في
هذه القصة حوار بين حيوانين تجمعهم علاقة عداوة كما يقال في علم الأحياء، ولكن
جمعهم جبران في هذا الحوار الودي كصديقين مغلوبين على أمرهما.. فإن عدو عدوك
صديقك.
"تكلمت الضبع
وقالت: "كيف
قضيت يومك، يا سيد؟"
أجابها التمساح قائلاً:
"قضيت
على أسوأ حال، وإني لأبكي أحياناً في أساي وعنائي، والكائنات
من حولي تقول دائما:
"ليست
هذه دموع التماسيح".
وهذا
يجرحني
إلى حد لا سبيل لوصفه"."
إن ما هو غالب على أمر
التمساح هو انه حزين بسبب عدم شعور الكائنات من حوله بحزنة الشديد الذي يدفع
عينه في هدر الدموع بحيث لا يصدقه أحد، فقد اتخذوا من دموعه مثلاً يضرب به، فأي
أحد يخادع الآخرين بدموعه الكاذبة يقال عنها بأنها "دموع التماسيح"، وهذا ما
يجعل التمساح حزينا.
أما الضبعة التي قالت
له:
"تتحدّث
عن أساك وعنائك، ولكن فكّر فيّ أيضاً، ولو للحظة. إني لأحدق
إلى جمال العالم، وغرائبه ومعجزات بدائعه، وأضحك مستبشرة عن
فرحٍ خالصٍ يفعم نفسي، كما النهار يضحك، غير أن أهل الأدغال
يقولون: "ليس
هذا سوى
ضحك
الضبع"
كذلك تستغرب الضبعة في
أن الآخرين لا يصدقون دموع التمساح، ولا حتى ضحكاتها.. ويعود سبب عدم تصديقهم
لضحكات الضبع هو أن وجهة دائماً مبتسم مستبشر، ولكن يخفى ذلك خلفه شراسةة وعنف
في مهاجمة أي فريسة أمامة. فاعتبر الآخرون التمساح مخادع حيث الدموع والعين
الحزينة، وأصبح مضرب للأمثال، ولم يلتفت أحد إلى حقيقة انه حزين لأنه لا يستطيع
الحركة بشكل حر كباقي الحيوانات، ولا يستطيع أن يرفع رأسه إلى السماء، وقد يكون
هذا ما أراده جبران في التحقيق في حقيقة دموع التماسيح وأسبابها.
أما عن الضبع الذي يظن
الآخرين أنه خبيث بسبب وجهة المستبشر حيث يخفي شقائه
وعنفه في مهاجمة الريسة، إلى أنه لم يلتفت إليه أحد ويرى أن سبب هذه الابتسامة
العريضة والدائمة على محياة، طالما انه حر في البراري "يحدق
في جمال العالم، وغرائبه ومعجزات بدائعه.."
وهنا يتناول جبران في
هذا الكتاب، الذي يحمل عنوان "التائه" كما قدمنا مرة في قصة
ملابس الجمال والقبح، هو أن هناك معاني خفية، قد يتوه المرء في اسوارها
كالمتاهة.. فالناس لا يفرسون شخص الجمال والقبح، كذلك لا يبحثون عن سبب دموع
التمساح ولا ضحكات الضبي.. وهي أمثلة اتخذ الناس منها حقائق، لهذا كان التائه
"تعلو محياه مسحة ألم عميقة"