Facebook Login JavaScript Example

 

 

 
 

> الصفحة الرئيسية - الحكمة - جبران خليل جبران

 

 

أنت سابق نفسك

 

 

أنت سابق نفسك يا صاح، وما الأبراج التي أقمتها في حياتك سوى أساس لذاتك الجبارة. وهذه الذات في حينها ستكون أساساً لغيرها.

 وأنا مثلك سابق نفسي، لأن الظل المنبسط أمامي عند شروق الشمس سيتقلص تحت قدمي عند الظهيرة. وسيعقب هذا الشروق شروق آخر، فيحدث ظلاً ثنياً أمامي، ولكن هذا الظل عينه سيتقلص تحت قدمي أيضاً في ظهيرة أخرى.

 منذ البدء ونحن سابقو نفوسنا، وسنبقى سابقي نفوسنا إلى الأبد. وليس ماحشدنا ونحشد في حياتنا سوى بذور نُعدّها لحقول لم تُفلَح بعد. نحن الحقول ونحن الزارعون. نحن الأثمار ونحن المستثمرون.

 عندما كنت ياصاح فكرةً هائمة في الضباب كنتُ هنالك فكرة هائمة مثلك، فنشدتُك ونشدرتي، فكانت من تشّوقاتنا الأحلام، والأحلام كانت زماناً بلا قيود، والأحلام كانت فضاء بلا حدود.

وعندما كنت كلمة صامتة بين شفتي الحياة المرتعشتين، كنت أنا مثلك هنالك كلمة صامتة، وما تلفظت الحياة بنا حتى برزنا إلى الوجود وقلبانا يخفقان يتذكارات الأمس والحنين إلى الغد. وما الأمس سوى الموت مطروداً ولا الغد سوى الميلاد مقصوداً.

وها نحن الآن في يدي الله، فأنت شمس منيرة في يمناه، وأنا أرض مستنيرة في يسراه، ولكن قوتك على الإنارة ليست بأفضل من قوتي على الإستنارة.

وما نحن، الشمس والأرض، إلا بداءة لشمس أعظم وأرض أعظم، وسنبقى بداءة إلى الأبد.

 أنت سابق نفسك أيها الغريب العابر بباب حديقتي، وأنا مثلك سابق نفسي، ولو كنت أجلس في ظلال أشجاري وأبدو ساكناً هادئاً.

* * *

جبران خليل جبران

شرح المقال

 

تحدث جبران في هذه الأسطر عن فكرة التقمص، والتقمص ببساطه هو فكرة أن روح الانسان حينما يموت الجسد الفيزيائي، تنتقل لتدخل في جسد آخر في طور الحمل والولادة، إما على هذه الأرض أو في حياة وعوالم أخرى، كما عند معتقدات الشرق الأقصى، وقد نجد ذلك في بعض الاتجاهات الفكرية في الديانات السماوية الثلاثة.. نجد في كل فقرة تختفي ملامحها لتظهر من جديد، فالأبراج التي ستبنيها في حياتك، ستكون أساس لغيرها من الحياة، فإما أن تكون أساس لحياتك القادمة أم لغيرك. كما أن الظل الذي سيتقلص بفعل حركة الشمس التي هي الحياة -أو الحقيقة- فستشرق الشمس من جديد لتصنع ظلاً آخر في ظهيرة يوم آخر.

إنها الأبدية، الأزلية، السمردية، الموسوية التي يتحدث عنها جبران.
إنه يرى أن طالما أن الحقيقة موجودة، فإن شاهدين هذه الحقيقة سيكونوا موجودين بسببها. حيث قال: منذ البدء ونحن سابقوا نفوسنا، وسنبقى سابقي نفوسنا إلى الأبد. أي أنه طالما الإله موجود، فالعبد لابد أن يكون موجودا بشكل أو بآخر... طالما التوحيد موجود، فالتعددية ستبقى موجودة.

 

"منذ البدء ونحن سابقو نفوسنا، وسنبقى سابقي نفوسنا إلى الأبد. وليس ماحشدنا ونحشد في حياتنا سوى بذور نُعدّها لحقول لم تُفلَح بعد. نحن الحقول ونحن الزارعون. نحن الأثمار ونحن المستثمرون."

