example

 

 

 
 

> الصفحة الرئيسية - الحكمة - الحكيم أوشو

 

 

ثق بنفسك

 

 

 

الثقة والأيمان بالحق يمكن أن يتحققا إذا وثقت بنفسك أولا. إن الثقة بنفسك هو أمر أساسي وأولي. فإذا وثقت بنفسك تستطيع أن تثق بي، تستطيع أن تثق بالناس وبالوجود. ولكن إن لم تثق بنفسك فلن تثق بأحد أبدا.

المجتمع يدّمر الثقة ويقتلعها من جذوها في المرء. المجتمع لا يسمح للفرد أن يثق بنفسه. إنه يعلمك كل الصور الأخرى للثقة، أن تثق بالوالدين، أن تثق بالكنيسة بالمعبد بالمسجد، أن تثق بالولاية بالله..إلخ. ولكن الثقة الأساسية الأولية، وهي أن يثق المر بنفسه، فإنه يدمرها تماما. وبعدها فإن كل صور الثقة الأخرى ستكون مصطنعة، وتميل لأن تحمل لون من ألوان الغضب في داخلها. ويبقيان الإيمان والثقة بلاستيكيين مثل الورود البلاستيكية، فلا جذور لها حتى تنمو الورود حيث العطور.

المجتمع يدمر الثقة متعمدا، لهدف ما. فالمرء الذي يثق بنفسه يكون خطرا على المجتمع الذي يعتمد على عبودية افراده. المجتمع الذي يستثمر كثيرا بالناس عبر العبودية. فإن الرجل الذي يؤمن ويثق بنفسه، سيكون مستقل. فلا تستطيع أن تستنتج أو تتوقع سلوكياته، سيمضي بطريقه الخاص حيث الحرية والحياة الحقيقية. سيثق فقط عندما يشعر، عندما يحب. عندها ستكون ثقته عظيمة وهائلة. ثقته ستكون مليئة بالحق والحياة. ولكن متى ستكون هذه الثقة هائلة مليئة بالحياة؟ فقط عندما يشعر بها. لا أن يخاف ويحسب الأموال ويحلل.. بل يثق عندما يرقص قلبه ويكون جاهز لأن يخاطر في سبيل هذه الثقة. فقط عندما يشعر بها بأنها الحق، فقط عندما يرقص قلبه لها. وإلا فلا تستطيع أن تجبره على أي نوع من الاعتقاد.

المجتمع يعتمد على المعتقد، أسلوبه هو أسلوب التنويم المغناطيسي الأوتوماتيكي. هدفه هو صنع رجال آليين وآلات، ليسوا بشر. المجتمع يقوم على الناس الغير مستقلين، بحيث أن يظلوا دائما يحتاجون أن يكونوا تحت سيطرة لقوة ما، لطاغ ما لأدولف هتلر، لموسليني أو ستالين أو ماوتزو.[1] هذه الأرض الجميلة حولناها إلى سجن كبير، بحيث أن قوة صغيرة بأيدي أشخاص مهوسوون، استطاعوا أن يقللوا من الإنسانية كلها ويحولونها إلى حشد. ولن يبقى المرء بينهم إلا إذا رضية بسخافات ذلك الحشد، المجتمع.

فحينما تطلب من طفل ما أن يؤمن بالله، لن يجد لذلك معنى.. ليس لأن الله ليس موجود، ولكن لأن الطفل بعده طفل، ولم يشعر بهذا العطش الذي يأخذه نحو الله، لم تولد لديه الرغبة بعد. الطفل لا يكون مستعد ليذهب ليبحث عن الحق، أو عن حقيقة الحياة المطلقة. لا يكون الطفل ناضج بذلك العمر حتى يتساءل ويبحث عن حقيقة الوجود. إن علاقة الحب هذه لابد أن تتحقق في يوما ما، ولكنها تحدث فقط إن لم يكن هناك أي معتقد مكروه على الايمان به. إذا تم تعليم الطفل وتلقينه منذ نعومة أظفاره بمعتقدات، لا يحتاج لها في ذلك الوقت، عندها ستكون حياته كلها عبارة عن تقليد اعمى، ويعيش حياة مليئة بالمعتقدات الميتة التي لا تحرك فيه ساكن.

