كان
راهب يعيش مرّةً وسط الروابي الخضر، وكان نقيّ الروح، أبيض اللب،
وكانت جميع بهائم البر وطيور الجوّ تأتيه أزواجاً، فيكلّمها
وهي تصغي إليه مسرورة مستبشرة، وبودّها أن تتقّرب منه، وأن
تبقى حتى مغرب الشمس معه، ولكنه كان يصرفها عنه، ويتركها للريح
والغابات بعد أن يلقي عليها بركته.
وفيما كان يتكلم ذات أصيلٍ عن الحبّ،
رفعت فهدةُ رأسها وقال للراهب: "تكلمنا
عن الحب. حدّثنا أيها السيد عن رفيقة حياتك، أين هي؟"
قال الراهب: "ليس
لي رفيقة حياة".
وارتفعت عند ذاك صيحة دهشة كبرى من جمهرة الوحوش والطيور.
وراحوا يتهامسون فيما بينهم: "كيف
يستطيع أن يحدثنا حديث الألفة والحب، في وقتٍ لا يعرف به شيئاً
عنهما؟"
وانسلّ جمعهم
بهدوء،
وتركوه وحيداً، وهم له مزدرون.
وانطرح الراهب عشية ذاك النهار على حصيرته وعيناه في الأرض،
وبكى بكاء مراً، وضرب بيديه على صدره.
* * *