Facebook Login JavaScript Example

 

 

 
 

> الصفحة الرئيسية - الحكمة - جبران خليل جبران

 

 

دوارة الريح

 

 

 قالت دوارة الريح للريح: "قبحك الله، ما أثقلت وما أملّك! أليس في وسعك أن تهبّي في وجه غير وجهي؟ ألا تعلمين أنّك بعملك هذا إنما تعكرين صفو ثباتي الذي أعطانيه الله؟"

    فلم تجب الريح بكلمة قط، ولكنها ضحكت في الفضاء.

* * *

جبران خليل جبران

ملاحظات على المقال

دوارة الريح.. حينما تمر على مسامعنا هذه العبارة، نتذكر الطاحونة الهوائية بأذرعها الأربعة وهي تدور لتساعد في طحن الحنطة... أو نتذكر أيضاً الطواحين الهوائية الخاصة بتوليد الكهرباء، أو نتذكر البوصلة الهوائية التي تعلوها رمز الديك لتحدد اتجاه الريح ومسارها... أيا كانت وظيفتها والفائدة منها، فكل شيء يدور بفعل الرياح يمكن أن نسميه "دوارة الريح"، وليس هناك أداة يمكن للإنسان أن يصنعها إلا لحاجة وضرورة وفائدة مرجوة منها، ولهذا أخذ جبران اسم "دوارة الريح" ليشير إلى أي أداة تدور بفعل الريح، وينتج عن دورانها "رقصة أو طواف" تنتج بعد ذلك كهرباء أو تطحن حنطة.. أو أي فائدة أخرى.

 

تضايقت دوارة الريح هذه، من الريح التي تدفعها إلى الدوران، ووصفتها بأنها ثقيلة ومملة. وهذا نقيض ما يشعر به المرء من بهجة حينما يرى الطواحين الهوائية وهي تدور بكل رشاقة، يشعر بخفتها وابتهاجها في رقصتها الطبيعية التي صنعت من أجلها أمام الريح. بينما دوارة الريح هذه تصف الريح الخفيفة بالثقل، وأيضا بأنها مملة، مع أن الريح دائما ما تتحرك.. الريح لا يمكن أن تكون ثابتة ولهذا فلا يمكن لها أن تبعث الملل للآخرين.

 

ثم تساءلت أليس في وسع الريح أن تهب في وجه غير وجهها هي؟ ولكن من قال لها أن الريح لا تهب إلا في وجه دوارة الريح هذه فقط؟ وهذا ما يذكرنا بنموذج من الناس.. الذين دائما ما تدور أفكارهم حول أنفسهم، الذين يظنون أنهم هم الوحيدون الذين يتعرضون للضغط دون غيرهم، أو يتعرضون للظلم دون الآخرين، أو يجدون أنفسهم المتميزون دون الباقي..إلخ. هؤلاء الناس يتمحورون حول أنفسهم، ولا يرون الواقع كما هو، بل كما يظنون في داخل أنفسهم، ومن خلال عدسات طباعهم.

 

تستمر دوارة الريح في تمحورها حول ذاتها، حينما تقول: "ألا تعلمين أنك بعملك هذا إنما تعكرين صفو ثباتي الذي أعطانيه الله؟". تظن أن طبيعتها هو الثبات دون الحركة.. ولكن حينما نسأل عن وظيفتها، فلابد أن يكون الجواب هو "ألدوران بفعل هبوب الريح بين أذرعها"... ولكن من جانب آخر، نجد أن دوارة الريح محقة في أن الثبات هو فطرتها وطبيعتها، إذ إنها مصنوعة إما من الخشب أو من المعدن أو أي مادة أخرى، ولكن هذه المادة الأخرى دائما ما تكون ثابتة، ليست وظيفتها الحركة، وقد يكون من هذا المنطلق، أن دوارة الريح تطالب الريح بالسكون، هذه المواد الجامدة حولها الإنسان إلى أداة، وأعطاها اسم دوارة الريح، تدور بفعل هبوب الريح.. فأخذ المادة الأولية وأعطاها كيان جديد ووظيفة جديدة، لعل ما تطلبه دوارة الريح من الريح أن تعيدها إلى صيغتها الأولى؟ ولكن ما الذي أجابته الريح لأختها دوارة الريح؟

 

لم تجيب الريح بكلمة، فإذا كانت دوارة الريح، أو (مواد صنع دوارة الريح) لم توجد للدوران، ووظيفتها هي الثبات، فإن الريح -في المقابل- وظيفتها هي أن تحرك كل ما يمكنها من مواد وعناصر في الطبيعة، والتي قد تكون ثابتة.. وليس من وظيفتها -الريح- أن تحرك هذا ولا تحرك ذاك.. بل أن تعمل حسب فطرتها وهي الهبوب. لهذا لم ترد الريح على دوارة الريح.. بل فقط "ضحكت في الفضاء".

 

 دوارة الريح، إذا كانت تكره الدوران والحركة لأنها مصنوعة من مواد أولية جامدة، وهي في النهاية جماد، فكيف بالإنسان، هذا المخلوق الذي صنع من مواد أولية (الطين)، ثم نفخت فيه الحياة (الروح)، لماذا يكره السعي في الحياة والتقدم إلى الأمام في كل الميادين (الحركة والدوران).. لماذا يظن أن الله أعطاه الثبات والراحة والموت دون الحركة والدوران والانجاز، كما ظنت دوارة الريح؟

أحمد الفرحان

 

 

طباعة الصفحة من أجل طباعة الصفحة، تحتاج إلى قارئ PDF

 

 

للاتصال بنا

ahmad@baytalsafa.com

أحمد الفرحان -الكويت.

 

 

 

facebook

أحمد الفرحان

مجموعة الاسقاط النجمي

مجموعة التحكم بالأحلام

 

 

 

 

 

"لو كان الفقر رجل لقتلته" رغم حجم الصدقات التي يدفعها الشعب البترولي. إلا أن لا زال الفقر والمرض والطمع موجود. نحتاج إلى حياة جديدة تنفض الغبار لتنتعش الإنسانية من جديد.

مالك أمانة، فانتبه أين تصرفه.. للسلاح أم للسلام.

 

الدعم المعنوي لا يقل أبدا عن الدعم المادي، لأن كلاهما يعبران عن قدرتنا على صنع واقع صحي جديد.

 

 

____________________________

جميع الحقوق محفوظة بالملح وبعلب صحية