Facebook Login JavaScript Example

 

 

 
 

> الصفحة الرئيسية - الحكمة - جبران خليل جبران

 

 

الشرائع والتشريع

 

 

كان في العصور السالفة ملك كبير، وكان هذا الملك حكيماً. وقد رغب في سنّ الشرائع لرعاياه.
ودعا بألف حكيم اختارهم من ألف قبيلة، و طلب إليهم سنّ القوانين ليعمل بها في المملكة الكبيرة، المترامية الأطراف.
وعندما وضع القوانين المكتوبة على الرق- وعددها ألف – أمام الملك وأخذ في قراءتها، بكي في سرّه بكاء مرّاً، إذ لم يكن يعرف أن في مملكته ألف شكل للجريمة.
ثم دعا بكاتبه، وراح يملي عليه بنفسه الشرائع، والإبتسامة تعلو شفتيه، حتى إذا انتهى لم يتجاوز عدد القوانين التي وضعها السبعة.
وتركه الحكماء الألف وهم غاضبون وعادوا إلى قبائلهم ومعهم الشرائع التي سنّوها، وراحت كل قبيلة تأخذ بالشريعه التي وضعها
حكماؤها.
لذلك، كان لديهم ألف شريعه حتى يومنا هذا.
إنّه بلد كبير، ولكن ليده ألف سجن، وهذه السجون ملأى برجال ونساء من الخارجين على الألف شريعه.
إنه في الحقيقة بلد كبير. ولكن أهله تحدّروا من ألف مشترع و
ملك حكيم واحد.
 

* * *

جبران خليل جبران

 

ملاحظات على المقال

انتهت القصة بألف مشرع إنما ملك حكيم واحد واضع القوانين السبعة..

لا يقصد جبران بالعدد ألف هو ذلك العدد المضبوط بثلاث أصفار أمام الواحد، إنما تعني الكثرة في سن القوانين.. بحيث أن القوانين لا تنتهي، وإن كان الدستور بألف صفحة، فإنه سيتحول إلى مليون صفحة في غضون سنوات قليلة.. لان المشرع يحاول أن يجدد القوانين ليجعلها تتطابق مع احتياجات العصر وتطوره.. ويحاول سد الثغرات المفتوحة في هذه القوانين بحيث  أن يشرع قوانين جديدة من أجل ذلك.. فيزداد عدد القوانين ويكبر حجم الدستور..إلخ.

 

لا تعني القوانين بحد ذاتها شيئاً، ولكنها تعكس الإنسان الواقع تحتها وأخلاقياته.. فكلما زادت القوانين زادت القيود، وعكست لنا إنسان بلا أخلاق ولا ضمير يتطاول على حقوق الآخرين، فيحتاج إلى قوانين تنظم حياته مع الآخرين.. لأنه ليس أهلاً ليكون حرا في تعامله مع الآخرين..

 

كثرة القوانين لا تعني تقدم الدولة وتحضرها، إنما تعني سوء استخدام الإنسان لحريته.. وهنا ندرك أن الحرية لا تأتي إلا لمن لديه وعي وضمير يستطيع أن يستخدمها، وإلا فإن لا بد للقوانين أن تنظم حرية الفرد. لهذا نجد الملك الحكيم بكي ألف مرة حينما قرأ ألف قانون لألف لون من الجريمة في مملكته.. حيث رفض هذه القوانين ووضع سبعة مبادئ/قوانين أخلاقة روحانية نستشفها من العدد (سبعة) المرتبطة بالأرض والسماء -بينما 1000 قانون نستنبط به العقل والمنطق والاستنتاج- حينما كتب سبعة مبادئ أخلاقية، غضبوا المشرعون الألف، وراحوا يطبقون شريعتهم التي شرعوها بأنفسهم لأنفسهم في قبيلتهم.. ولكن هذا لم يحل الأمر.. بل كان "بلد كبير، ولكن ليده ألف سجن، وهذه السجون ملأي برجال ونساء من الخارجين على الألف شريعة." هكذا لم تنظم الالف شريعة حياة البشر، وهكذا لا تدل كثرة القوانين على حسن تنظيم الحياة.. وقد يؤكد لنا ما كتبه جبران في مقال "يابني أمي":

"ويل لأمة كثرت فيها طوائفها وقل فيها الدين"

 

بحيث أن ليست كثرة الطوائف وكثرة القوانين والفتاوى تبني الأمم، بل إن انقسام المملكة إلى ألف شريعة لألف قبيلة خلقت لنا انقسامات وبنت لنا سجون ملأى برجال ونساء خارجين على الألف شريعة.. فكمن يخلق قانون كمن يخلق سجن لنفسه... كما أن كمن يخلق قانون كمن يكذب كذبة ويصدقها..

 

تعود الحرية إلى نسبة الوعي.. والحياة الهانئة إلى رقي الضمير والأخلاق.


أحمد الفرحان

 

طباعة الصفحة من أجل طباعة الصفحة، تحتاج إلى قارئ PDF

 

 

 

 

للاتصال بنا

ahmad@baytalsafa.com

أحمد الفرحان -الكويت.

 

 

 

facebook

أحمد الفرحان

مجموعة الاسقاط النجمي

مجموعة التحكم بالأحلام

 

 

 

 

 

"لو كان الفقر رجل لقتلته" رغم حجم الصدقات التي يدفعها الشعب البترولي. إلا أن لا زال الفقر والمرض والطمع موجود. نحتاج إلى حياة جديدة تنفض الغبار لتنتعش الإنسانية من جديد.

مالك أمانة، فانتبه أين تصرفه.. للسلاح أم للسلام.

 

الدعم المعنوي لا يقل أبدا عن الدعم المادي، لأن كلاهما يعبران عن قدرتنا على صنع واقع صحي جديد.

 

 

____________________________

جميع الحقوق محفوظة بالملح وبعلب صحية