كغيرها من أعمال جبرات، أسطر
قليلة، قصة بسيطة، ولكنن تسعها مؤلفات لتشرحها وتتناول ما بها من رسائل
ووعض وعبر..
بعد ان نعيد قراءة القصة
القصبة تلك عن ابريق الخمرة العتيق.. الخمر الفاخر الذي لم يرضى أو
يتكرم صاحبه بسقيه لأي أحد من ضيوفه في أفضل المناسبات التي مرت
بحياته.. بل كان ينتظر مناسبة لم يعرفها إلا هو!
دعونا نتقابل مع هذا الرجل
ونتفرس صفاته..
رجل غني، كثير الزهو بنفسه
والتفاخر بقبوه المليء بأباريق الخمر المعتقة الفاخرة.. إنه غني زاهي
بنفسه.. لديه الأنا التي ينفخها ويتعالى بها على الناس من أبسطهم إلى
اعلاهم.
زاره الحاكم ومطران الكنيسة
والامير، ولكنه لم يتكرم بسقايتهم من ذلك الخمر المعتقد القديم.. وكذلك
لم يذكر جبران ما إذا قدم لهم التاجر خمس آخر رخيص الثمن غير هذا
الابريق الفاخر.
بعد أن مرت الاعوام، واستمر
الغني في زهوة وافتخاره بالقبو.. مات عجوزا متهافت هرم، دفن تحت التراب
كأي بذره لم تنبت بعد، بذره لم يستفد منها احد، بذرة تحتوي على شجرة
كبيرة في داخلها إنما لم تخرج لتفيد غيرها.. دفن العجوز كالبلوطة، حيث
يعرف ان البلوطة تعمر آلاف السنين، أوراقها كانت تكلل الرومانيين،
وخشبها غالي الثمن.. وهنا تكمن المفارقة بين البلوطة العظيمة والبذرة
البسيطة الصغيرة. وبين الرجل الهرم الذي مات وهو يحتفظ بأغلى انواع
الخمور في داره.
في يوم دفن الغني، تقاسم
أكثر الناس بساطة.. الفلاحون ابريق الخمر المعتقد هذه.. ولم يُقّدر
أحدهم ثمن هذا الخمر العتيق ابداً.. بل كان في نظرهم إنه واحد من
أباريق الخمر العادية..
أي المناسبات كان ينتظرها
الغني ليفرغ هذا الخمر فيها؟ أكان يقصد مناسبة موته؟ ام هناك ماسبة
أخرى لم يعرفها حتى جبران نفسه؟
ما الذي نتعلمه من هذه
القصة؟
نتذكر ما تقوله الحكمة (لا
تملكه حتى تنفقه)، ليست الأموال لك حتى تنفقها، حتى تستفيد منها..
ححينما تكنزها فهي لا زالت ليست لك، قد تسرق، قد تضيع، قد تحترق..
حينما تستفيد من المال، فإنك تكون قد ملكتها، حينما تستهلكها.
ولكن قد يطبق البعض هذه
الحكمة خطأ، كمن يؤمن بالحكمة التي تقول (انفق ما في الجيب يأتيك مافي
الغيب) ولكن هذه الحكمة الأخيرة متطرفة، كما هو تطرف وتمسك وحرص الرجل
الغني في صرف الخمرة. صحيح إنك لا تملك المال إلا إذا انفقتخ، أي لا
يكون لك إلا إذا صرفته وتصرفت به، ولكن هذا لا يعني ان المال ليس معك..
لا يعني أن المال يختفي إذا لم تنفقهز. قد يكون معك كنز، كما كان الخمر
في قبو التاجر، ولكنه لم يستفيد منه حينما كان هناك فرصة ليستفيد منهز.
كلا الامرين مرفوضين، الحرص
الشديد والتبذير الشديد.
كما أيضا نتعلم بان كل لحظة
ومناسبة تمر علينا هي عظيمة بذاتها، لايمكن مقارنتها بلحظة اخرى، فإن
استطعت ان تدخل بنشوة في لحظة من اللحظات، ادخل بها، ولا تنتظر مناسبة
ما لتدخل بها.. إن شعرت بالبكاء فابك، وان شعرت بالفرح ففارح.. عش
اللحظة بكليتها وكاملها كأن لو لم يكن هناك لظة غيرها.
أحمد الفرحان |