Facebook Login JavaScript Example

 

 

 
 

> الصفحة الرئيسية - الحكمة - جبران خليل جبران

 

 

الخمرة العتيقة

 

 

كان غني مرّة كثير الافتخار بقبوه والخمر المعتقّة فيه، وكان ثم إبريق احتفظ به لمناسبة لا يعرفها أحدُ غيره.

وزاره حاكم الدولة، فأبدى له امتنانه على زيارته وقال له: "لن يفرغ هذا الإبريق من أجل حاكم تفضّل بزيارة"

وزاره مطران الأبرشيّة فقال لنفسه: "لا! لن يفرغ هذا الإبريق، فهو لن يعرف قيمته، ولن يبلغ أريجه أنفه"

وجاء أمير المملكة وتناول عشاءه معه، فقال الغني في سره: "إنها خمرة ملكية، فلا يصح إهراقها من أجل أمير!"

وقال لنفسه أيضاً، حتى عندما تزوج ابن أخيه: "لا! ليس لمثل هؤلاء الضيوف يفرغ مثل ذلك الإبريق"

ومرت الاعوام تتلوها الاعوام، ومات عجوزاً، متهافتاً، ودفن في التراب كأي بذرة أو بلّوطة.

وفي اليوم الذي دفن به، جيء بالإبريق الذي لم يسخُ به لأحد، مع غيره من أباريق الخمر، وتقاسمه فلاحو الجوار، وما من أحدٍ عرف عمره الكبير.

كان في نظر الذين شربوه خمراً كغيره من الخمور.

* * *

جبران خليل جبران

 

ملاحظات على المقال

كغيرها من أعمال جبرات، أسطر قليلة، قصة بسيطة، ولكنن تسعها مؤلفات لتشرحها وتتناول ما بها من رسائل ووعض وعبر..

بعد ان نعيد قراءة القصة القصبة تلك عن ابريق الخمرة العتيق.. الخمر الفاخر الذي لم يرضى أو يتكرم صاحبه بسقيه لأي أحد من ضيوفه في أفضل المناسبات التي مرت بحياته.. بل كان ينتظر مناسبة لم يعرفها إلا هو!

 

دعونا نتقابل مع هذا الرجل ونتفرس صفاته..

رجل غني، كثير الزهو بنفسه والتفاخر بقبوه المليء بأباريق الخمر المعتقة الفاخرة.. إنه غني زاهي بنفسه.. لديه الأنا التي ينفخها ويتعالى بها على الناس من أبسطهم إلى اعلاهم.

 

زاره الحاكم ومطران الكنيسة والامير، ولكنه لم يتكرم بسقايتهم من ذلك الخمر المعتقد القديم.. وكذلك لم يذكر جبران ما إذا قدم لهم التاجر خمس آخر رخيص الثمن غير هذا الابريق الفاخر.

 

بعد أن مرت الاعوام، واستمر الغني في زهوة وافتخاره بالقبو.. مات عجوزا متهافت هرم، دفن تحت التراب كأي بذره لم تنبت بعد، بذره لم يستفد منها احد، بذرة تحتوي على شجرة كبيرة في داخلها إنما لم تخرج لتفيد غيرها.. دفن العجوز كالبلوطة، حيث يعرف ان البلوطة تعمر آلاف السنين، أوراقها كانت تكلل الرومانيين، وخشبها غالي الثمن.. وهنا تكمن المفارقة بين البلوطة العظيمة والبذرة البسيطة الصغيرة. وبين الرجل الهرم الذي مات وهو يحتفظ بأغلى انواع الخمور في داره.

 

في يوم دفن الغني، تقاسم أكثر الناس بساطة.. الفلاحون ابريق الخمر المعتقد هذه.. ولم يُقّدر أحدهم ثمن هذا الخمر العتيق ابداً.. بل كان في نظرهم إنه واحد من أباريق الخمر العادية..

 

أي المناسبات كان ينتظرها الغني ليفرغ هذا الخمر فيها؟ أكان يقصد مناسبة موته؟ ام هناك ماسبة أخرى لم يعرفها حتى جبران نفسه؟

 

ما الذي نتعلمه من هذه القصة؟

نتذكر ما تقوله الحكمة (لا تملكه حتى تنفقه)، ليست الأموال لك حتى تنفقها، حتى تستفيد منها.. ححينما تكنزها فهي لا زالت ليست لك، قد تسرق، قد تضيع، قد تحترق.. حينما تستفيد من المال، فإنك تكون قد ملكتها، حينما تستهلكها.

ولكن قد يطبق البعض هذه الحكمة خطأ، كمن يؤمن بالحكمة التي تقول (انفق ما في الجيب يأتيك مافي الغيب) ولكن هذه الحكمة الأخيرة متطرفة، كما هو تطرف وتمسك وحرص الرجل الغني في صرف الخمرة. صحيح إنك لا تملك المال إلا إذا انفقتخ، أي لا يكون لك إلا إذا صرفته وتصرفت به، ولكن هذا لا يعني ان المال ليس معك.. لا يعني أن المال يختفي إذا لم تنفقهز. قد يكون معك كنز، كما كان الخمر في قبو التاجر، ولكنه لم يستفيد منه حينما كان هناك فرصة ليستفيد منهز.

 

كلا الامرين مرفوضين، الحرص الشديد والتبذير الشديد.

 

كما أيضا نتعلم بان كل لحظة ومناسبة تمر علينا هي عظيمة بذاتها، لايمكن مقارنتها بلحظة اخرى، فإن استطعت ان تدخل بنشوة في لحظة من اللحظات، ادخل بها، ولا تنتظر مناسبة ما لتدخل بها.. إن شعرت بالبكاء فابك، وان شعرت بالفرح ففارح.. عش اللحظة بكليتها وكاملها كأن لو لم يكن هناك لظة غيرها.

أحمد الفرحان

 

طباعة الصفحة من أجل طباعة الصفحة، تحتاج إلى قارئ PDF

 

 

 

 

للاتصال بنا

ahmad@baytalsafa.com

أحمد الفرحان -الكويت.

 

 

 

facebook

أحمد الفرحان

مجموعة الاسقاط النجمي

مجموعة التحكم بالأحلام

 

 

 

 

 

"لو كان الفقر رجل لقتلته" رغم حجم الصدقات التي يدفعها الشعب البترولي. إلا أن لا زال الفقر والمرض والطمع موجود. نحتاج إلى حياة جديدة تنفض الغبار لتنتعش الإنسانية من جديد.

مالك أمانة، فانتبه أين تصرفه.. للسلاح أم للسلام.

 

الدعم المعنوي لا يقل أبدا عن الدعم المادي، لأن كلاهما يعبران عن قدرتنا على صنع واقع صحي جديد.

 

 

____________________________

جميع الحقوق محفوظة بالملح وبعلب صحية