Facebook Login JavaScript Example

 

 

 
 

> الصفحة الرئيسية - الحكمة - جبران خليل جبران

 

 

اللعنة

 

 

قال لي مرة بحار عجوز: "لقد مضى على ذلك البحار الذي خطف ابنتي وهرب بها ثلاثون عاماً. ورحت ألعنهما في قلبي، إذ كنت لا أحب في هذا العالم احداً، سوى ابنتي.

ولم يكد يمضي زمن غير طويل على ذلك، حتى غاص البحار بمركبه إلى قاع البحر، وخسرته، وخسرت معه ابنتي الحبيبة.

والآن انظر فيّ إلى قاتل شابّ وفتاة. إنها لعنتي التي قضت عليهما. وإني لأرجو مغفرة الله وأنا في الطريق الآن إلى القبر".

هذا ما قاله العجوزز ولكن لهجته كانت تنم عن زهو وافتخار، ويبدو أنه فخوراً بقوة لعنته.

* * *

جبران خليل جبران

 

ملاحظات على المقال

ماهي الأفعال المشينة التي نزهو ونتفاخر بها؟ ماهي التصرفات السيئة السلبية التي نقوم بها، ثم نخبر الآخرين بزهو اننا ارتكبناها؟

لماذا هذه التصرفات تغذي لنا الأنا وتشعرنا بالفخر؟

دائما ما تزخرف الأنا لصاحبها بعض التصرفات التي تشجعه عليها من أجل ان تزداد نموا هي بدورها، تلك التصرفات التي تجعل صاحبها يرضى حينما يقوم بها..

ولا تطالب الانا صاحبها بأمور تجعلها تنمو اكثر، لا تلح الأنا مطالبة صاحبها بتصرفات تغذيها إلا حينما يكون هناك (نقص حقيقي) في صاححبها جعله يخضع للأنا، لأن بعدما يرضيها، يشعر بالفخر والرضا نفسه.

 

حينما يكون هناك نقص حقيقي في المرء، يقوم هذا الأخير بسلوك يغذي الأنا المزيفة لكي يشعر بالرضى جراء الأنا المزيفة التي زخرت لصاحبها حقيقته، وبالتالي يمتلئ النقص الحقيقي في نفس المرء بشيء مزيف.

 

النقص حقيقة في المرء، ولكنه يملؤه بشعور مزيف تخلقه الأنا الخاصة به..

ولكن، ماذا إذا ملئ ذلك النقص الحقيقي بقيمة حقيقية يشعر بعدها بالرضى التام الحقيقي الأبدي؟

 

النقص الحقيقي يشعر به المرء بفعل طبيعة الواقع، وهو نقص طبيعي يصيب كل فرد، هو عبارة عن فضاوة تشعر بها النفس.. فراغ يصيبها، تبحث عن جواب لها.. ما هو دورها في هذه الحياة، من أين أتت، وما هو المطلوب منها؟ نقص الجواب هو النقص الحقيقي الذي يشعر به المرء.. هو النقص الطبيعي الذي يصيب جميع الناس.

 

كما هو العجوز الذي كان يعيش الحياة بعيون ابنته الصغرى الجميلة.. كان يعلق أحلامه عليها، وكانت تحمل آماله كلها.. كان ينظر للحياةة بعينها ويسمع بأذذنها.. ولكن جراء اختطافها من قبل البحار الذي يتبادل معها الحب، شعر العوز بفراغ يعتريه.. بنقص ما..

 

ليس من الخطا ان يعلق المرء آماله على أبناءه.. ولكن من الخطأ أن يشعر المرء بنقص حينما يدرك ان احد أبنائه ابتعد عنه سعيدا في حياة جديدة.. حينما بني  حلمه الخاص وعاش من أجله.

