قد يتشابه هذا العمل مع (حقل
زاآد) الذي يتداولون الناس عنه حقيقته،
حيث الكل يقول ما يجده صحيحا،
غير أن الرجل العجوز في نهاية العمل أثبت ان الكل يقول الحقيقة ولكن لم
يستطع ان يجمع الحقائق كلها ليكون حقيقة واحدة متكاملة.
كذلك في هذا العمل، كل شخص
يدلي برأيه عن صاحبة ذلك المنزل الأبيض فوق الرابية الخضراء، قال أحدهم
أن ساحرة عجوز تسكنه، وآخر قال إنها امرأة اقطاعية ترهق العبيد في
زراعة الأرض وتستفيد من تعبهم مالاً، والكل أخذ يتجادل ويتسارع ويتحجج
كما هم السياسيين ورجال الدين.. حتى جمعتهم الصدفة بـ"رجل عجوز" قال
لهم ان الليدي روث ماتت منذ ثمانين عام، والمنزل الآن خالي من البشر،
قد يسكنه الجن أحيانا.
إن الفرق بين هذا العمل
و(حقل زاآد) هو أن كل الشخصيات فيه كانوا يقولون جزء من الحقيقة، ولكن
لم يجمع أحدهم الحقائق في حقيقة واحدة. إلا أن الشخصيات في هذا العمل،
اخذوا يؤلفون القصص حول من يسكن في ذلك البيت الخالي من السكان، وأخذوا
يتجادلون.. كأي حوار من حوار العميان.
أذكر ان شخصيات (حقل زاآد)
لم يتقاتلوا، لانهم لم يلتقوا ببعضن وإنما الشخصيات هنا فإنهم تناضظروا
وتجادلوا حول حقيقة من يسكن ذلك البيت الذي لم
يكن أحدهم يعرف حقيقته،
لاسيما أنهم لم يقتربوا من المنزل ليعرفوا من يسكنه، ولم يشاهدوا أحد
ما يتحرك بالداخل، فصاحبته ماتت منذ ثمانين عام.
رسالة جبران واضحة تماما كما
هو المنزل الأبيض فوق تلك الرابية الخضراء.
نتسارع ونتجادل ونتناظر
ونتقاتل من اجل حلم ما، أو وهم ما نخلقه بأيدينا.. من اجل لعبة ما لا
قيمة لها.. من اجل مصطلح ما نحن ابتكرناه..
ليس هذا وحسب.. بل إننا نجعل
ذلك الشعار او الحلم او
الوهم او المصطلح (تابو) نلبسه هالة مقدسة نحرم
ان نخضعه للنقد أو التغيير أو التشكيل او اعادة صياغته او التحقق من
صحته وديمومته وصلاحه في وقتنا الحاضر.. تماما كما
هم البشر في تلك
القصة، يتجادلون حول وهم من يعيش في ذلك البيت، ولكن لم يتجرأ أحد منهم
ليتحقق من صحة الأمر؛ إذا ما كانت الليدي روث موجودة في المنزل بالفعل
ام لا.. ولهذا ظل المنزل خالي لثمانين عام، لم يسكنه احد.. لم يزره
أحد.. لم يستفد أحد من مكانه البديع فوق رابية خضراء ويستمتع بذلك
الموقع الفريد.
ذلك بسبب تصديق كل ما يقوله
الناس، لم يتواجد الشك في نفوسهم قط، ولهذا لم يتحقق أحد منهم من حقيقة
الامر قط..
فهل ستكون مع الذين يتبادلون
اطراف الجدال؟ ام ستصمت وتذهب لتدق باب الوهم وتزور الحلم لتصحوا منه؟!
أحمد الفرحان |