نعم، سيتحدث عن الله لأنهم قالوا له أن الله هو الله. علموه بصورة سلطوية، وقيل له من قبل الناس ذوي السلطة عليه منذ طفولته، كالأبوين والرهبان والمعلمين، قالوا له أن عليه أن يلتزم بذلك المعتقد.. فبدت عليه القضية كقضية موت أو حياة. ولم يكن باستطاعته  أن يعترض على والديه، لأن من دونهما لن يستطيع أن يعيش. كان من الخطر عليه أن يقول لا، بل عليه أن يقول نعم. ولكن قبوله هذا واستسلامه ليس صادق به أبدا.

كيف ستكون "النعم" الخاصة بالطفل صادقة وهو يقولها كوسيلة سياسية لكسب رضا الوالدين؟  لم يحولوه إلى شخص متدين بل جعلوه شخص دبلوماسي، جعلوه سياسي. وبهذا تكون قد دمرت نواته التي تجعله صادقا حينما يكبر.. بهذا الطريقة تكون قد سممته، وعطلت ذكائه الفطري.. لأن الذكاء لا يظهر إلى عندما تكون هناك رغبة وشغف للمعرفة.. والآن بعد أن لقن بإجابات جاهزة منذ صغره، فلن يتواجد شغف المعرفة والتساؤل الذي يأخذ روحه في رحلة الحياة، لأن الإجابة قد قدمت له سابقا، غذي قبل أن يجوع، عرف الجواب قبل أن يتساءل. ومن دون وجود الجوع، فإن هذا الطعام الذي أدخل قسراً في معدته لا يمكن هضمه، فلا وجود للجوع حتى يتم هضمه. لهذا الناس يعيشون مثل الأنابيب التي تمرر المواد دون أن تهضمها.

على المرء أن يكون صبورا جدا مع الاطفال، وحذر ويقظ وفطن بألا يقول شيء قد يعرقل فطنتهم وذكائهم من الوصول، ألا يحولهم إلى هندوسي أو مسيحي أو محمدي. الفرد يحتاج إلى صبر غير محدود. ويوما ما ستحدث هذه المعجزة، عندما يبدأ الطفل بالتساؤل.. وحتى عندما يتساءل فلا تزوده بالإجابات الجاهزة المعلبة.. فهذه الاجابات الجاهزة لن تفيد أحد، لأنها باهتة وغبية.. عليك فقط أن تساعده في رفع درجة ذكائه بدل أن تجعل ذكائه يتوقف عند حدود اجاباتك المعلبة.. قدم له الطرق والحالات التي تقدم له التحديات، افتح مداركه لكي تعينه على أن يزداد ذكاء وفطنة، ستجده يسأل أسئلة أكثر حدة وعمق.. بحيث أن يخترق السؤال عمق ذاته، ويصبح السؤال كسؤال الحياة والموت..

هذا الأمر غير مسموح به، فالوالدين يخافون والمجتمع يخاف أيضا... فإذا أصبح الأطفال أحرار، فمن يدري؟ قد لا يعودون مرة أخرى إلى حضيرة الوالدين أبدا.. قد لا يعودون إلى مكان تعبدهم، كالكنيسة أو المسجد، قد لا يعودوا ليدخلوا تحت مظلة كاثوليكية او مظلة بروتستانتية أو هذا أو ذاك! من يدري كيف سيكون عليه الوضع وما الذي سيحدث إن صاروا أذكياء بأنفسهم؟ فلن يكونوا تحت سيطرة أحد، وستتعطل سياسات المجتمع في السيطرة عليهم.

لهذا السبب، إن أول شيء يفعله المجتمع ومؤسساته هي أن يحطموا الثقة؛ ثقة الطفل بنفسه، وبالتالي لا اعتماد ولا اطمئنان ولا جرأة يملكها. فهم يجعلونه مهزوز وجبان. وبهذه الحالة يمكن التحكم به. إن كان واثق بنفسه فلا يمكن السيطرة عليه.. بل سيحافظ على نفسه وثباتها، وسيقوم بما تمليه عليه فطرته وذكائه الطبيعي، ولن يفعل ما يرضي الآخرين، بل سيذهب برحلته الخاصة، ولن يفي أو يؤدي رغبات الآخرين، ولن يقلد أحد، فلن يكون مقلداً أبدا.. لن يكون باهت أو جامد كالموتى، بل سيكون مليء بالحياة.

