|
|||||||||
> الصفحة الرئيسية - الروح - مقالات أخرى |
|||||||||
التعددية والعودة إلى التوحيد
ملاحظة: الكلام الموجود ما بين الأقواس [...] هو كلام ليس من ضمن المقال الأصلي، وهو من إضافة بيت الصفا. "... وجوابنا على كل هذه الأسئلة... [هو] ما من صورة [أو مفهوم أو فكرة ما تدور في الذهن البشري] إلا وهي على صلة بالحقيقة والواقع بعلاقة ما، وإلا لما اتخذت سبيلها إلى الذهن. وحسبنا أن ندرس آخر ما أصبح يقال عن الأحلام، والأساطير والخرافات والعقائد الدينية ليتبين لنا مصداق ذلك.
الرؤى والأحلام وفي رأي آخر أن الأحلام لون من ألوان ذكريات الروح عن تجاربها في حياة مضت. (مذهب تناسخ الأرواح) والإجماع منعقد منذ القديم على أن الأحلام في كل الأحوال، تتكلم بلغة الرموز، ومن هنا جاء الغموض الذي يطبع الأحلام بطابعه. ولم يكن هناك في القديم من يداخله الشك، في أن الأحلام قد تكشف عن مستقبل الإنسان وعما قد يقع له من الحوادث ومن الأمور المقررة في الفقه الإسلامي، أن الرؤيا الصادقة جزء من النبوة. ولقد أقدم رسول الله عليه الصلاة والسلام على خوض معركة بدر الفاصلة في تاريخ الإسلام والإنسانية بالتالي، بناء على رؤيا رآها في المنام، من أنه سينتصر على المشركين. كما رأى في منامه مرة أخرى أنه سيدخل مكة آمنا مطمئنا هو وبقية المسلمين، رغم الحرب التي كانت مستعرة بينه وبين قريش وأنه سيطوف بالمسجد الحرام، [فحدث] الذي رأى في منامه. ومن هنا قام للأحلام وتفسيرها علم شامخ في القديم، ساهم في تشييده الفلاسفة والعلماء والكهنة والسحرة، وكما يلتمس الناس الأطباء لعلاج ما يلم بهم من أمراض فقد كانوا يلتمسون أهل الذكر لتفسير ما يعرض لهم من أحلام، إذا لم يستطيعوا هم أو ذويهم أن يفسروا هذه الأحلام. وكل ذلك يدل على أن أحدا في الماضي لم يتشكك في انطواء الأحلام على حقائق وأسرار تتصل بالوجود وبما كان وسوف يكون، أيا كان التشويش الذي قد ينتابها. ثم كانت موجة العلوم المادية، علوم التجربة والحواس والمشاهدة التي لا تؤمن إلا بما نمسك أو نشم أو نرى، والتي ترى في كل حديث عن الروح حديثا عن مجهول وفرض لا لزوم له لأن المادة كفيلة بحل كل إشكال، فكان طبيعيا أن يجرف هذا التفكير الجديد كل ما قيل في القديم عن تفسير الأحلام، ولم تعد الأحلام شيئاً حقيقياً بأن يشعل نفسه به عالم أو فيلسوف، وإلا كان معنى ذلك اشتغاله بالأوهام، وسقط بالتالي كل تصور أن تتضمن الأحلام حديثا عن المستقبل أو تنبؤاً بالغيب. ولكن العقل البشري من ديدنه [عادته] أن يفكر في كل شيء وأن يقلب الأمور على كل وجه، وأن يرى اليوم وجها من الصورة وفي يوم آخر الوجه الثاني ثم الوجه الثالث وهكذا، فلا خوف منه على الحقيقة أبدا، مهما كان انحرافه أو نكسته لان الانحراف لا يلبث أن يعود إلى الاستواء والنكسة تعود إلى انطلاق ! فقد كان الماديون ورسل المادة المؤمنون بها، هم الذين عادوا للأحلام سابق مكانتها وخطورتها في حياة الإنسان ونددوا بهذا الإغفال الذي أصبحت تلقاه الأحلام. وكان نبي هذا البعث الجديد هو "سيجموند فرويد" [أحد العلماء النفسيين الذين ساهموا كثيرا في علم النفس هو..] الطبيب العالم الذي بدأ حياته باحثا خلف العناصر وتركيبات المادة وطرق العلاج، عندما أصدر كتابه (تفسير الأحلام) في سنة 1900 مبتدئا بذلك علم الطب النفساني صاحب الصولة والجولة اليوم في العالم الغربي وبصفة خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. وإليك ما قاله سيجموند فرويد عن حقيقة الأحلام وكيف أنها تمثل الرغبات المكبوتة، وترمز إلى الحقيقة بصورة من الصور:
وهكذا لم تعد الأحلام أضغاثا، وإنما هي إشارات ورموز وذكريات وتعبير عما يخالج النفس، فهي الدليل على أن كل ما دار في الذهن، حتى ولو في حالة النوم هو تعبير عن حقيقة كانت أو كائنة أو سوف تكون. ولم يكن فرويد إلا الطليعة [البداية] لسيل من الأبحاث المماثلة، وعديد من العلماء الذين، وإن اتفقوا معه في المنهج فقد اختلفوا معه في التعليل [الأسباب]، من أمثال "أدلر ويونج". وما من طبيب نفساني في طول العالم وعرضه في أيامنا هذه إلا ويتخذ من أحلام مريضه، سبيلا لمعرفة ما يعتلج في صدره من الذكريات والرغبات والعقد النفسية التي تسبب له المتاعب أو الآلام.
