لو اجد اختلاف بين هذين
الفيلسوفين وبيننا نحن جميعاً، فكم اختلفنا في وجهات النظر، وكل
حاولنا جاهدين نثبت أو ننفي وجهات النظر؟ كم كانت لنا محاولات للبحث عن
حل او اجابة للغز الديك الذي باض بيضة، ولمن تعود البيضة، لهذا الجار
أم لهذا الجار؟ ولم نتفكر أبدا عن صحة هذا اللغز ومنطقيته، بل نغوص في
جدل عقيم ونحاول ان ندحض الرؤية الاخرى ونثبت رؤيتنا..
وكذلك الفلاسفة الاوائل،
منهم من يتفكر بالولادة ومن اين تاتي الحياة، ومنهم من يتفكر بالوفاة
وأين تذهب الحياة.. قد تكون التوجهات مختلف لكلاهما، ولكن إذا ما تطلعا
في باطنهما، يكشف المكنون والسر.. فهما يبحثان عن علة الحياة.. التي هي
الموت والولاة.. كلاهما وجهين لعملة واحدة.. الليل والنهار يشكلان دورة
اليوم، الموت والولادة يشكلان دورة الحياة.. نعم لا تكتمل الحياة إلا
بهذا الميزان.. ومن الخطأ ان نحبذ الولادة ونحزن من الموت.. من الخطأ
أن نحتقر من كان يبحث عن علة الموت.. لان الولادة والموت متشابهان،
فالولادة تأتي الروح من مكان ما فتدخل الجسد، وعند الموت تكون الروح في
الجسد وتخرج إلى مكان ما..
كما هو الشهيق والزفير
مهمين، لا شهيق بلا زفير، كذلك الموت والحياة لا يفترقان، وجمالهما في
عدم فراقهما.. وهنا تكون النشوة والقضية.. ولكن الخطأ في أننا نرجح كفة
ميزان على الكفة الأخرى..
كان خلاف الفيلسوفين خلافا
ليس جوهرياً، أي خلافهما في الاتجاهات.. أحدهما ينظر ليستقرأ الولادة
في الماضي، والآخر يستقرأ الموت في المستقبل.. لم يكونا عدويين، لم ينك
احدهم للآخر الموت او الحياة.. وأظن ان معظم المشاكل واختلافات وجهات
النظر في ذلك الأمر.. في ان الطرفين يتفقان على الخطوط الرئيسية
والمهمة في القضية، ويتناسيانهان بل لا يلتفتان او يدركان هذا التوافق
والانسجام.. يتركانه ليتناقشوا "أو يتقاتلوا" على هخلافات بسيطة..
قد يكون السلام في ذلك -كما
قال الرجل الغريب: يبدو أنكما، يا صاحبي، تنتميان معاً إلى مدرسة
فلسفية واحدة، فأنتما تتحدثان عن شيء واحد، ولكن بكلمات مختلفة.. وهما
في الحقيقة شيء واحد، وهذا الشيء نفسه يقيم فيكما معاً".
وهذا فيه سر عظيم، وشعاع من
الحب والسلام قد يلم العالم بأسره..
لو نطبق ما ذكرناه هنا على
عالمين دينيين ينتميان لطائفتين مختلفتين ولديهما اختلافات في
الفتاوى.. كأن يكون الله واحد او ثلاثة، كأن يكون الله موجود او غير
موجود.. فلو دخلوا إلى الداخل، وتشاركا الصمت فيهما لأدركوا حقيقة ما
يتجادلون من اجله.. لو أغمض احدهما عينه وسمع ترتيل، وانشاد اخيه
الآخر، لارتعش قلبه راقصاً خاشعاً لجمال ولذة ما يسمع..
كل هبة ريح، تغريدة عصفور،
صوت الزفير، كأس من الماء، يجعلني اتشاركه معك بمحبة واخلاص، ويجعلني
اختبر معك الجمال والجلال الإلهي الذي يفيض علي وعليك وعلى جميع
الكائنات.. ونصل للتوحيد والسلام.
((ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر
والبحر ..))
بني آدم، وليس المؤمنين او الخاشعين
فقط..
أحمد الفرحان |