دمر ثقه الطفل بنفسه، وتكون قد أخصيته.. بهذا تكون قد أخذت قوته، وسيكون دائما بلا قوة ولا حول وبحاجة دائما لشخص يهيمن عليه، يوجهه ويأمره. والآن يمكن أن يصير جندي كما يجب، مواطن جيد، مسيحي جيد، محمدي جيد، هندوسي جيد.

نعم، سيصبح مواطن جيد، ومسيحي جيد..إلخ، ولكنه لن يكون فرد حقيقي أصيل. لن يكون لديه جذور، سيبقى بلا جذور طوال حياته، سيعيش من دون جذور، ومعنى أن تعيش بدون جذور هي أن تعيش في بؤس، في جهنم.. بالضبط كما الأشجار التي تحتاج جذور في الأرض، فالإنسان أيضاً شجرة، يحتاج إلى جذور في الوجود، وإلا سيعيش حياة غير مفهومة، عديمة الذكاء.. حياة غبية جاهلة.

في الأمس كنت أقرأ قصة..

ثلاثة مجرمون، كانوا أصدقاء لوقت طويل، التقوا يوما ما على شاطئ البحر. وبينما هم مستلقون تحت الشمس، بدأوا بالمباهاة والتفاخر، فقال الأول: التقيت صدفة مع رجل فقد رجليه في الحرب، أعطيته قدمان صناعيان، وكانت معجزة، فقد أصبح من أكبر العدائين في العالم، وهناك فرصة له لكي يصبح بطل ويفوز في الأولمبياد القادم.

قال الثاني: هذا شيء نكرة بالنسبة لما حصل معي أنا، لقد التقيت صدفة مع امرأة سقطت من الطابق الثلاثين، كان وجهها قد سحق تماما، وقد خضعت لعمليات عظيمة بالجراحة البلاستيكية. وبالأمس قرأت عنها في الصحيفة أنها أصبحت ملكة جمال العالم.

اللص الثالث كان متواضعا، نظرا إليه صديقاه وسألاه: "ماذا فعلت مؤخرا؟ ما الجديد؟

فأجابهم: لم يحصل لي الكثير، وليس مسموحا لي أن أقول أي شيء عن ذلك..

ازداد فضول صديقاه، وقالوا: ولكننا أصدقاء، نستطيع أن نحتفظ بسرك، لا تقلق، لن ننشر سرك قط.

قال: حسنا إذن، إذا كنتم كذلك، إذا وعدتموني بالكتمان. فقد أوتي إلي برجل قد فقد رأسه بحادث سيارة، كنت قلقا ومحتار بما الذي سأفعله له، هرعت إلى صديقتي، فقط من أجل أن افكر ما الذي يجب أن أفعله، وفجأة وجدت أمامي قرنبيط، ولم أجد شيء آخر، زرعت القرنبيط مكان الرأس.. أتعلمون شيئا؟ لقد أصبح ذلك الرجل رئيس الولايات المتحدة.[2]

بإمكانك أن تدمر الطفل، ويظل باستطاعته أن يكون رئيس الولايات المتحدة. لا توجد ملازمة أن تكون ناجح بدون فطنة ونباهة وذكاء. في الحقيقة، من الصعب أن يكون المرء ناجع حينما يتمتع بالفطنة والذكاء، لأن الشخص الذكي خلاق ومبدع، ودائما يأتي قبل وقته المناسب، ولهذا يحتاج الآخرون وقت لكي يفهمونه.

الشخص الغير ذكي يمكن أن يفهمه الآخرون بسهولة، لأنه يتلاءم ويتأقلم بسهولة مع نازية المجتمع. المجتمع باستطاعته أن ينسج نظريات ويحكم على الأشخاص العاديين، ويقيمونه بأنه ناجح أم غير ناجح.. ولكنهم يحتاجون لسنوات طويله حتى يقيّموا العباقرة.

