Facebook Login JavaScript Example

 

 

 
 

> الصفحة الرئيسية - الحكمة - جبران خليل جبران

 

 

الله والآلهة العديدة

 

 

جلس سفسطائي في مدينة كيلافيس، على درج المعبد، وراح يدعو الناس إلى الآلهة العديدة، والناس يقولون في قلوبهم: "إنا لنعرف كل ذلك. ألا تعيش هذه الآلهة معنا وتتبعنا أينما نذهب؟".

ولم يمض على ذلك زمن طويل، حتى وقف رجل آخر في ساحة المدينة يخطب الناس ويقول لهم: "ليس هناك إله". وقد فرح كثير ممن سمعوه بهذه البشائر، إذ كانوا في جزع من الآلهة.

وذات يوم أقبل رجل قويّ العارضة، بليغ الحجة، وقال: "ليس هناك سوى إله واحد". وجزع الناس في قلوبهم، وخافوا حكم إله واحد، أكثر مما كانوا يخشون حكم آلهة عديدة.

وجاء في الموسم نفسه رجل آخر وقال للناس: "هنالك ثلاثة آلهة تقيم فوق الريح كأنها واحد، ولهم أم حانية، واسعة الصدر، تقوم مقام رفيقة لهم وأخت في آن واحد".

عند ذاك، سُرّيَ عن الجميع، إذ قالوا في سرهم: "ثلاثة آلهةٍ في واحد، يقتضي أن يختلفوا على عيوبنا، وإلى ذلك، فإن أمهم ذات القلب الحنون، لابد أن تقف بجانبنا وتدافع عن نقاط ضعفنا".

ولا يزال حتى اليوم في مدينة كيلافيس تلك، أولئك الذين يتجادلون ويتنازعون حول الآلهة العديدة، وليس هناك إله، والإله الواحد، والآلهة الثلاثة في واحد، وأم حنون للآلهة.

* * *

جبران خليل جبران

 

ملاحظات على المقال

بدأ الحديث، أو السيل العارم من المناظرات من فرد يطلق عليه "سوفسطائي"، وهو مصطلح يطلق على جماعة من اليونان قديما، كانت لديهم قدرة فائقة علي التلاعب بالالفاظ اللغوية واثبات صحة القضايا المتناقضه في وقت واحد وجعل الحق باطل والباطل حق وذلك من خلال معرفتهم الشديده بجميع مفردات اللغه والتلاعب بها. لقد كانت لفظة ايجابية، ولكن مع مرور الوقت اصبح السوفسطائيون يستغلون معرفتهم ويثبتون صحة ما يقولون بالحق أو بالباطل، فأصبح المسطلح ملطخ بالسلبية فيما بعد. لهذا بدأ جبران قصة (الله والآلهة العديدة) بالسوفسطائي، إذ يعود هذا اللقب إلى الحضارة اليونانية، حيث ظهور الحضارة الفكرية الواضحة والمنهجية والمكتوبة من قبل الفلاسفة وتلاميذهم. رغم أن صراع الأديان والآلهة قديماً قدم الأزل، قدم قابيل وهابيل.. ولكن دعونا نتعرف على ألوان الاطروحات وتختصرها بأربعة أصناف تم ذكرها في القصة السابقة..

 

1) تعدد الآلهةك حي يقول هذا المعتقد ان الآلهة عديدة عدد المخلوقات، يمكن أن تضحى لمن تشاء من الآلهة لتسترضيهاا من أجل نعمة ما.. فلو أردت المطر تضحي من أجل إله المطر.. ولو أردت أن يتوقف المطر، تضحي لإله الشمس حتى تشرق من جديد وهكذا..

 

من هنا قالوا الناس (في القصة) للسفسطائي وسألوه: أليس ما تتحدث عنهم هم الآلهة التي تعيش معنا وترافقنا كالهواء والماء والحب والجنون.. هؤلاء الآلهة وغيرهم الكثير؟؟ المنطق الذي يتبعونه هو منطق ان لكل شيء قوة خاصة فيه، فكل ما حولنا له قوة تأثر عليها.. إضافة إلى أن له مزاجية خاصة ووعي خاص.