الأساطير والخرافات ومما يؤسف له حقا أن البعض قد ذهب إلى اعتبار المعتقدات القديمة كلها، بما فيه الأديان، سواء كانت أديان سماوية أو وثنية [وضعية: أي وضعها الإنسان مثل الهندوسية والمجوسية]، لا تخرج عن أن تكون ضربا من ضروب الأوهام والأساطير، بحيث لا تستحق أن يختلف مصيرها عن مصير بقية الأساطير والأوهام، ألا وهو سلة المهملات. بل لقد ذهب بعض المذاهب إلى حد التسامح مع الخرافات والأساطير فلم تعد تلقيها في سلة المهملات، أما بالنسبة للأديان والمعتقدات فلم يعد يرضيها إلا أن تحاربها، وتحارب معتنقيها وتستأصل شأفتهم، كما كان يفعل بالأمس بالكفار والمشركين بمقوله أن لا سبيل لرقي الإنسان إلا بعد أن يطهر نفسه وذهنه من هذه السموم والمخدرات. [ذكرت هذه العبارة في المؤتمر الشيوعي عام 1928] ولو صح هذا القول لكان معناه أن هذا الذي دار في عقول البشر خلال عشرات القرون كان وهما ولونا من ألوان الخزعبلات التي لا تنطوي على حق أو واقع من أي شيء كان وهو ما يهدر العقل البشري ويزري به ويدفع إلى التشكك في كل ما يقول به العقل البشري اليوم أو غداً أو في أي يوم من الأيام... ما دام أن أمورا ظل يرددها خلال القرون وآلاف السنين ليست سوى أكاذيب وترهات وأوهام، فليس ما يمنع أن يكون كل ما يقوله اليوم هو من هذا القبيل. وبدأ العلماء بحثهم في الأساطير والخرافات والسحر القديم والشعوذة كما لا تزال ممثلة لدى بعض الشعوب البدائية في افريقيا وآسيا وأستراليا، وإذا بالعلماء يرون في هذه الأساطير والخرافات حديثا جديرا بكل تقدير واعتبار، فهي ليست سوى التاريخ.. تاريخ البشر وتاريخ جماعة من الجماعات مصافا بلغة قديمة ومفاهيم قديمة. فعندما يعتقد المصري القديم في الإله رع وأنه حكم الأرض ثم صعد إلى السماء، وعندما نتحدث عن هذا النزاع الدموي بين ست وبين أوزوريس وكيف قتل ست أخاه ومزق جسده أشلاء فعملت ايزيس زوجة أوزوريس على تربية ابنها حورس على فكرة الانتقام لمقتل أبيه وكيف جمعت أشلاء زوجها لتدفنه، ليس ذلك كله إلا حديثا عن وقائع حدثت بالفعل وملوك كانوا أول من حكم مصر ثم قدسهم الناس بعد موتهم كما يحدث في كل زمان ومكان. وعندما يتحدث الإغريق عن آلهة الأولمبس وما يقع بينهم من نزاع وصدام ومناقشات ومحاورات، فليس ذلك كله إلا حديثا عن أصول الإغريق القدامى ورؤساء القبائل والعشائر الذين نسلوا أحفادهم الذين قدسوا أجدادهم كما هو شأن الطبيعة البشرية في احترام الموتى واجلالهم. وليس أدل على هذا الفهم لهذه الأساطير القديمة أوانها تمثل تاريخا إنسانيا، أنه لا المصري القديم ولا الإغريقي ولا الروماني نسبوا إلى هذه الآلهة المعبودة خلق هذا الكون، فقد كان موجودا قبل أن توجد الآلهة المصرية كالآلهة الإغريقية والرومانية، كلها لا تستطيع أن تتحكم في القضاء والقدر الذي يهيمن على أقدارها كما يهيمن على أقدار البشر سواء بسواء. فدل ذلك على أن هذه الآلهة المعبودة ليست في طبيعتها إلا بشرا ممن سبق. [هذه الفقرة صحيحة إلى حد ما، ولكن حينما نراجع إلى الأساطير نجد أن اغلبها تحكي عن الآلهة وعن أحداث تدور بينها، وقليل ما تناقش قصة خلق العالم أو المسبب الأصلي لخلق العالم. ففي الأساطير اليونانية ترى أن الهلامي واللامحدود هو