أنا لا أقول أن الشخص الذي لا يتمتع بذكاء وفطنة لا يمكنه أن يكون ناجحا.. بل سينجح، ويصبح مشهور. ولكنه سيبقى تقليد فقط.. وهذه هي حالة الشقاء والبؤس. فأنت لا تعلم ما البركة والنعمة والسعادة التي تغسلك بها الحياة يوميا وتمطرها عليك.. لن ترى جمال الوجود إذا لم تكن لديك تلك الحساسية لتتعرف عليها، لن يكون بإمكانك أبدا أن ترى المعجزة العظيمة التي تحيط بك، والتي تعبر وتمر عليك ملايين الطرق والصور يوميا، لن تراها أبدا، فمن يدركها سيحتاج إلى قدرة كبيرة جبارة ليفهم، ليشعر، ليدرك بها.

هذا المجتمع موجّه بالسلطة، مبنى على القوة.. المجتمع هذا حازم جدا وبربري. قله من الناس –السياسييون، الرهبان، البروفسورات، المتحكمون بالملايين-  المجتمع يتم التحكم به بحيث أن لا يسمح لأي طفل أن يكون فطن وذكي ونبيه. وبالصدفة القليل جدا أن يصل مستنير ما الأرض، بطريقة ما من زمن لآخر، شخص ما يهرب من قبضة وأصفاد المجتمع.. مرة في الدهر يبقى شخص ما غير مسموم بسموم المجتمع.. ولابد أن هذا يحدث بسبب ما، لخطأ ما في المجتمع.. ولو علم المجتمع أمر هذا الطفل فإنه سينجح تماما في تدمير جذوره وثقته بنفسه. وبمجرد أن يحدث هذا لن يكون بإمكانك أن تثق بأي أحد.. بمجرد أنك لا تستطيع أن تحب نفسك.. لن يكون بإمكانك ان تحب أي احد آخر.. هذه حقيقة مؤكدة، ولا توجد استثناءات لهذه القاعدة. تستطيع أن تحب الآخرين فقط إذا أحببت نفسك. ولكن المجتمع يلعن حب النفس، ويسميها أنانية أو نرجسية.

نعم، حب النفس يمكن أن يصبح أنانية، ولكن ليس بالضرورة أن يتحول كل حب نفس إلى أنانية. يمكن لحب النفس أن يتحول إلى نرجسية إذا لم يتحرك عن النفس، يمكن أن يتحول إلى نوع من الأنانية إذا اقتصر على حب النفس دون غيرها.. وإلا سيكون حب النفس نقطة بداية لحب الآخرين.

الشخص الذي يحب نفسه عاجلاً او آجلاً سيزدهر الحب حوله.. الشخص الذي يثق بنفسه، لا يمكنه إلا أن يثق بالآخرين، حتى هؤلاء الذين يخدعونه، وحتى الذين خدعوه سابقاً. نعم، لا يستطيع ألا يثق بهم، لأنه يعرف بأن الثقة والإيمان والتصديق أكثر قيمة من أي شيء آخر.

تستطيع أن تخدع شخص ما، ولكن بماذا يمكن أن تخدعه؟ تستطيع أخذ بعض المال أو الممتلكات منه. ولكن الفرد الذي يعرف جمال الثقة بنفسه وبالآخرين، لا يتشوش بأي من هذه الأمور والخداعات الصغيرة. سوف يظل يحبك، ويثق بك. وعندها تحدث المعجزة.. إذا وثق بك شخص بصدق، من المستحيل خداعه.. من المستحيل.

يحدث هذا كل يوم في حياتنا.. طالما إنك تثق بشخص ما، فإنه من الاستحالة أن يغشك، أو يخدعك. كلما زادت ثقتك به، قلت فرصة خداعك. تجلس في محطة القطار وحقائبك بجانبك، تقول للشخص الذي بجانبك: لو سمحت سأذهب لشراء تذكره، راقب حقائبي. ثم تغادر صالة الانتظار وأنت واثق بالغريب. وهل صدف وأن خدعك هذا الغريب الذي وثقت به؟ يمكن أن يخدعك إذا لم تثق به.