 

2) ليس هناك آلهة: وهو تيار آخر من الفكر البشري.. تيار قد ينتابنا اوقات الغضب والقنوط.  ينتابنا وقت الشعور بالغربة وخيبة الأمل.

تيار الإلحاد يؤمن بالوجودية.. أي أن حقيقة الحياة ليست ما نستنتجه أو نؤمن به غيبا؛ كعلم اللاهوت مثلا. بل الحقيقة، كل الحقيقة نجدها ها هنا معنا، ولا نحتاج أن نفكر بما يغيب عن بصرنا وسمعنا او نستنتج أو نرمن غيباً بعالم آخر. ولهم في هذا منطق قد نناقشه في صفحة أخرى من هذا الموقع.

 

حينما سمعوا الناس هذا الرجل -في القصة- الذي يقول بعدم وجود الآلهة، فرحوا كثيراً لذلك، إذ شعروا بالحرية من الأقدار التي تلعب بها الآلهة من فوقهم، شعروا بالحرية من الواجبات والطقوس اليومية المفروظة، ومن دفع الصدقات الواجبة لخدام المعبد.. شعروا بالفرح، فللمرة الاولى شعروا بكيانهم وأهمية اختيارهم وخوضهم الفرص التي يريدون دون تدخل قوى عظمى في اختيار النتيجة المحتمة عليهم.

 

3) إله واحد: ثم ظهر لهم رجل آخر، كان بليغ الحجة، استطاع أن يقنع الناس بأن ليس هناك آلهة سوى إله واحد.. نعم، بعد هذا اقتنعوا جميعا بحجة الإله الواحد.. فهاه الكون لم يتصارع بع بعضه أو يتناقظن بل كل يتناغم مع الكل بميزان وقدر محسوب.

أخبرهم عن مبدأ الذرة والإلكترونات، وعن المجرة والكواكب والنجمات.. واقتنعوا بذلك.

 

لم يذكر جبران إنه "أصبت" لهم.. ولكنه "أقنعهم" بعقولهم عن ها الإله الواحد.. واقتنعوا بدورهم بهذا الإله الواحد.. ولكن بهذا الوقت شعروا بجزع اكبر مما كانوا يجزعون عندما آمنوا بالآلهة العديدة.. فكانوا حينما يغضب إله النار والجفاف، كانوا يسترضون إله المطر ليمطر لهم السما غيثاً.. ولكن لو غضب الإله الواحد صاحب المزاج الواحد والوجه الواحد، فكيف يسترضونه دون وسيط ولا إله اعلى منه منزله؟

توتروا كثيرا، فراحوا يعتكفون ليلا نهاراً، تاركين اعمالهن واشغالهم، توتروا كثيراً خشية أن يتوتر إلههم الواحد.. حتى جائهم من أراد ان يلطف الأجواء..

 

4) جائهم بقوله ان هناك ثلاثة آلهة تسكن في الاعلى، لا هم ترافق البشر وتعيش معهم كعهد تعدد الآلهة، ولا هم ساكنين بعيدا في السماء، كعهد الإله الواحد.. ولاهم العدم كعهد الآلحاد.. إنما هم فوق السحاب، بين الأرض والسماء.. ثلاثة آلهة كأنهم إله واحد، ولهم ام حانية..

سرّ الجميع بهذا الخبر، فقالوا ان تلك الآلهة الثلاثة كإله واحد يمكنهم ان يختلفوا فيما بينهم على أقدار البشرن وإن غضبت، يمكن ان نلجأ إلى أمهم الحانية لتغفر خطايانا وتملأنا بالنعمة.

 

ولازال البشر يتجادلون هذا الحوار، إلهة كثيرة، ام لا إله، أم إلا الله، أم الثالوث المقدس..

