|
|||||||||
> الصفحة الرئيسية - الحكمة - جبران خليل جبران |
|||||||||
الشعراء
جبران خليل جبران شرح المقال
هذا الشاعر الأول كغيره من المفكرين والفلاسفة الذين لا عمل لهم غير البحث عن معنى الحياة وماهية الحياة، بل قد يشذون عن هذا الدرب، فلا يتحدثون عن الحياة، بل عن الأيام الموجودة في الحياة، و يتركون الحياة جانباً مهملة.. كما فعل هذا الشاعر الأول، الذي لم يتحدث عن الخمرة بل عن عبير الخمرة، مع أن الخمرة كانت أمامة.. فترك الأهم وركز على المهم. ثم شرد الشاعر الثاني خلف الأول، لكي يترك الخمرة وعطرها جانباً، ويتحدث عن تغريد الطيور فقال:
وكذلك الشاعر الثالث الذي أغمض عينيه وراح يسبح في خيالاته:
ورغم أن الخمرة تتوسط الشعراء الأربعة، إلا أنهم شردواً بعيداً جداً عنها، رغم انهم انطلقوا من خلال الخمرة ذاتها ليتحدثوا عن رفوف العصافير وتغريدها. كما نحن في الحياة نترك صلب الموضوع لنناقش أطرافة الساذجة.. نترك الحقيقة لنتحدث عن الكذبة، نترك الواقع لنناقش الخيال. أما الشاعر الرابع، فهو الوحيد الذي رفع الإناء وعرف ماهي الخمرة، لأنه الوحيد الذي ذاقها واشتم عبيرها.. وسَكر. رغم أنه ضعيف البصر، فيعجز عن رؤية سحابة الطيور السابحة "في غاب مسحور"، وثقيل السمع، فيعجز عن سماع تغريدها، وكليل اللمس، فلايمكنه لمس الطيور أو الشعور بحفيف أجنحتها... حيث قال:
لم يفكر واحد من الشعراء، أن يحمل إناء الخمر ليرتوي ويختبرها، ولكنهم غضبوا وحقدوا على هذا الشاعر الرابع. والسؤال هنا هو، لماذا غضبوا من الشاعر الذي شرب الخمر؟ هل لأنه شرب الخمر كلها إلى آخر قطرة منها ولم يترك للآخرين فرصة للاختبار؟ هل اعتقد أنهم اختبروا حقيقة الخمرة حينما سمعوا تغريد العصافير واشتموا عبير الخمرة وشعروا برفرفة العصافير؟ ولهذا لم يترك لهم قطرة واحدة؟ أم لأنه أخذ منهم شيء ما أغلى من الخمرة، وهي انه منعهم من النشوة أو السكر حينما شرب الخمرة كلها؟ أرى أنه قد ترك لهم ماهو أفضل من الخمرة.. أليس الخمر لفظ يقصد جبران به الحياة ؟؟ فالشاعر الأخير ترك لهم الحياة.. وأخذ الخمرة التي لم يجرئ أحد منهم أن يتناول الخمرة و يختبرها.. مثلها مثل الحياة.. بل كل منهم راح يجول في خيالاته بعيداً عن الحقيقة الواقعة أمامهم على الخوان.
أحمد الفرحان
| |||||||||
|