الذي ظهر منه كل شيء وهو ما يسمى بـ شايس shaos. وفي أساطير بابل وآشور تجد أن الآلهة الخيرة قد خلقت صدفة حينما اختلطت المياه بالفضاء، والآلهة الشريرة خلقت من المياه المالحة. وفي أساطير الهندوس، فأول من تحدثت عنه هو الإله مانو الذي لم يتم ذكر انه خلق السماوات والأرض، بل كل شيء في داخله وهو يحيط بها، وله القدرة على خلق ما يريد، وحينما كره هذه الوحدة صنع براهما على الأرض، وهو أول إنسان في الوجود (آدم). -لكن النصوص لم تذكر أنه خلق الأرض والسماء. لهذا فإن الأساطير كثيرا ما تتحدث عن احداث يومية للآلهة وقليلا ما تحدث عن أصل الوجود، وإن تحدثت عن أصل الوجود فإنها ترجعه إلى العلة الأولى أو الإله الأول الواحد القادر على كل شيء، كبير الآلهة] وهكذا لم تعد الأسطورة شيئا من اختلاق العقل البشري، وإنما هي تسجيل لوقائع حدثت بالفعل وتحدث عنها الخلف نقلا عن السلف بلغة تختلف عن لغتنا الحاضرة في مدلول معاني الكلمات وما ترمز إله، فكلمة إله لدينا في الوقت الحاضر ترمز إلى معنى ضخم لم تكن ترمز له في القديم، ومن هنا جاء اللبس الذي وقعنا فيه ونحن نطالع هذه الأساطير. وبدأ علماء كبار يعنون بكل ما يؤثر عن الماضي فيقول لنا Frazer [وهو أحد العلماء الموهوبين الذين ذكروا في موسوعة (قصة الحضارة) حيث يقول] : "إن أمجاد العلم تمتد بجذورها إلى سخافات السحر لأن الساحر كلما أخفق في سحره استفاد من اخفاقه هذا استكشافا لقانون من قوانين الطبيعة، وعلى هذا النحو كان السحر هو الذي أنشأ لنا الطبيب والصيدلي، وعالم المعادن وعالم الفلك..". ويقول الدكتور محمد كامل حسين في كتابه (وحدة المعرفة): "الخرافة أول العلم فهي نظرية لم تثبت، أما العلم فخرافة قد ثبتت أصولها وأطردت نتائجها إلى حد ما. وعلم الأمس لا يعدو أن يكون خرافة اليوم، وعلمنا سيكون عند أبنائنا خرافة، وقوام المذهب الخرافي العلمي هو قدرة العقل على تنظيم ما يعلم". وراح العقل يحفل من جديد بكل المعتقدات والأديان القديمة، فبعثت كتب البوذية والهندوسية والزاردشتية. وطاف العلماء بين شعوب أفريقيا واستراليا وآسيا يبحثون أصول المعتقدات والاديان، واستخلص من ذلك كله ومن الأديان السماوية الاخرى كاليهودية والمسيحية والإسلام علم من أكبر العلوم، وهو علم الدين المقارن الذي دل على أن للمعتقدات وللأديان، على اختلاف أشكالها وتباعد أزمانها، جوهرا مشتركا يلتقي عند أفكار وصور معينة طافت كلها في الذهن البشري، سواء كان هذا الذهن مستقرا في رأس أحد الهنود الحمر، أم أحد أبناء الدنكا والشلوك في مديرية خط الاستواء، أو كان عالما من كبار علماء اللاهوت في الفاتيكان، أو ابن رشد وابن سينا والغزالي من فلاسفة الإسلام، أو أرسطو وسقراط وأفلاطون من أعلام الإغريق.. ولو أننا فحصنا هذه الأفكار التي تؤلف جوهر الأديان لوجدناها ا تخرج عما أصبح العلم الحديث يعتبره حقائق مقررة يثبتها الحس والتجربة، وما تكشفه عنه الآلات في المعامل والمراصد ودور الأبحاث فما هي هذه الأفكار ؟
أفكار العقائد
الدينية