 

بهذه السطور نكون قد تعرفنا على أديان العالم، منذ آدم إلى اليوم.. ومن خلال تلك النماذج الأربعة التي قام عليهامنزل الدين الغنساني، يمكن ان نقترب من بعضنا طالما ان كل زاوية مهمة ليظل البيت الغنساني بدينه قائماً. بل لايمكن الاستغناء عن أي من تلك الزوايا، لانها تحفظ البيت وتجمله وتحميه.

 

تخيل لو حرقنا كتب الحضارات الققديمة والديانات الاخرى وكتب الإلحاد، واحتفظنا فقط بكتب التوحيد (كما نراها صحيحة كمسلمين).. فبعد عشرة سنوات، عشرون سنة، مائة سنة سنظل نعرف التوحيد، لأننا نحفظ بذاكرتنا الأديان المختلفة والشبحاتت. ولكن مع مرور الزمن، ستندثر هذه الذاكرة ويظل ما هو مكتوب فقط، إلا وهو التوحيد. يعرف الناس التوحيد ثم يشت العقل رة أخرى، فيتفكر بالشبهات.. ماذا لو كان لله أما ولدته؟ ماذا لو لم يكن هناك إله؟ ماذا لو كان الله هذا الشمس الذي يشرق يوميا امامنا؟ يشت العقل مرة أخرى، فيكرر الخطأ السابق دون قصد بغية التفكر والتأمل والتدبر والنقد للواقع.. بغية التطوير والتحويل والارتقاء بالفكر.. فيكرر الأخطاء السابقة دون قصد، وتعود عجلة المناظرات والاديان كلها من جديد تقتل بعضها وتنتقد بعضها وتستوعب بعضها وتناظر بعضها من جديد.. من الصفر.. من البداية. فيكون الوقت والجهد قد ضاع، ويكون انشقاق أكبر مما هو عليه، لان هناك تناقظ بين الفكر الديني الروحي، والفكر التقني العلمي والتكنولوجي في ذلك الزمن.. بعد خمس مائة عام، تخيل نعود ونتناقش من جديد بما هو الصحيح وما هو الأصح، نكون بعدنا مبهورين بنظرية التوحيد والإلحاد ونعود نقارن الأديان مع بعضها البعض. ونتعرف مصدومين على إله الشهوة والخمر والحب والمطر والشجر. رغم التطور الهائل بالتكنولوجيا التي سنصل لها بعد خمس مائة سنة.

 

لهذا صار من اللمهمم ان نحتفظ بتراثنا الديني العالمي، لأننا استفدنا ونضجنا بما فيه الكفاية.. نظريات الدين الأربعة التي تم ذكرها في قصة الإإله والآلهة العديدة قد نضجت عندنا.. وبحفظها والتدليل عليها ونقدها ينضج الإنسان ولا يعود يكرر التاريخ مرة أخرى..

 

حينما لا نعرف التاريخ فإننا نعيد تكراره مرة ومرة واخرى.

أحمد الفرحان

 

طباعة الصفحة من أجل طباعة الصفحة، تحتاج إلى قارئ PDF

 

 

 

للاتصال بنا

ahmad@baytalsafa.com

أحمد الفرحان -الكويت.

 

 

 

facebook

أحمد الفرحان

مجموعة الاسقاط النجمي

مجموعة التحكم بالأحلام

 

 

 

 

 

"لو كان الفقر رجل لقتلته" رغم حجم الصدقات التي يدفعها الشعب البترولي. إلا أن لا زال الفقر والمرض والطمع موجود. نحتاج إلى حياة جديدة تنفض الغبار لتنتعش الإنسانية من جديد.

مالك أمانة، فانتبه أين تصرفه.. للسلاح أم للسلام.

 

الدعم المعنوي لا يقل أبدا عن الدعم المادي، لأن كلاهما يعبران عن قدرتنا على صنع واقع صحي جديد.

 

 

____________________________

جميع الحقوق محفوظة بالملح وبعلب صحية