Facebook Login JavaScript Example

 

 

 
 

> الصفحة الرئيسية - الروح - مقالات أخرى

 

 

إلى الجنة ينتهي الكفاح

 

 

يظن أكثر المفسرين أنه بدخول المؤمنين الفائزين الجنة ينتهي الكفاح ولا يعود للمؤمنين عمل سوى الاستمتاع بأطيب الطعام وبالحور العين .. ونقرأ في كتب التراث كلام أهل السلف الكرام بأن أهل الجنة لا شاغل لهم سوى فض الأبكار وأكل الثمار على ضفاف الأنهار .. ولكن تأمل القرآن وقراءة آياته بتدبر يقول كلاما آخر .

يقول القرآن عن المؤمنين :

يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين ايديهم وبأيمانهم /الحديد "12" )

ثم يتكرر المعنى نفسه في سورة التحريم آية (28) مع إضافة جديدة لافتة للنظر :

(يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا

وأغفر لنا إنك على كل شيء قدير )

وهي لفتة ذات معنى عميق تدل على أن الحكاية لم تنتهي بعد .. وأن أهل الجنة يشعرون بأنهم لم يبلغوا الكمال بعد ولم يكتمل نورهم .. وهم يدعون ربهم : ( ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا ).
يغفر لهم ماذا? ألم تنته المحاكمة والحساب وصدر الحكم النهائي  ونالوا الرضا والبركة والجنة؟
...
لا لم يبلغوا الكمال بعد ولم يكتمل نورهم .

المعنى واضح .. إنه مازال هناك سعى وترق في المنازل وتكامل في النور الذاتي .. ومازال هناك نقص .. والنفوس تسأل ربها المغفرة .. وتدرك هذا النقص الذاتي في نورها وإنه لا خلاص منه إلا بمغفرة ... ويقول ربنا للإنسان في القرآن الكريم ( يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه / الانشقاق "6" ) - الكدح : هو رحلة الإنسان وتقيه الأزلى للتكامل ليصل إلى اللقاء المباشر مع ربه - هذا الكدح أبدى .. وهذه الرحلة أبدية .. لأن الله في المطلق والإنسان في المحدود المتعين المقيد .. والفرق بين المخلوق والخالق هو الفرق بين الزمن وما بين الأبد كله ..وطوال هذه الرحلة الأبدية سيظل الإنسان يبرأ من نقائصه ويتكامل ويترقى إلى مالا نهاية.

وليس صحيحا ما يقول السلف إن حياة أهل الجنة فض الإبكار وأكل الثمار على شواطئ الأنهار .. تلك أحلامهم الحسية .. والجنة أرفع من ذلك بكثير... وما الحور العين والاولاد المخلدون إلا لتقريب الصورة لإنسان ذلك الزمان، لإبن الصحراء وشدة الحياة وعذابها. (وظربنا لهم الامثال)

الجنة معارج من الرقى والصعود إلى الله والكدح إليه .. هي أمور أعلى وأشرف مما جرى لأهل النار الذين انتهوا إلى أسفل سافلين .. وأصبح عليهم أن يقطعوا طريق المشقات والأهوال ضعاف مضاعفة .. ولم تعد الأبدية تسعفهم للخروج مما هم فيه : ( البقرة "167" ) فعجزهم وقصورهم ملازم لهم . وكدحهم سيكون عذابا بينما كدح أهل الجنة سيكون بعذوبة.

هنالك إذن أسرار وغيوب ومراحل وأحقاب لا يعلم غوامضها إلا الله .. ليست الجنة هذا المفهوم السلبي للإنسان كسلان يقطف الثمار ويفض الأبكار وهو مستلق على ضفاف الأنهار... لا بل إنها أعلى من ذلك بكثيـــــــــــــــــــــر. 

والجنة فيها اللذائذ الحسية ولاشك ولكن فيها أيضا ترقي لآفاق معرفية لا نهائية وفيها تكامل وتطور واستنارة وقربا...

والقربى إلى الله لا مكان فيها ولا زمان ولا حيث ولا أين وإنما هي اقتراب لا نهائي من مطلق لا نهائي ومن كمال لا نهائي آباد لا حدود. وهنا العظمة الحقيقية للجنة ولسعادتها ولذتها الرفيعة ونعيمها.

ولم يتوسع ربنا في كشف هذه الغوامض لعلمه بحب الكثرة من البشر للكسل وللذة السلبية التي لا تكلف صاحبها شيئا سوى ان يملأ فمه ويملأ حظنه، فأخفى الله هذه الأسرار لحينها ولكنه أشار في هذه اللفتات القليلة وفي لمح بارقة إلى تلك الأسرار... لقوم يتفقهون ويعملون ويسعون... ولا  شك أن الكسالى والسلبيين لا يستريحون لهذا المعنى ...وسوف يقولوت في خشية ((نحن رايحين نشتغل تاني ، هي الجنة فيها  شغل كمان !!! ))...

