|
|||||||||
> الصفحة الرئيسية - الحكمة - جبران خليل جبران |
|||||||||
اليقظة الأخيرة
* * * شرح المقال في هذا العمل يسرد جيران حالة مع أهل مدينته، أو محيطينه -كما أراه-.. هذه الكلمات الصريحة والمباشرة ليست غريبة على جبران، وكثيراً ما نقرأ رأيه في الآخرين وعباراته الصريحة في رفض واقعهم وتمرده على هذا الواقع، حيث يقول "لكم لبنانكم ولي لبناني" أو مسيحكم ضعيف، إنما مسيحي قوي..إلخ غيرها من العبارات المباشرة. هذا عمل من أعمال جبران الذي يخاطب به الآخرين، بحيث يصفهم كما يراهم هو وقد وضع هذا في قالب من الفانتازيا، أو الرمزية الصوفية لكي لا تكون حجة عليه حينما لا تطابق كلماته الواقع بشكل صريح. وإن لم يكن ذلك، فإنه يصور جانب من جوانب النفس البشرية، خاصة أنه يرى بأن الحب هو أساس الحياة ولهذا ختم الكتاب هذا (السابق) بمقال عن الحب المثالي اللامشروط، كما سوف نرى ويعكس ذلك ما يراه في الحب.. دعونا نقرأ ونتفكر في ما كتب..
في عمق الليل، باقتراب الفجر، نهض "السابق" -وهو اسم الكاتب، لفظ أطلقه جبران على كل فرد، وقد تم التطرق لهذا في المقال الأول "أنت سابق نفسك".. ولهذا فالشخص الذي يتحدث عنه جبران، ويعكس جانب كبير من شخصه هو. السابق هو الشخص الذي لم يظهر بعد، هي الذات العليا التي لم يصل لها الشخص، حيث يقول "أنت سابق نفسك" وهذا ما يعكس فلسفته المثالية أو الكمالية، كما انه اختار هذا المعنى للدلالة إلى إيمانه بالتقمص. إذ كل فرد وارادته تسبقه للحياة الأخرى، وتحدد ملامحها، وهذه الإراده نحددها نحن ((الآن)) بوجود النفس معنا.. وهكذا يمكن أن نستوعب شخص "السابق" في هذا المقال بأنه الضمير والذات الإنسانية التي تسبق صاحبها وترتدي أكثر من لباس وشخصية -حسب مبدأ التقمص-.. هذا السابق الذي نحن بصدده يعرفه جبران بأنه "هو صدى الصوت الذي لم تسمع به أذن بعد"، وبعج أن وقف وتجمعت أرواح النائمين إليه، خاطبهم وقال:
ويقصد بالعري، هو أن يكون صريحا بفطرته، بعيدا عن الأقنعة والمجاملات، بحيث أراد أن يعبر عن نفسه ويكون على طبيعته بعيدا عن كل شيء من صنع البشر، كالأعراف الاجتماعية أو الدينية أو القانونية. فقال:
نجد أن هذا الحب المثالي، الكامل، الرحيم، غير مشروط.. نابع من طبقة أعلى من طبقة العواطف الانفعالية الزائلة. فالحب الذي نعيشه ذو وجهان، الأول هو الحب بنفسه، والوجه الآخر هو الكره أو الحقد؛ أحب جمالك ولكني أكره سلبياتك، أحب قربك ولكني أكره الشوق إليك والبعد عنك، أحب السلام ولكني أكره الحرب..إلخ. الحب الذي يصفه جبرانظن وأظن أنه يعيشه، هو المحبة وليس الحب. المحبة التي ليس لها نظير، بدون "وشو وقفا" بل هي واحدة كما هو النور والماء والهواء واحد.. كما هي الرحمة التي تنطوي بداخلها الجنة والنار. ولكن طبيهة البشر كما نحن كلنا، لا نجاري من يحبنا، بل نبحث عمن تحبه أنفسنا، ولهذا كان رد الفعل عند الناس حيث يصفه:
هذه هي طبيعة البشرية، فكما آدم لم يستوعب الحقيقة العلية الواحدة الكلية، اكل من التفاحة وأخذ يغوص في متاهة الإزدواجية، والنقص والفناء، حتى يعي حقيقة الخلود والبقاء.. لم يستوعب الناس المحبة الواحدة الخالصة من دون تناقض، المحبة التي ليس لها "وشو وقفا".. بل هي واحدة من دون نظير ولهذا تعجبوا كيف له أن يحب الملك والفقير، العالم والجاهل معا..!!
ولكن "السابق" أراد أن يلعب لعبة ما، كما هي الألوهية التي تغلف رحمتها بنار جهنم، وهكذا كان السابق:
وأخذ يلعب لعبة الإزدواجية ويناقظ الكل، فالحكماء دعاهم بالمجذفين بالدين، والروحانيين دعاهم بصائدي الإشباع والبلغاء دعاهم بمتشعبي الألسنة.. وهنا ندرك حكمة جبران وحنقة في الكتابة واللعب بالمنطق والمنطق البديل، أي أن يعطي المعنى وينقضه وهذا نادر الحدوث في شخص واحد..
وبعد سماع ذلك الكلام، لقد احبوا "السابق" الذي ظهر بصورة الحكيم الواعي المناقض لكل ما هو موجود، المستغني عن العارفين والروحانيين والفصحاء..إلخ. وهكذا تبعه الناس وأحبوه..
ويؤكد ما وصلنا له من معنى، عندما نقرأ ما كتبه جبران هنا:
* * *
أحمد الفرحان
| |||||||||
|