Facebook Login JavaScript Example

 

 

 
 

> الصفحة الرئيسية - الحكمة - جبران خليل جبران

 

 

الخلافات

 

 

حدث عندما كانت ملكة "عيشانا" في فراش مخاضها والملك وعيون بلاطه يترقبون نجاتها من آلامها الشديدة، وهم جالسون على أحرّ من الجمر في قاعة الثيران المجنحة، أن دخل عليهم فجأة رسول مستعجل، وركع عند قدمي الملك وقال: "أيها الملك المعظم، إنني أحمل لكم بشائر الفرح، وللملكة، ولعبيد الملك أجمعين، وذلك أن محراب "الحائر" عدوك اللدود، ملك "البترون"، قد قضي نحبه."

 فلما سمع الملك وكبار رجال دولته هذه البشرى نهضوا منتصبين على أقدامهم، وهللوا فرحين لأنه لو طال أجل محراب الجبّبار سنة واحدة، لغزوا أرض "عيشانا" وقاد سكانها عبيداً إلى بلاده.

وفي تلك اللحظة دخل طبيب البلاط إلى قاعة الثيران المجنحة، ودخلت وراءه قابلة الملكة. فانحنى الطبيب احتراماً للملك وقال له: "ليعش سيدي الملك إلى الأبد، فها قد رزقك الله طفلاً ذكراً، سيخلفك على العرش، ويلخلد حكمك على شعوب "عيشانا" عديد السنين !"

فتهلل الملك، وطارت روحه فرحاً، لأنه في اللحظة الواحدة هلك عدوّه وتأصلت الخلافة في نسله.

وكان في مدينة "عيشانا" في ذلك العهد نبيّ حقّ، ولكنه كان فتى جريئاً باسل الروح.

فأمر الملك أن يحضر النبي بين يديه في تلك الليلة، فأحضر في الحال.

فقال له الملك: "تنبأ أيها النبي، وقل لنا كيف سيكون مستقبل ابني الذي وُلد الآن للمملكة ؟"

فأجابه النبي على الفور قائلا: "اصغ أيها الملك فأنبئك الصدق عن مستقبل ابنك الذي ولد لك اليوم: فإن روح عدوك – عدوك اللدود الملك محراب – الذي مات في مساء الأمس، لم تلبث على متن الأرياح سوى ليلة واحدة وقد هبط إلى الأرض ثانية تطلب جسداً تأوي إليه، فلم ترَ أفضل من جسد ابنك هذا الذي وُلد لك اليوم فتقمّصته."

فاستشاط الملك غيظاً، وأستلّ سيفه، وقطع رأي النبي بيده والزبد يخرج من فمه غضباً.

 وها قد مرت الأيام، وتصرمت حبال السنين على تلك الحادثة، وحكماء "عيشانا" يُسرون واحدهم للآخر قائلين: "أما قيل لنا في القدم، وأثبتت الأيام ذلك القول، إن "عيشانا" يحكمها عدوها؟"

* * *

جبران خليل جبران

 

ملاحظات على المقال

طرح جبران في هذه القصة القصيرة حادثة تكررت كثيراً في تاريخ الأمم والشعوب..

ملك بترون الطاغية، عدو ملك عيشانا الذي فارقته الروح قبل قليل، قد أزاح الخوف من قلب ملك وشعب عيشانا، لأنه لو أطال بالعمر فسيطغى ويغزو البلدان.. وهذا سبب فرح وانقشاع الخوف من بلاط عيشانا.

إلا أن ما كان يخافون منه، أصبح داخل حدودهم! إنه ابنهم المولود الجديد، الذي دخلت فيه طاقة الشر وتقمصته.. وهو الذي سيأخذ المُلك من المَلك (والده)، ولهذا فإن المولود الصغير هو العدو ذاته، بجسد آخر ولباس آخر.

وهذه القصة تكررت كثيراً، فالنبي موسى الذي تربى في أحضان قصر فرعون، إلى غيرها من القصص التي لها الصياغ ذاته، إذا ما تناسينا موضوع التقمص الفلسفي في قصة جبران.

أما ما يقصده من العبارة في آخر هذه القصة "إن عيشانا يحكمها عدوها" فلها معنيين؛ الأول فهو أن عدو عيشانا الذي كانت تخاف منه -ملك بترون- قد تقمصت روحة ابن ملك عيشانا، وبعد أن مرت الأيام والليالي طغى الابن وأخذ العرش والولاية. والمعنى الثاني، فيقصد به ملك عيشانا نفسه، الذي قتل النبي، فكل شخص لا يريد النور والوعي لمملكته، يقتل كل من يقول الحقيقة فهو يكون عدو لنفسه وللآخرين.

أحمد الفرحان

 

 

 

طباعة الصفحة من أجل طباعة الصفحة، تحتاج إلى قارئ PDF

 

 

 

للاتصال بنا

ahmad@baytalsafa.com

أحمد الفرحان -الكويت.

 

 

 

facebook

أحمد الفرحان

مجموعة الاسقاط النجمي

مجموعة التحكم بالأحلام

 

 

 

 

 

"لو كان الفقر رجل لقتلته" رغم حجم الصدقات التي يدفعها الشعب البترولي. إلا أن لا زال الفقر والمرض والطمع موجود. نحتاج إلى حياة جديدة تنفض الغبار لتنتعش الإنسانية من جديد.

مالك أمانة، فانتبه أين تصرفه.. للسلاح أم للسلام.

 

الدعم المعنوي لا يقل أبدا عن الدعم المادي، لأن كلاهما يعبران عن قدرتنا على صنع واقع صحي جديد.

 

 

____________________________

جميع الحقوق محفوظة بالملح وبعلب صحية