Facebook Login JavaScript Example

 

 

 
 

> الصفحة الرئيسية - الحكمة - جبران خليل جبران

 

 

طائر إيماني

 

 

من أعماق قلبي هبّ طائر، وصعد محلقاً في الفضاء، وكان كلما حلّق في الجوّ، أكثر فأكثر، يزداد كبراً فكبراً. فبدأ أولاً كالخطاف، ثم صار كالقّبرة، فكالنسر، إلى أن أصبح كسحابة الربيع اتساعاً، فملأ السموات المرصعة بالنجوم.

من أعماق قلبي هبّ طائر ، وحلق في الفضاء، وكان يزداد حجمه كلا طار.

ومع ذلك فإنه ظل ساكناً في أعماق قلبي.

 فيا إيماني، يا معرفتي الجامحة القديرة، كيف أبلغ سمّوك، فأرى وإياك ذات الانسان الفضلي المرسومة على أديم السماء؟

كيف أحوّل هذا البحر الذي في أعمال نفسي، إلى ضباب كثيف، وأهيم وإياك في فضاء اللانهاية؟

أوهل يستطيع السجين في ظلمات الهيكل أن يرى قباب الهيكل المذهّبة؟

أمهل للنواة أن تتمدد فتغلف الثمر كما كان يغلفها من ذي قبل؟

أجل يا إيماني الحليم ! أجل، فإني مقيد بالسلاسل الحديدية في غيابات هذا السجل المحدود، تفصلني عنك هذه الحوجز المصنوعة من اللحم والعظم، وليس لي أن أطير معك الآن إلى عالم اللاحدود.

 بيد أنك من قلبي تنبثق محلقاً في الفضاء الوسيع، وأنت لا تزال قاطناً في أعمق قلبي الوجيع، وإني بذلك لراضٍ مستسلم قنوع.

* * *

جبران خليل جبران

شرح المقال

 

"من أعماق قلبي هبّ طائر، وصعد محلقاً في الفضاء، وكان كلما حلّق في الجوّ، أكثر فأكثر، يزداد كبراً فكبراً. فبدأ أولاً كالخطاف، ثم صار كالقّبرة، فكالنسر، إلى أن أصبح كسحابة الربيع اتساعاً، فملأ السموات المرصعة بالنجوم.

من أعماق قلبي هبّ طائر، وحلق في الفضاء، وكان يزداد حجمه كلا طار."

 

    لم يتحدث جبران عن طائر خيالي يسكن في قلبه، قم يهب فيطير إلى أطراف الأفق والسماء. بل كان يتحدث عن طائر حقيقي. ولكن هذا الطائر يختلف عن الطيور الأخرى، إذ إنه طائر ليس ذي أجنحة وريش ونفس حيوانية، بل طائره هذا ليس مادي، بل مادته هي "الإيمان"، لهذا أسماه جبران بطائر الإيمان، أو طائر إيماني. وليس ها ما جعله مختلف عن الطيور الأخرى، لا يختلف بمادته فقط، بل حتى القوانين الفيزيائية تبطل أمامه وتتغير.. إذ نعلم بأن الجسم كلما ابتعد عنا فإن حجمه يصغر في ناظرنا، ولكن طائر الإيمان هذا فإن حجمه يكبر كلما ابتعد عنا.. وهنا يكمن الاختلاف. طائر الإيمان له علاقته الخاصة بالكون، وقوانينه خاصه لعلاقته هذه، ولا يمكن التعامل مع طائر الإيمان هذا كتعاملنا مع الطيور الأخرى.. ولم يتجاهل جبران موضوع المعاملة هذا، بل ذكره وتحدث عنه حينما قال، أن الطائر هذا "من أعماق قلبي هبّ طائر، وحلق في الفضاء، وكان يزداد حجمه كلا طار... ومع ذلك فإنه ظل ساكناً في اعماق قلبي."

الطيور الاخرى يمكن أن نحبسها في الأقفاص ونقيد حريتها، فتظل في الأقفاص حتى لو كانت تنظر إلى السماء. ولكن طائر الإيمان الذي تحدث عنه جبران، فإنه حتى لو ظل في قلب جبران الذي هو مكان مولده، فإنه يمكن أن يطير إلى اعالي السماء، ويكون في مكانين إثنين في الوقت نفسه.. قلب المؤمن، والسماء عالم الملائكة والانوار.