الكون المخلوق وهناك اليوم عدة نظريات في كيفية نشوء المجموعة الشمسية وكيف انفصل بعضها عن البعض، ولكن لا خلاف عندهم في أن القمر قد انفصل من الأرض بل ويحد بعض العلماء مكان انفصاله وهو حيث يوجد المحيط الهادئ. والأرض وسائر الكواكب الأخرى قد انفصلت عن الشمس، والشمس في بادئ أمرها لم تكن سوى كتله غازية كسائر النجوم الأخرى التي لم تكن قبل ذلك إلا سديما على تفصيل طويل في مختلف فروع العلم. وهكذا لم يكن وهما عندما تصور العقل البشري أن هذا الكون قد خلق حيث لم يكن على صورته هذه من قبل.
السبب الأول
وهذا الذي يقول به علم الطبيعة لا يخرج في حرفيته عما يقول به الأديان كلها وهي تصف الله الخالق من أنه قادر مريد فعال قديم أزلي. ولعل الفارق هو في اللفظ. فالمعتقدات القديمة قد خلعت على هذا السبب الأول شتى الأسماء فهو "أهورامزدا" لدى أتباع زرادشت، وهو "يهوه" لدى الإسرائيليين القدامى، وهو "رع" أو "آمون" لدى المصريين القدامى، وهو "الآب" لدى المسيحيين، وهو "الله" لدى المسلمين، إلى آخر هذه الأسماء التي اختلفت باختلاف اللغات واللهجات. وعلم الطبيعة الحديث يسمى هذه القوة الخلاقة باسم المادة فهو اسم جديد يضاف إلى ألوف الأسماء التي رمزت لهذا السبب الأول. يقول لنا العلم الطبيعي: لا يوجد في هذا الكون سوى المادة، المادة هي سدى الوجود ولحمته، إنها مبثوثة في كل مكان، إنها الشمس في عليائها وهي النملة في جحرها، وهي الرياح في هبوبها وهي العقل البشري في إبداعه، وليست المادة سوى الطاقة وليست الطاقة سوى المادة، فهذا الكون كله ينتهي إلى أصل واحد وهو المادة قوام كل شيء. فأي جديد في هذا يختلف عما يقول به الهندوسي من وحدة الوجود، وما تقوم به منظومة الأديان كلها، وما يقول به كل مؤمن، من أي لون وطراز، من أن الله في كل مكان، وأن قدرته مبثوثه في كل شيء، وهي قوام كل شيء، ولا يقوم شيء إلا بها. أغلب الظن أم الماديين عندما ينكرون فكرة الله الخالق كما تصورها الأديان والمعتقدات، فهم لا ينكرون وجود السبب الأول للوجود، ولكنهم ينكرون الصورة البشرية التي اعتاد البشر أن يخلعوها على الله الخالق، وينكرون ما اعتاد البشر أن ينسبوه إلى الله، من أنه قال كذا وفعل كيت، وأنه جالس على هذا الكرسي أو فوق هذا العرش، وأنه يروح ويجيء ويصعد وينزل. وينسى الماديون أن لا وسيلة للإنسان للتعبير عن أي معنى من المعاني إلا بالقياس على حركته وتصرفاته وأفكاره [حركة وتصرفات وأفكار الإنسان]... وإلا فبأي شيء يستطيع أن يتحدث [الإنسان] عن حركات الشمس إلا أن يقول عنها إنها تشرق وهي تغرب وهي تكسف وهي تحمر وهي تصعد وهي تنزل... إلخ. بل ماذا يقول لماء الطبيعة الماديون وهم يتحدثون عن المادة، أولا يخلعون عليها الحياة؟؟ فيقولون أن المادة تفعل كذا وهي في تطور مستمر وهي تنزع نحو الأصلح ونحو الأكمل.. أليست مل هذه معاني بشرية نخلعها على المادة بمقاييسنا وآرائنا وأفكارنا ؟؟ فلا مناص للإنسان في كل عصر وزمان ومكان من أن يخلع الحياة على كل مافي الكون. [ليفسره ويحاول أن يستوعبه فيقرب الصورة الكونية اللامحدودة لمفاهيمه العقلية التي حددها ورسمها وجعل الكون يتحرك ويعيش في ضوء مفاهيم الإنسان]
