Facebook Login JavaScript Example

 

 

 
 

> الصفحة الرئيسية - الحكمة - جبران خليل جبران

 

 

الأثمان

 

 

كان رجل يحر في حقله. وفيما هو يحفر عثر على تمثال بديع من المرمر الجميل. فأخذه ومضى به إلى رجل كان شديد الولع بالآثار والعاديات وعرضه عليه. فاشتراه منه بأبهظ الأثمان. مضى كل منهما في سبيله.

وبينما كان البائع راجعاً إلى بيته أخذ يفكر في ذاته قائلا: "ما أكثر مافي هذا المال من القوة والحياة ! إنه بالحقيقة ليدهشني كيف أن رجلاً عاقلاً ينفق مالاً هذا مقداره لقاء صخر أصم فاقد الحركة، كان مدفوناً في الأرض منذ ألف سنة ولم يحلم به أحد."

وفي الساعة عينها كان المشتري يتأمل التمثال مفكراً وقائلا في ذاته: "تبارك ما فيك من الجمال ! تبارك ما فيك من الحياة ! حلم أيه نفس علوية أنت ؟ هذه بالحقيقة نضارةٌ أعطيتها من نوم ألف سنة في سكينة الأرض ! إنني والله لا أفهم كيف يمكن الإنسان أن يبيع مثل هذه الطرفة النادرة بمال جامد زائل."

* * *

جبران خليل جبران

 

ملاحظات على المقال

في البداية، وقبل أن أتفكر في هذا العمل، تساءلت عن علاقة العنوان بالنص، ما علاقة (الإثمان) والتي اعتقدت أنها مثنى لكلمة (إثم/ذنب) ببيع رجل لقطعة أثرية، وشراء آخر هذه القطعة مقابل مبلغ من المال! ولكن تبين لي أن العنوان ليس مثنى لكلمة (إثم)، بل هو جمع لكلمة (ثمن) أي (قيمة).. ومن هنا عرفت ما أراده جبران أن يوصله.

فدعونا نعيد صياغة النص.

 

رجل عامل، يحفر في حقله، وفيما هو يحفر عثر على تمثال أثري قديم من حجر المرمر الكريم. فباعة على رجل يحب اقتناء الآثار والتحف، فاشتراه هذا بمبلغ كبير..

 

ثم أخذ المزارع يفكر، وهو في طريق عودته، كيف لرجل عاقل ينفق المال، والذي هو رمز القوة وقوت الحياة، مقابل صخره لا حياة فيها، لا تنفع ولا تضر؟.. بل كان حجر مدفون في أسفل الأرض من قبل ألف سنة.

 

بينما المشتري محب الآثار، يرى أن في هذا التمثال جمال لا يوصف وحياة لم تكون، وتعجب من إنسان يبيع هذه التحفة بثمن رخيص جامد وزائل.

ومن هنا يمكننا أن ندخل في لعبة الفكر ونقارن بين المال و التحفة، وهي مقارنة قد تكون جديدة على البعض -كما هي جديدة علي- لأن كل المقارنات التي تدخل فيها المادة، تكون المعنوية أو الروحية مقابلها، أي مقارنة المادة مع المعنى أو الروح.. الشهوة مقابل العفاف، الغنى مقابل الفقر. إلخ. ولكن في هذا العمل جبران يطرح مقاربة نبين مادة (المال)، وبين مادة أخرى (التحفة).

حيث نجد أن كل من الطرفين يرى أنه هو من تصرف بشكل صحيح والآخر هو الخاطئ.

المال يعطينا قوت الحياة، ويعطينا ثمن يمكن أن ندفعه مقابل السلع الأخرى، لتطوير حياتنا ونستمر في العيش، فالمال يعطينا الترف المادي.. بينما التحفة لا تعطينا قوت الحياة، بل قد تمدنا بمعلومات عن الزمن القديم، وقد تقدم لنا نوع من الجمال والترف الفكري.

 

جبران في هذا العمل لا يحبذ التحفة على المال، أو المال على التحفة، بل غنه يبين لنا كل شخص ومبدأه. فالمزارع يكدح كل يوم ويهتم بالحياة اليومية، بينما صاحب التحف يهتم بالحياة الفكرية والغنى الجمالي أو العقلي.

 

لم نجد أحدهم خاطئ، والآخر صحيح.. بل وجدنا رؤية مختلفة لكل منهما.

وهذا ما يجب علينا أن نعمل به... أن نتفهم الآخر، ونتقبله، ونقبله.

أحمد الفرحان

 

طباعة الصفحة من أجل طباعة الصفحة، تحتاج إلى قارئ PDF

 

 

 

 

للاتصال بنا

ahmad@baytalsafa.com

أحمد الفرحان -الكويت.

 

 

 

facebook

أحمد الفرحان

مجموعة الاسقاط النجمي

مجموعة التحكم بالأحلام

 

 

 

 

 

"لو كان الفقر رجل لقتلته" رغم حجم الصدقات التي يدفعها الشعب البترولي. إلا أن لا زال الفقر والمرض والطمع موجود. نحتاج إلى حياة جديدة تنفض الغبار لتنتعش الإنسانية من جديد.

مالك أمانة، فانتبه أين تصرفه.. للسلاح أم للسلام.

 

الدعم المعنوي لا يقل أبدا عن الدعم المادي، لأن كلاهما يعبران عن قدرتنا على صنع واقع صحي جديد.

 

 

____________________________

جميع الحقوق محفوظة بالملح وبعلب صحية