 

بما أن الإنسان يحصد نتاج أفعاله، وهي بدورها تأثر على بيئته ومحيطه وناسه، فبالتالي الإنسان هو الاول والآخر الذي يأكل ما يحصد الذي زرعه، ولهذا نجد جبران أنه جعل البذور وزارع البذور والحقل والمستثمر شيء واحد، في النهاية هو الإنسان الذي يزرع ذاته ويحصدها ويستثمرها.

 

يرى جبران أن الكائنات عبارة عن فكرة في العلم الأزلي لرب الكون، فَـلَـفَـضَ الإله كلمته، فتجسدت الكائنات من الفكرة إلى المادة. لذلك أعادنا جبران في الفقرة التي نحن بصددها إلى اللامكان واللازمان واللاوجود، أو مايسمى بالعلم الإلهي أو العندية الإلهية:

 

"عندما كنت ياصاح فكرةً هائمة في الضباب كنتُ هنالك فكرة هائمة مثلك، فنشدتُك ونشدرتي..."

 "وعندما كنت كلمة صامتة بين شفتي الحياة المرتعشتين، كنت أنا مثلك هنالك كلمة صامتة، وما تلفظت الحياة بنا حتى برزنا إلى الوجود وقلبانا يخفقان يتذكارات الأمس والحنين إلى الغد. وما الأمس سوى الموت مطروداً ولا الغد سوى الميلاد مقصوداً."

 

وقد كرر جبران في هذا المقال عبارة "أنت سابق نفسك" حيث يتحدث مع القارئ أو مع الطرف الآخر ويقول له "أنت" أي أنت ذاتك التي لا تتغير ولا تتبدل، ذاتك التي هي أساس لذات غيرها.. لهذا فصل بين الـ"أنت" و الـ"نفس".. بين "أنت" الذي لا يتغير، وبين "النفس" التي تنتقل وتتغير. ولأنه يؤمن بالتقمص فلهذا يؤمن بأن هناك ذات لا تتبدل، هي التي تشرق عليها الشمس كلما تغيب، وهناك النفس التي تتبدل وتتغير كلما اشرقت عليها الشمس وكلما ولدت في حياة ما وفي ظروف ما. وحينما يخاطب جبران بكلمة "أنت" فهو يقصد ذات الشخص التي لا تتبدل من أجل أن يتحدث معه عما يتبدل، فكيف للمرء أن يعرف الأزلي دون أن يعرف الفاني، وكيف له أن يعرف الثابت دون أن يعرف المتغير؟ لهذا كرر جبران قوله "أنت سابق نفسك" أي أنت موجود هنا في هذه الحياة وموجود في الحياة القادمة في هذه اللحظة "الآن"، لهذا فأنت سابق نفسك إلى الحياة القادمة قبل أن تتجسد وتصبح "نفس" ذو طباع وصفات خاصة. ومن جانب آخر، فإنه يقصد بأنت سابق نفسك، أي أن تصرفاتك ستسبقك قبل أن تنتقل إلى الحياة الأخرى.

* * *

أحمد الفرحان
2-10-2011

 

طباعة الصفحة من أجل طباعة الصفحة، تحتاج إلى قارئ PDF

 

 

 

للاتصال بنا

ahmad@baytalsafa.com

أحمد الفرحان -الكويت.

 

 

 

facebook

أحمد الفرحان

مجموعة الاسقاط النجمي

مجموعة التحكم بالأحلام

 

 

 

 

 

"لو كان الفقر رجل لقتلته" رغم حجم الصدقات التي يدفعها الشعب البترولي. إلا أن لا زال الفقر والمرض والطمع موجود. نحتاج إلى حياة جديدة تنفض الغبار لتنتعش الإنسانية من جديد.

مالك أمانة، فانتبه أين تصرفه.. للسلاح أم للسلام.

 

الدعم المعنوي لا يقل أبدا عن الدعم المادي، لأن كلاهما يعبران عن قدرتنا على صنع واقع صحي جديد.

 

 

____________________________

جميع الحقوق محفوظة بالملح وبعلب صحية