صلة الإنسان المستمرة بالسبب الأول فما الذي يقول به علم الطبيعة أو المادة، وهل يختلف في قليل أو كثير عن هذا الذي تقرره الأديان؟ أليس الإنسان بلغة الطبيعة... هو أسمى ما أنتجته المادة؟ أليس العقل البشري هو ذروة ما وصلت إليه الطبيعة من تطور؟ أليس الإنسان هو الكائن الوحيد من بين الكائنات الأخرى القادر على فهم الطبيعة وأسرارها واستغلالها وتسخيرها لما يعود عليه بالنفع؟ أليس ذلك هو بعينه التفكير الديني في كل المعتقدات القديمة...؟؟ [نتائج الفرضيات العلمية، مثل فرضية (التطور الاختياري للطبيعة) التي نادى بها داروين، لا تنكر أن الإنسان سيد المخلوقات كما أطلقت عليه الأديان المختلفة، ولكن الدين يرفض أن يكون التطور للمادة وللحياة يكون بعامل الصدفة أو الاختيار الذاتي للخلية، ويعوز العلم بعملية التطور المختارة، أن تكون كل خلية في الكائنات الحية هي قادرة و مختارة على تطوير نفسها وتحويلها من كائن إلى آخر.. الأمر الذي يعوزه الدين إلى الإله الخلاق (الله) الذي يحدد مصير الخلايا ويختار طريقة تطور الكائن الحي.. إلى غيرها من اختلافات في الكيفية وليست في النتيجة، مثل هل الإنسان الأول ظهر من خلال عملية ولادة من رحم القرد، أم تم خلقه بيد الله من طين الأرض كما تقول الديانات السماوية الثلاثة ؟؟؟]
موت الإنسان أهو نهايته؟ وعندما نحرق بعض هذه الأخشاب فيتصاعد منها اللهب والدخان الأسود وبخار الماء ثم لا يبقى منها سوى بعض الرماد، أو لا يقول لنا العلم (كما قال الهنود من قبل) أن هذه الشجرة التي احترقت لم تتلاشى ولكنها تحولت إلى عناصرها التي تكونت منها، وهي الضوء والماء والكربون والأوكسجين، والتي لن تلبث أن تكون الشجرة من جديد ؟ فإذا كان هذا هو الذي يثبته العلم من أن المادة لا تفنى والطاقة لا تفنى بل تتحول لتأخذ صورا متعددة، بل إذا كان العلم قد انتهى إلى أن الطاقة ليست شيئا سوى المادة، والمادة ليست شيئا سوى الطاقة، وان التبادل بين الاثنين كان وسيبقى إلى ما شاء الله. فعلى أي أساس يريد البعض أن ينحرفوا بهذه القواعد والنواميس ليبطلوها بالنسبة للإنسان، فيقولوا أن صفحته تنتهي بموته وهذه خاتمة المطاف؟ أغلب الظن أن ما ينكروه الماديون على الأديان ليس قولها بقاء الإنسان بعد موته في صورة من الصور وإنما هم ينكرون هذه الصور الحسية التي تعزي لهذه الحياة الثانية ولهذه التقسيمات من جنة ونار، ومرة أخرى نذكر باسقاط الخلاف اللفظي وطريقة التعبير لنبحث عن الفكرة التي يراد التعبير عنها. فالأديان تقول إن الإنسان بعد موته يعود من حيث بدأ، يعود إلى سبب وجوده الأصلي ليعيش في كنفه، أي ليتحد معه بحيث يصبح في كلتا الحالتين خالدا لا يعرض له الموت أو الفناء. فأي شيء في ذلك لا يقول به العلم المادي، أليس الإنسان قد جاء من المادة فإذا مات عاد إلى المادة، أو ليست المادة خالدة ؟؟ فالفكرة واحدة وإن اختلف التعبير. بقي أننا لا نعرف على أي أساس سجحد العقل فكرة أن تعود الحياة الإنسانية بكامل صورتها، بحواسها وبكل مشاعرها، وهو ما نراه كل صباح ومساء في الدورة النباتية حيث يموت أو تموت الشجرة وتذوي ثم لا تلبث أن تعود سيرتها الأولى. وقد ألحت فكرة دورة الحياة على أذهان كثير من الفلاسفة والعلماء حتى الذين ثاروا على الدين، ومن هؤلاء فردريك نيتشه الذي قال بفكرة العود الأبدي: "كل شيء يغدو وكل شيء يعود، وإلى الأبد تدور عجلة الوجود، كل شيء يبد وكل شيء يحيا من جديد وإلى الأبد تسير سنة الوجود".