الثقة فيها من السحر ما فيها.. والسحر هذا ينبع من داخلك، كيف يخدعك هذا وانت قد وثقت به؟ كيف يتدرك وينحط ويخدعك؟ لن يكون بإمكانه أبدا مسامحة نفسه إذا خدعك.

هناك خامة أساسية في وعي الانسان، وهي أن يثق وأن يوثق به. الكل يستمتع أن يثق به الآخرون، لأن ثقتهم تعبر عن احترامهم له. ويحدث هذا بشكل أكبر إذا وثقت بغريب ما. لأنه لا يوجد سبب لوجود الثقة بالغرباء.. ولكن تستمر الثقة موجودة بينهم. بثقتك لغريب ما، فإنك ترفع درجته عاليا، وقيمته بقيمة غالية جدا. ومن المستحيل له أن يسقط من المستوى العالي الذي وضعته به، وإن سقط من ذلك المقام، فلا يمكنه مسامحة نفسه، وعليه أن يحمل ثقل الذنب طوال حياته.

الإنسان الذي يثق بنفسه يصل لمعرفة جمال ذات الأشياء الأخرى، يصل لمعرفة أنه كلما وثقت بنفسك، كلما تفتحت، وكلما أصبحت بحالة من الراحة والاسترخاء وألا تتعلق بالأمور المزعجة وتقف عنها. وكلما صار المرء متفتح ومستقر وأصيل، كلما أصبح أهدأ، وكذلك يبدأ بالثقة بالآخرين.. يصير أكثر هدوء وهذا الهدوء يتغلغل فيه عميقا إلى داخل كيانه. كلما وثقت بنفسك أكثر كلما حلقت عاليا.. الذي يثق بنفسه يستطيع أن يعرف ما هو الإيمان، ويمكنه أن يثق بالمجهول.

ابدأ بالوثوق بنفسك، هذا درس جوهري ومهم.. ابدأ بحب نفسك، إذا لم تحب نفسك فمن سيحبها؟ ولكن تذكر، إن أحببت نفسك فقط دون غيرها، سيكون هذا الحب شحيح وضعيف.

متدين يهودي عظيم، اسمه هليل[3]، قال: "إن لم يكن المرء لنفسه، فمن سيكون له؟" وأيضا "إذا كنت لنفسك فقط، فما الغاية التي ستثري عمرك أبدا؟".. جميلة تلك العبارات، ولها مغزى عظيم، كررها: أحب نفسك لأنه اذا لم تحبها، لن يكون باستطاعة أي أحد أن يحبك.

لن تستطيع أن تحب شخص يكره نفسه.. وعلى هذه الأرض مسكينة الحال، فإن الكل تقريبا يكره نفسه.. الكل يلعن نفسه.. كيف تحب انسان دائما يوبخ نفسه؟ وإن أحببته فلن يصدقك، لأنه لم يذق طعم الحب مع نفسه.. كيف ستحبه؟ لأنه دائما سيشكك، ويظن في أن هناك خدعة ما ضده، أو مصيدة. يشكك فيك بأنك تحاول خداعه باسم الحب، سيكون دائما حذرا ويقظ.. وشكه هذا سيسمم كيانك أيضا. إذا كنت تحب شخص يكره نفسه، فأنت تحاول تدمير فكرة الكراهية اتجاه نفسه، ولا يوجد أحد يتخلى بسهوله عن صورته الذهنية عن نفسه، لأنها ترسم هويته المزيفة التي اعتاد عليها.. ولهذا ستجده يتعارك معك، وسيثبت لك إنه الصحيح وأنت الخاطئ.

هذا ما يحدث في جميع علاقات الحب.. أو ما يسمى بعلاقات الحب. هذا يحدث بين كل زوج وزوجة، كل حبيب ومحبوب.. كل امرأة ورجل.

