((بالآلام تلدين)) هذا ما
قاله الرب لحواء -حسب التوراة- جزاء لما ارتكبت من معصية مع آدم في جنة
عدن.. ونتيجة لأكلهما من الشجرة المحرمة هبطت البشرية كلها من حياتها
الراقية المتمثلة في جنة عدن، إلى دركات الحياة إلى الدنيا.
فكتب على بني آدم حراثة
الأرض والكدح، وفي المقابل تشعر المرأة بالألم اثناء الحمل والولادة.
ومن هذا المنطق، نجد في الحوار أعلاه الألم والولادة، حيث تشعر إحدى
المحارتين بجسم مستدير في جوفها، وطوال الليل والنهار يسبب لها
الآلام.. وقد شعرت رفيقتها بالفخر والاعتزاز إذ انعم عليها الله
بالراحة والهناء، بعيدا عن هذا الحمل والعناء.
ما إن سمع السرطان هذا
الحوار حتى كشف سر هذا الألم، وكما يقطع بمقاطعه فريسته نصفين، هكذا
فصل بين الحق والباطل، حيث كشف سر هذا الألم الذي هو لؤلؤة رائعة
الجمال تجملها المحارة المتألمة في جوفها.
قد يتكشف لنا معنيين
مختلفين، الأول هي الولادة الفيزيائية، حيث تلد المرأة طفلاً، أي حياة
جديدة، أي أمل جديد، وتدفع المرأة لهذه الحياة والأمل الجديد ثمن، هو
هذا الألم الذي تعيش معه طوال أشهر الحمل التسعة. ويمتد المعنى
الفيزيائي إلى أي نتاج أو ثمرة أو انجاز على مستوى العالم المادي
والمعنوي.
أما عن المعنى الغير ملموس
أو مرئي بالعين المجردة فتمثل اللؤلؤة الجميلة الفضيلة بشتى أنواعها
وألوانها، حيث يحملها المرء وقد تسبب هذه الفضيلة بآلام نفسية نتيجة
المحافظة على ديمومة هذه الفضيلة، حيث يقول النبي محمد: "القابض على
دينه كالقابض على الجمر"
على سبيل المثال، فضيلة
الإيثار، أي مراعاة الآخرين وبذل الغالي والنفيس في سبيل مصلحة
الآخرين، يحافظ عليها المرء لأنه يشعر بآلام الآخرين، ومن خلال الشعور
بآلام الآخرين، يسبب في داخله حمل لصورة آلام الآخرين، وهذا ما يصنع
الإنسان الفاضل الذي يحمل آلام الآخرين ويؤثر نفسه في سبيلهم، حيث
تدفعه فضيلة الإيثار أن يعمل وينتج من اجل بلسمة جروح الآخرين. وإن
التفتنا إلى أولياء الله، نجد مثلاً السيد المسيح الذي يتألم من أجل
الآخرين، هذا الألم الجسدي والنفسي هو ما يخفي خلفة جوهرة ناصعة
اللمعان وغاية في الجمال، يطلق عليها المسيحيين مفردة "الفداء" من أجل
البشرية. وكذلك الإمام الحسين الذي أصر على الذهاب إلى الكوفة، ليكشف
للآخرين ألاعيب البعض لينتبهوا ويحذروا منهم.. وهكذا مات أولياء الله
شهداء بسبب الفضيلة، وخاصة، فضيلة الإيثار، وذلك دون أي مساومة بالمال
أو المصلحة الشخصية أو المكافئات.
أحمد الفرحان |