الثواب والعقاب هنا ويقال لنا أن الاعتراض ليس على فكرة العقاب والثواب في حد ذاتها، وإنما هو على الصورة التي تقول الأديان أنه سيتم بها، وهذا تعلق بالأغراض والقشور، واغفال اللب والجوهر.
احصاء أعمال الإنسان وأقواله لقد وجد في كل عصر وزمان ومكان من لا يسيغ هذه الفكرة، فهو يرى بالتجربة أن ما ينطق به يتلاشى بمجرد النطق به، وما يعمله في الخفاء دون أن يراه احد يصبح في طي النسيان. ثم جاء العلم الحديث ليبرهن على صحة ما ذهبت إليه الأديان وليثبت بالطريق المادي أن كل ما يلفظ به الإنسان فهو مسجل في كتاب، وما يقوم به من عمل فهو في إمام مبين، أو لم يعد بقدرة الإنسان اليوم أن يسجل على الأشرطة أصوات البشر فإذا هي خالدة إلى أبد الآبدين، أو لسنا نسمع في الإذاعة اليوم أصوات من بارحوا هذه الدنيا منذ أمد بعيد، وإذ نستمع إلى تسجيلات أصواتهم يخيل إلينا أنهم أحياء يرزقون، فتتصاعد زفراتهم مع القول أو الغناء، ومع ذلك فهم أموات منذ عشرات السنين. ولو أن واحدا من هؤلاء الذين سجلت أصواتهم قد اخطأ (كما حدث بالنسبة لبعض كبار المطربين) في نطق كلمة أو إعرابا أو لا تظل هذه الغلطة محصاة عليه ومسجلة كلما دار الشريط ولو بعد ألوف السنين. ولست أذكر موضوع أجهزة التسجيل إلا لأقرب الموضوع إلى ذهن القارئ من إمكان تخليد الأصوات، وإلا فهذا الخلود ليس في حاجة لان يسجل في اسطوانة أو على شريط مغناطيسي، إذ لا تكاد الكلمة تخرج من فم الإنسان حتى تكون قد سجلت على صفحة هذا الكون، فتظل تدوي وتدوي إلى أبد الآبدين ولا سبيل لأن تختلط أي كلمة بأي كلمة أخرى كما لا تختلط هذه الملايين التي لا حد لها من الكلمات المذاعة بالراديو والتي تحملها أمواج الأثير في هذا الكون اللانهائي. [وكذلك اثبت العلم بالتجارب أن كل ما يلفظه الإنسان إلا لديه رقيب وعتيد يسجلان أقواله في جسم الهالة الأثيرية على شكل ذبذبات من نور وظلام - راجع زاوية علوم منوعة، وعلوم الطاقة] وما يقال عن الصوت وتسجيله على صفحة الكون، يقال بالمثل عن الحركات وصور الأفعال، فنحن نرى اليوم أشرطة السينما لممثلين غابوا عن الوجود منذ أمد بعيد ومع ذلك يروحون ويجيئون أمامنا كما اعتادوا أن يفعلوا طوال حياتهم يضحكون فنسمع ضحكاتهم، ويبكون فنئن لشكاتهم، ويرتكبون الشر فنحنق عليهم، وليس شريط السينما أو التلفزيون ضروريا لتخليد الصورة والحركة، فمنذ وجدت الصورة، أي صورة، وهي تعكس نفسها على صورة أمواج تنطلق في هذا الكون ولا ينبغي أن نذهل لذلك أو نعجب فهو العلم الذي يقول لنا هذا القول، بل إن العلماء يقولون لنا أنه قد يكون من المستطاع في يوم من الأيام استعادة الحوادث الكونية التي حدثت منذ ألوف السنين. ولو أن أقواما يعيشون الآن على بعض الكواكب التي تبعد عنا بضعة آلاف من السنين الضوئية ولديهم بعض المراقب الكبيرة، إذن لرأوا في هذه اللحظات ما كان يجري على الأرض أيام المسيح وعصر بناة الأهرام.
