في هذه الأسطر القليلة
والقصة القصيرة جداً، يصور جبران لنا أعماق النفس البشرية، حيث لا يسع
المجال للحديث عنها إلا بعد كتابة عدة مجلدات ضخمة..
لماذا بدأت المرأة وقالت
(أنا أحبك)، لما لم يبدأ بها الرجل؟؟ ولماذا كلما قالت المرأة شيء
أجابها الرجل بأنه أهلا لهذا الشيء؟؟ ولما لم يجيب الرجل تلك المرأة
حينما سألته عما إذا كان يحبها؟؟ وما الذي جعل حبها ينقلب إلى بغض؟
كما نعلم أن الحب ضده البغض،
كما الخير ضده الشر.. هذه الثنائية لها مبدأ وهو انه يمكن للطرف الأول
منها أن ينقلب إلى الآخر، كما الليل ينقلب إلى نهار.. هذه الازدواجية
التي نجدها في الآية ((وَمِن
كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *
فَفِرُّوا إِلَى
اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ))
[الذاريات51] حيث أن الله فوق الخير والشر، فوق كل
الازدواجية والاطراف المتضادة، حيث أنه خلقها وهو الأعلى الذي يجمعهما
بتقديراته وحكمته، كما في الآية
((مَّا
مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى
صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ))
[هود 56] كما أن ليس
كمثله شيء، كما أن ليس له نظير، كما أنه واحد احد.. فليس له نقيض أو
نظير أو كفئ.. حتى الشيطان الذي يظن البعض أنه نظير الله، فالشيطان ليس
نظير الله. فكما نعلم أن الشيطان خدع آدم، وأراد أن يظلله، بينما قسم
بعزة الله ووحدانيته (فبعزتك لأغوينهم أجمعين..).. وهنا يكون الشيطان
المتمرد نظير الملائكة المطيعين. وهنا نعرف ان الله واحد أحد ليس له
نظير، وكل ما دونه خاضع لنظام الازدواجية، كما الآية السابقة: ((وَمِن
كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *
فَفِرُّوا إِلَى
اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ)).
وكذلك الحب خاضع لنظام الازدواجية فيكون قابل لان ينقلب إلى الكره. لأن
الحب الموجود في معظم القلوب، حب من مستوى أدنى، وصاحبه لا يتمتع برقي
روحي، فيظل هذا الحب ضمن دائرة الازدواجية الذي يمكن أن ينقلب إلى كره.
ولو كان هذا الشخص ذي رقي روحي، فإنه سيقدم المحبة التي ليس لها نظير،
والمتمثلة بكلمة الرحمة في القرآن. الرحمة التي لا يمكن أن تنقلب إلى
حقد أو إلى كره.. بل الرحمة التي تكون خالصة لوجه الرحمن، النابعة من
التوحيد وليس من الازدواجية.
الحب الذي ينقلب إلى كره
موجود لدينا كلما، إلا ما ندر، وإن كان صاحبه ذو جلاء روحي، يمكنه أن
يقدم المحبة والرحمة التي ليس لها ضد، بحيث تجمع الحب والبغض تحت
مظلتها وتكون هي الأعلى كما أن الله هو الأعلى فوق كل ما دونه من نظام
الازدواجية. وافتقادنا لهذا الشيء هو ما يفسر نسبة المشاكل الزوجية
المرتفعة ونسبة الطلاق، حتى لو كان الزواج مبني على حب (الحب
الازدواجية) وليس حب نابع من الرحمة الإلهية المتمثلة في (أنتم لباس
لهن، وهن لباس لكم). ولهذا انقلب حب المرأة إلى كره حينما لم تلقي جواب
من الرجل الذي سألته عن محبته لها. نجدها قد صرخت وغضبت، مما يدل على
انفعالاتها و(لا وعيها) في سلوكياتها.. حتى أن الرجل لم ينكر لها حبه،
ولكن يؤكده.. بل حدق إليها ملياً ولم يقل شيء.. لماذا حدق إليها بصمت
ولم يقل شيء؟؟ ألا يكون هو يعيش حالة الصمت والهادة والرحمة، حيث انه
مندمج بحالته؟؟ حالة المحبة أو الحب.. ويتلذذ بها، ولا يريد أن يكسرها
أو يقطع جريانها بإجابته على تساؤلات المرأة..؟ ألم يكن يحدث إليها
ليسأل نفسه إن كان واقع في حبها أم لا.. قبل أن يجيب على سؤالها بصدق؟
كما نجده أهلا لمحبتها وأهلا
لبغضها كما أجابها "إنما أكون إذن أهل لبغضك في قلبي أيضاً".. مما يدل
على اختباره لمقام الرحمة التي لا ضد لها، حيث قَبِل أن يكون أهلا
لحبها أهلا لبغضها أيضاً.. كالمرآة تماما التي تعكس كل شيء.. ولله
المقل الأعلى حينما قال في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي فليظن
بي ماشاء).
هنا نجد الفرق بن رد الفعل
والتفاعل.. رد الفعل يكون بالضد والنظير، بينما التفاعل يكون بالانسجام
الكيميائي بين الطرفين.. هنا نجد الفرق بين الانفعالات العاطفية
العمياء التي تجسدها المرأة في هذا العلم، وبين حالة الصمت والشهادة
والترقب والرضا والقبول التي يجسدها الرجل في هذه القصة أيضا.
الرجل هنا والمرأة قد لا
يعني أن كل رجل أو كل امرأة في الواقع تتمتع بالصفات نفسها من باب
الطبيعة الجنسية.. إنما اختارهما جبران في هذا العمل ليجسدا الأفكار في
شخصياتهما في عمله هذا.
أحمد
الفرحان |