إذا دمرت فكرته عن نفسه، فإنك تدمر هويته، تدمر الأنا Ego، تدمر الصورة التي يعرف بها نفسه.. إذا سلبتها منه فلن يعرف نفسه. بالطبع إنها مخاطرة، لأنه لن يتخلى عن صورته الذهنية بسهولة.. وسيحاول أن يثبت لك بأنه لا يستحق الحب، إنما يستحق الكره. وكذلك يحصل الأمر هذا معكأانت أيضا.. فأنت تكره نفسك.. ولن تسمح لأي أحد أن يحبك.. فأي أحد يأتي لك مع حرارة من الحب في قلبه، فإنك تنكمش على نفسك، وتحاول الهرب وتشعر بالخوف.. بهذه السلوكيات، تعرف تماما أنك لا تستحق الحب. ترى نفسك أنك تبدو بمظهر حسن، بشكل لائق، ولكن في عمق أعماقك، تحتفظ بالبشاعة. وإذا سمحت لهذا الشخص أن يحبك، فإنه عاجلا أو آجلا سيعرف من أنت وما هي حقيقتك الباطنية.

كم من الوقت سيكون بإمكانك أن تستمر بالتظاهر ولبس قناع ما، مع شخص يفترض منك أن تعيش معه حالة حب؟ قد تستطيع أن تستمر في لبس القناع هذا في السوق، أو النادي، أن توزع ابتسامات هنا وهناك طوال الوقت، قد تلعب في تلك الأماكن أدوار جميلة وتقوم بأعمال جليلة.. ولكن هل ستستمر في تلك اللعبة مع رجل أو امرأة ستعيش معها طوال اليوم أربعة وعشرين ساعة؟ بل ستشعر بالتعب والضغط المستمر، لن تستطيع أن تستمر بالابتسام طوال اليوم.. ستكون الابتسامة متعبة، ستكون الأقنعة الجميلة متعبة، لأنها مزيفة.. ستحاول أن تحافظ على عضلات وجهك مبتسمة ولكن سترهق تلك العضلات وتتعب.

كيف تستمر بالابتسام طوال اليوم؟ مرارتك وسوداويتك ستظهر للسطح في لحظة من اللحظات، لهذا السبب ينتهي كي شيء مع نهاية شهر العسل، لأن في هذا الشهر يكون الاثنان وقد عرفا بعضهما تماما، وخلعا الاقنعة التي ترهقهما، وكل شيء يظهر للسطح لا محالة.

كل واحد منا يخاف أن يصبح حميم مع الآخر، أن تكون حميميا يعني أن تضع القناع والدول التي تلعبها جانباً، وتبين حقيقة نفسك. ويدرك كل واحد منا بأنه لا يساوي شيئا، لا قيمة له يحملها في باطنه، بل قذارة فقط.. هذا ما قيل لك والديك ومعلميك والمتدينون حولك والسياسيين جميعهم، أخبروك بأنك عبارة عن قذارة أو حثالة، ولا قيمة لك وحدك، ولن يتقبلك أحد. إذ لم تتلق من قبل مشاعر الحب والقبول والاحترام، ولم تشعر بأهمية وجودك وبأنك ضروري، وبأن الوجود سيفتقدك ويحن إليكن وأنه لن يكون كما هو السابق لو رحلت عنه، بل سيكون الوجود خاليا من المعنى بدونك، وسيفقد جزء كبير من قصيدته تختفي النغمة من أغنيته.. لم يقل أحدهم لك مثل هذا الشيء.

هذا هو عملي هنا: أن أدمر عدم الثقة بنفسك، وأمحي كل اللوم الذي فرض عليك، لآخذه منك بعيدا، وأعطيك شعوراً بأنك محبوب ومحترم من قبل الوجود بكاملك.. الله خلقك لأنه يحبك.. لقد أحبك كثيرا بحيث أنه لم يقاوم فكرة أن يخلقك ويبتدعك!!

عندما يرسم الرسام، فإنه يرسم لأنه يحب.. "فان كوخ"[4] دائما كان يرسم الشمس.. طوال حياته أحب الشمس كثيرا.. في الحقيقة الشمس هي من قادته إلى الجنون. لمدة سنة بكاملها كان يقف دوما أمام الشمس ويرسمها.. كانت الشمس حارة.. حياته كلها تتمحور حول الشمس. يكون راضيا وممتن، عندما يرسم الرسمة التي كان دوما يتمنا أن يرسمها كما يجب.. ولكي يرسم هذه اللوحة كان عليه أن يرسم لوحات أخرى كثيرة، ولكنه لم يرضا عنها.. وفي اليوم الذي رسم رسمة ما حيث رضي وقبل بها، قال في ذلك اليوم: "نعم هذا هو الشيء الذي أريد ان أرسمه". لقد انتحر، حيث قال: "عملي انتهى، لقد حققت الأمر الذي أتيت لأجله.. قدري قد أتم ولا معنى لحياتي هنا"

كل حياته كانت مخصصة لرسمة ما، لابد إنه كان مجنون بحب الشمس، لقد كان يستمر بالنظر إلى الشمس مدة طويلة حتى دمرت الشمس عيناه ونظره، وقادته حرارتها إلى الجنون.