اللوح المحفوظ هذه الفكرة أليست هي ما يقول به علماء المادة والطبيعة بصفة عامة، وهم يتحدثون عن آلية الطبيعة، وأن كل شيء يجري في الطبيعة وفق النواميس المقررة، وأن التاريخ الإنساني، يقع بحتمية لا فكاك له منها. أولا ينفي علماء السلوك عن الإنسان الإرادة كما سنرى، بمقولة أن كل ما يصدر عن الإنسان هو انعكاسات محتومة لمؤثرات خارجية لا يستطيع الإنسان عنها حولا. ومعنى ذلك أن العلم المادي ينتهي بنا دائما إلى ما قال به البشر منذ أقدم العصور، في الوقت الذي يندد فيه بتراث البشر القديم، واصفا إياه بأنه محض هذيان وأوهام وخرافات.
الله نور السماوات والأرض والعهد القديم يقول: "إن النور قد بدأ حيث لم يكن شيء في هذا الوجود فقال الله: ليكن نور فكان نور". ويقول القرآن بلسان عربي مبين ((الله نور السموات والأرض)). واليوم يدور العلم الطبيعي في هذه الدائرة، فأينشتاين أبو الطبيعة الجديدة يقول أن ليس في الكون سرعة تفوق سرعة الضوء، فهي نهاية السرعة كلها والجسم الذي ينطلق بسرعة الضوء لا يلبث أن يتلاشى، وعلماء الطبيعة يحاولون أن يردوا كل الظواهر الكونية إلى الضوء، فهم بعد أن فرغوا من إثبات أن المادة هي الطاقة، فقد بدئوا يتساءلون هل الطاقة شيء غير الإشعاع، وهل الإشعاع إلا الضوء.. وهكذا لم يكن العقل البشري يلغو أو يخرف وهو يقول: "وقال الله ليكن نور فكان النور"، أو ليردد مع القرآن ((الله نور السموات والأرض)).
الحقائق العلمية فقد قال "انكيوجاريس" أن الشمس ليست سوى كرة مشتعلة من النار، وقال "فيثاغورس" (572-417 ق.م) أن الشمس -لا الأرض- هي مركز الكون، وقال "ارسترخس" (310-230 ق.م) أن للأرض حركتين حركة تدور فيها حول نفسها، وحركة تدور فيها حول الشمس. وقال "ديمقريطس" ان الكون يتألف من ذرات متماثلة في النوع، وإن اختلفت في أوزانها، وأن هذه الذرات ليست سوى دوامات وفراغ ومنها تكونت الكواكب والنجوم والأشياء جميعها، بما في ذلك النفس البشرية، وهذا هو آخر ما يقول به علم الطبيعة. وقال الهنود في بعض كتب حكمتهم أن عمر الأرض يبلغ 1،972،949،048 ويقدر علم طبقات الأرض الحديث عمر الأرض بعد الحسابات المختلفة سواء عن طريق قياس ملوحة البحار، أو عن طريق العناصر المشعة، بـ 2،000،000،000 والفارق بين الرقمين جد طفيف كما ترى، ولعله أكثر دقة بحساب الهنود. وإذا كان "كريستوف كولمبس" لم يكتشف أمريكا إلا عام 1492م فقد قال بوجودها "استرابون"عام 7 قبل الميلاد في كتابه العظيم (الجغرافيا) والذي قال فيه: "إن قارات بأكملها لا تزال مجهولة وربما كانت هذه القارات في المحيط الأطلسي، ولما كانت الأرض شبه كروية فإن الإنسان إذا سافر من أسبانيا متجها نحو الغرب فإنه يصل بعد وقت ما إلى الهند". ونحن نسمي الأمريكتين بالعالم الجديد، فهل هو جديد حقا ألا بالنسبة للأوربيين؟ ألم يكن في الأمريكتين بصفة خاصة أمريكا الجنوبية حضارة من أزهى الحضارات؟؟ والحق أن الإنسان ليذهل وهو يطالع كتب الأقدمين، كيف أن نظريات ضخمة تنسب إلى علماء عصريين ليست في حقيقتها، إلا ترديد لما قاله بعض علماء الإغريق أو الهنود أو المصريين القدماء من قبل. ومحال أن [نمضي في توحيد النظريات بين العلم والدين، وبين الأقدمين والآخرين] وكل ما دار في ذهن البشر قديما واعتبر في وقت من الأوقات خرافة، ثم أثبتت الأيام صحتها، ومع ذلك فلا نجد مناصا من الإشارة إلى هذا الموضوع المشهور الذي طالما أخذه الكثيرون على كيمائي العرب واعتباره لونا من ألوان الجهل والتخبط، ونعني به محاولتهم تحويل الزئبق إلى ذهب، فهو مثل صارخ لصحة ما نقول من أنه محال أن يدور في ذهن البشر شيء لا يمت إلى الحقيقة بصلة.