هناك سؤال يمكن ان نطرحه هنا. لماذا كان الطائر هذا مختلف وعلاقته عن الطيور الاخرى التي نعرفها؟؟ لما كان يكبر كلما حلق في الفضاء؟؟

نستشف الجواب حينما نقرأ حوار جبران مع طائر إيمانه عندما قال:

     "فيا إيماني، يا معرفتي الجامحة القديرة، كيف أبلغ سمّوك، فأرى وإياك ذات الانسان الفضلي المرسومة على أديم السماء ؟"

إذن، فطائر الإيمان هو المعرفة، التي وصفها جبران بالجامحة والقديرة، لهذا فإن معرفته كلما ارتفعت واتسع أفقها في المعارف وارتفعت في تأملاتها وتفكرها في الخلق والوجود، يزداد طائر الإيمان حجماً، أي يزداد الإيمان في قلب جبران حجماً، ومع هذا نجد هذا الإيمان يرفرف في عنان السماء!!

لهذا فإن العلماء أكثر العباد بعد الرسل والأنبياء خشية من الله، فهم أكثر أيمانا، حيث دخلوا هذا المحراب ليس اتباعا ولا ثقة بالمتحدثين باسم الدين، بل دخلوه يقينا بعدما اختبروا وخاضوا في المعرفة التي تقوي الإيمان كلما اتسعت.

     "فيا إيماني، يا معرفتي الجامحة القديرة، كيف أبلغ سمّوك، فأرى وإياك ذات الانسان الفضلي المرسومة على أديم السماء؟"

مع وجود المعرفة واليثين والإيمان في نفس جبران، إلا أننا نجده حائراً يسأل كيف له أن يبلغ سمو ذلك الطائر الإيماني الذي يرسم ذلك الإنسان الكامل على صفحة السماء؟

ثم يتساءل..

   " أوهل يستطيع السجين في ظلمات الهيكل أن يرى قباب الهيكل المذهّبة؟

أمهل للنواة أن تتمدد فتغلف الثمر كما كان يغلفها من ذي قبل؟"

 

يريد جبران أن يرتقي بواقعه المتمثل في (الجسد) ليصل إلى مرحلة رؤيته كاملة، كما يرسمها طائر الإيمان في أطراف السماء، ذلك الإنسان الفضيل الكامل.

ومن هنا دار الحوار بين جنبي جبران، هل يستطيع السجين في ظلمات الهيكل والمعبد أن يرى قبة الهيكل والمعبة الذهبية من الخارج؟؟ او هل للنواة التي توجد داخل الثمرة أن تتمدد وتغلف الثمرة كما تغلف الشجرة والثمرة المستقبلية داخلها؟

فالسجين هو جبران الحقيقي، المسجون في ظلمة الجسد الذي هو المعبد، والنواة هي جبران الحقيقي، الكائن داخل نتاج الحياة وهي الثمرة.

فيجيب جبران على تساؤلات جبران السابقة فيقول:

"أجل يا إيماني الحليم! أجل، فإني مقيد بالسلاسل الحديدية في غيابات هذا السجل المحدود، تفصلني عنك هذه الحوجز المصنوعة من اللحم والعظم، وليس لي أن أطير معك الآن إلى عالم اللاحدود.

بيد أنك من قلبي تنبثق محلقاً في الفضاء الوسيع، وأنت لا تزال قاطناً في أعمق قلبي الوجيع، وإني بذلك لراضٍ مستسلم قنوع."

* * *

أحمد الفرحان

طباعة الصفحة من أجل طباعة الصفحة، تحتاج إلى قارئ PDF

 

 

 

للاتصال بنا

ahmad@baytalsafa.com

أحمد الفرحان -الكويت.

 

 

 

facebook

أحمد الفرحان

مجموعة الاسقاط النجمي

مجموعة التحكم بالأحلام

 

 

 

 

 

"لو كان الفقر رجل لقتلته" رغم حجم الصدقات التي يدفعها الشعب البترولي. إلا أن لا زال الفقر والمرض والطمع موجود. نحتاج إلى حياة جديدة تنفض الغبار لتنتعش الإنسانية من جديد.

مالك أمانة، فانتبه أين تصرفه.. للسلاح أم للسلام.

 

الدعم المعنوي لا يقل أبدا عن الدعم المادي، لأن كلاهما يعبران عن قدرتنا على صنع واقع صحي جديد.

 

 

____________________________

جميع الحقوق محفوظة بالملح وبعلب صحية