عندما يؤلف شاعر أغنية، يفعل ذلك بسبب حبه للأغنية. الله خلقك، ورسمك، وأغناك، لأنه يحبك.. إن كنت لا ترى أي معنى في كلمة الله، فلا تشعر بالقلق، يمكنك أن تسميه الوجود.. تسميه الكل.. الوجود يحبك، وإلا لمَ أوجدك ها هنا؟

استرخ، لأنك مدلل ومعزز من قبل الكل.. هذا الكل وهذا الوجود بحجمة الكبير يستمر في التنفس من خلالك، أنت نبض له وحياة.. مجرد أن تشعر بهذا الاحترام والحب والثقة العظيمة من الكل اتجاهك، ستبدأ حينها تنمو الجذور في عمق كيانك.. سوف تثق بنفسك.. وحينما تثق بنفسك يمكنك أن تثق بي، وتثق بأصدقائك وأبنائك وزوجتك، ستثق بالأشجار والحيوانات والنجوم والقمر. يعيش الفرد هذه الثقة.. لا يعيش بأسلوب أن يثق بهذا أو ذاك، عندما يعيش الثقة بنفسها وتصبح جزء من كيانه.. أن تثق ببساطة، هي ما نعني نحن بالتدين.

هذا ما هو عليه الأمر..[5] وكيف تكون حواري، صحابي.. هي ألا تعمل كل ما يعمله المجتمع.. فليست مصادفة أن يكون جميع رجال الدين ضدي، وكذلك السياسيين ضدي، والآباء ضدي وكل مؤسسات المجتمع ضدي، إنها ليست مصادفة.. بل أنا أستطيع أن أفهم هذا المنطق.. فأنا أعمل خلاف ما يعملونه معكم.. وألا أكرر ما يعملونه معكم.. وبفعلي هذا أهشم كل نظم مجتمع العبيد هذا.

جهدي هو أن أخلق ثوار، وبداية الثائر هو أن يثق بنفسه.. إذا استطعت أن أجعلك تثق بنفسك. فلن تحتاج بعد هذا شيء آخر، لأن جميع الأمور المتبقية ستأتي من تلقاء نفسها.


 

[1] Maoze-dongs

[2] يستخدم اوشو النكت لتمرير ما يريد قوله.

[3] Hillel

[4] Vincent van gogh: (1853-1890)

[5] أن تكون سانياس sannyas: وهو مصطلح لحياة التلميذ أو المريد الذي يريد أن يعرج في المقامات الروحية ويصل على درجة من النضج والبلوغ الروحي. وهذه المقامات الأربعة في الهندوسية تسمى بـ أشرام.

 

 

 

 

osho

مقال مترجم

 

طباعة الصفحة من أجل طباعة الصفحة، تحتاج إلى قارئ PDF

 

 

 

للاتصال بنا

ahmad@baytalsafa.com

أحمد الفرحان -الكويت.

 

 

 

facebook

أحمد الفرحان

مجموعة الاسقاط النجمي

مجموعة التحكم بالأحلام

 

 

 

 

 

"لو كان الفقر رجل لقتلته" رغم حجم الصدقات التي يدفعها الشعب البترولي. إلا أن لا زال الفقر والمرض والطمع موجود. نحتاج إلى حياة جديدة تنفض الغبار لتنتعش الإنسانية من جديد.

مالك أمانة، فانتبه أين تصرفه.. للسلاح أم للسلام.

 

الدعم المعنوي لا يقل أبدا عن الدعم المادي، لأن كلاهما يعبران عن قدرتنا على صنع واقع صحي جديد.

 

 

____________________________

جميع الحقوق محفوظة بالملح وبعلب صحية