حجر الفلاسفة وقام علماء القرن التاسع عشر يسفهون هذه الجهود ويعتبرونها ضربا من ضروب الأوهام والفساد التي تردي فيها علماء العرب. فالعناصر في هذا الكون مستقل بعضها عن بعض ويستحيل أن يتحول عنصر إلى عنصر آخر، لاختلاف طبيعة ذرة كل عنصر عن ذرة العنصر الآخر. وكان معنى ذلك أن هذه الفكرة التي ألحت على عقول علماء العرب بضعة قرون لم يكن لها أصل من الواقع وكانت لونا من ألوان التخريف... ولكن علم الطبيعة الحديثة، قد عاد ليرد للعقل البشري كرامته وأنه لا يمكن أبدا أن يتعلق بوهم أو بحقيقة لا وجود لها، فانشطار الذرة قد جعل من المستطاع تحويل أي عنصر إلى عنصر آخر، بل لقد أمكن تحويل الزئبق بالفعل إلى ذهب، وتوجد الآن بالمتحف العلمي بشيكاغو عينة من أول ذهب صناعي أمكن الحصول عليه كشاهد على أن ما مر في ذهن علماء العصور الوسطى بصفة عامة، لم يكن محض هذيان... وإذا كان العلم اليوم في حاجة إلى زئبق نقي بأكثر من حاجته إلى ذهب فإن ما يحدث اليوم هو تحويل الذهب إلى زئبق بأكثر من تحويل الزئبق إلى ذهب. "..."
اينشتاين وقانون المادة والطاقة وهكذا تتوالى الظواهر أمام أعين الباحثين وتتكرر من أن جميع الكشوف العلمية والاختراعات قد طافت كلها أول ما طافت في عقل الإنسان بعيدا عن أي تجربة أو ملاحظة، وبدلا من أن يسعى المفكرون لجمع المزيد من هذه الملاحظات وضمها كلها إلى مجموعة واحدة منسقة مطردة، واستخلاص النتيجة الطبيعية من هذا الاطراد [توحيد الآراء وجمعها في صياغ واحد دون تكرار في المسميات وتضخيم النظريات وتكرارها مما يشتت الباحث]، لإذ بهم يعملون على تشتيت هذه الظواهر وردها إلى علل متباينة... فيحدثوننا مرة عن الصدفة هذه الكلمة الغامضة، ومرة أخرى يتحدثون أن الأمر قد تم بطريقة خفية لا سبيل لتعليلها، ومرات كثيرة يكتفون بتسجيل عجبهم ودهشتهم دون أن يذهبوا إلى ما وراء هذا العجب والدهشة، مع أن العلم لا يعني شيئا سوى ملاحظة اطراد ظواهر معينة ومحاولة الكشف عن سبب هذا الاطراد. واحسب أن من حقنا بعد هذا الاستعراض الذي قدمناه والذي ينتهي كله إلى نتيجة واحدة أن نقرر (أن كل ما دار في عقل الإنسان على انه موجود فهو، إما أنه كان موجودا في عصر مضى والذاكرة هي التي تستعيده، أو أنه كائن في التو واللحظة والفكر الواعي هو الذي يعكسه، أو أنه سيكون في المستقبل والمخيلة هي التي تصوره، ويكون الوجود في خيال الإنسان لأي شيء من الأشياء هو أول مراحل وجوده بالفعل.)"
20 يناير 2011
| |||||||||
|