 

النقص الذي شعر به العجوز كان نتيجة أن قرة عينه، حاملة احلامة اختفت من الوجود، ثانيا، كان العجوز متخذا منها تحفة يمتلكها  -كما هم الآباء والأمهات دوماً- الذين يتملكون الابناء نتيجة نقص أولي في الطبيعة، ونتيجة لخوف تخلقه الأنا اللمزيفة من المستقبل الموحش..

 

هكذا كانت الفتاة تملئ هذا النقص الطبيعي عند العجوزز، وما إن اختفت حتى شعر بذلك النقص مرة أخرى في حياته.. هكذا شعر بالعجز والانكسار..

ولعل هذا النقص بعد رحيل ابنته أكبر وأعمق من النقص الطبيعي الاولي قبل ان يمتلئ بشيء ما ثم يتم فقدانه.. من هنا أخذ يلعنها ويلعنها، حتى علم ذات يوم أن ابنته مع البحار غرقى في وسط البحر.

 

هنا نتعلم ان غضب الأهل وسبابهم وطاقتهم السلبية قد تتحقق في الأبناء، هكذا تكون مراقبة النفس او مراقبة الله في النفس تفيد في الكب عن اللعن أو الشتم في كل ما نحب ومالانحب.. هكذا يفيدنا التأمل، والوعي بأفكارنا عبادة وتربية لنا..

إن الفكرة السلبية سلبية، طالما كانت بوعي او بدون وعي بها، طالما كانت عند انفعال الشخص او لحظة هدوء باله.

 

عندما علم العجوز أن لعنته تحققت، وقد غرق البحار والفتاة وسط البحر، حزن حزنا كبيرا، ومع هذا الحزن الكبير شعر بفخر لأن لعنته قد تحققت، لأن القدر يستمع إلى أفكاره ونواياه السلبية.. هكذا أخبر العجوز الراوي ان لعنته تحققت.

 

فهل ملئنا النقص الطبيعي فينا باجابات كافية وافية؟ اجابات واعية لا ينقصها ناقص، ولا يشيبها زمن ولا يخطفها بحار ولا تضعف مع الزمن؟ وإن لم نجد ذلك الجواب، فكيف تعاملنا مع ذلك النقص فينا؟ هل لازال خاليا مكانه؟ او ملئناه بالمجوهرات والشهادات والرموز الاجتماعية المصطنعة، حيث تضعف مع الزم او تسرق أوتصدأ؟

إن كانت أنانا (الأنا خاصتنا) منتفخة وزاهية وكبيرة، فماهي الأمور التي قمنا بها وجعلت انانا كبيرة؟ وهل الامور السلبية (كلعن الآخرين وسبهم) يغذي أنانا كثيرا، حيث نشعر بعد ذلك بالزهو والافتخار؟

 

في نهاية المقال، نختم بسؤال:

لماذا تمنحنا الامور المشينة (كأذية الآخرين) بالفخر والزهو؟ رغم إنها تؤذي الآخرين؟

أحمد الفرحان

 

طباعة الصفحة من أجل طباعة الصفحة، تحتاج إلى قارئ PDF

 

 

 

للاتصال بنا

ahmad@baytalsafa.com

أحمد الفرحان -الكويت.

 

 

 

facebook

أحمد الفرحان

مجموعة الاسقاط النجمي

مجموعة التحكم بالأحلام

 

 

 

 

 

"لو كان الفقر رجل لقتلته" رغم حجم الصدقات التي يدفعها الشعب البترولي. إلا أن لا زال الفقر والمرض والطمع موجود. نحتاج إلى حياة جديدة تنفض الغبار لتنتعش الإنسانية من جديد.

مالك أمانة، فانتبه أين تصرفه.. للسلاح أم للسلام.

 

الدعم المعنوي لا يقل أبدا عن الدعم المادي، لأن كلاهما يعبران عن قدرتنا على صنع واقع صحي جديد.

 

 

____________________________

جميع الحقوق محفوظة بالملح وبعلب صحية