والمعنى مختلف ، فليس الجنة "شغل" وإنما انشغال وحب وهيمان وتطلع واستشراق وشوق ونزوع  وترقي, وهو بعد آخر لا نفهمه بكماله في دنيانا.. ولا نعرف حلاوته إلا حينما نذوقها ولا أدعي إني أعرف الجنة أو إني زرتها في خيال أو منام، وإنما انا آخذ من كلام ربي وأحاول أن أفهمة.

وأسمع المؤمنين في الجنة يسألون الله المغفرة.. وقد إنتهى الحساب وصدرت الأحكام وإنتهى العتاب وتصافت الأرواح واستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار وقد سمع الكل نداء الملائكة، يا أهل الجنة نعيم ولا موت، ويا أهل النار عذاب ولا موت، جفت الاقلام وطويت الصحف.

فما طلب أهل الجنة للمغفرة هنا ؟؟؟ إلا أن يكون ادراكا للنقص وشوقا إلى كمال لا سبيل إليه إلا بعون الله ومغفرته.
ثم هم ادركوا بالفعل ؟ أن نورهم ناقص لم يكتمل بعد وقالوا لربهم ربنا أتمم لنا نورا (والطلب صريح)

إن الكلمات قليلة ولكنها كاشفة بشكل قطعي على انهم مقبلون على رحلة ، وأن في النفوس شوقا وتطلعات ونقصا تتمنى تلك النفوس المشبوبة حبا أن تتخلص منه.. وأثقالا تتمنى أن تتخفف منها وأنها تتمنى أن تنطلق سابحة في الملكوت لتعرف أكثر وتنعم أكثر .

نعم، إنه الكدح صعدا وارتفاعا وترقيا وتطورا ..
وهو الكدح الجميل هذه المرة.
إنه الكدح بلا مرض وبلا جوع وبلا تعب وبلا موت.
إنه الكدح إلى حضرة الله رب العالميبن صاحب العرض العظيم والملك العظيم.
وما احلى هذا الكدح..
انه النعيم الذي لا يوصف.

والذين يسيل لعابهم على الكواعب والحور العين كأمثال اللؤلؤ المكنون وكؤوس الخمر والسلسبيل سيجدون هذا ولا شك... ولكن ستتفتح شهيتهم إلى ما هو أعظم .. وألوان الفواكة والثمار والمشروبات لن تكون نهاية تطلعهم.. والرضى ليس له شاطئ والطموح ليس له حدود.

الم يقل ربنا عن احبابه (رضى الله عنهم ورضوا عنه- المجادلة/22) وقال نبيه :"ولسوف يعطيك ربك فترضى" فأي رضا لحب دون الرضوان الأكبر ؟؟ وأي رضوان أكبر من مطالعة الوجه الكريم.. وجه الحبيب الذي دونه اللانهاية والتي ستكون غاية النعيم والذوبان الكلي والاستغراب العذب والسعادة القصوى التي لا توصف.

وهذا هو المفتاح الحقيقي لمعنى الجنة وكيف تنال كل نفس من هذه الجنة بقدر همتها وطموحها وترقيها واستحقاقها الأزلي ونورها الذاتي ، المسأله كما ترون أكبر بكثير من فض الأبكار وأكل الثمار والاستلقاء السلبي على ضفاف الأنهار.

واللذين أفاض الله عليهم من نعيم الدنيا من أهل المشاعر والنفوس العالية يعرفون العزف عن الحسيات والشوق الحارق إلى ما وراءها.

ولهذا نفهم كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يطوي بطنه على بضع تمرات ويكتفي بها طعاما ولا يسأل عن المزيد لأنه مشغول داما بمقتضيات همته العالية وأشواقه الرفيعة التي تأخذه دائما بعيدا عن هذه الدنا إلى فيوضات الله.

إن القرآن كتاب عجيب... على الرغم من اهتمامه بتفاصيل المسائل الدنيوية وواجبات المؤمن فيها وعمله الدائب من أجل اصلاحة.. فإنه يفتح لنا نوافذ عظيمة على السماوات الأخرى والملكوت المحجوب ويقدم لنا في لمحات خاطفة ما يثير عقولنا واشواقنا لهذا الملكوت الممتد وراء حواسن بلا نهاية.

مقال منقول

 

طباعة الصفحة من أجل طباعة الصفحة، تحتاج إلى قارئ PDF

 

 

 

 

للاتصال بنا

ahmad@baytalsafa.com

أحمد الفرحان -الكويت.

 

 

 

facebook

أحمد الفرحان

مجموعة الاسقاط النجمي

مجموعة التحكم بالأحلام

 

 

 

 

 

"لو كان الفقر رجل لقتلته" رغم حجم الصدقات التي يدفعها الشعب البترولي. إلا أن لا زال الفقر والمرض والطمع موجود. نحتاج إلى حياة جديدة تنفض الغبار لتنتعش الإنسانية من جديد.

مالك أمانة، فانتبه أين تصرفه.. للسلاح أم للسلام.

 

الدعم المعنوي لا يقل أبدا عن الدعم المادي، لأن كلاهما يعبران عن قدرتنا على صنع واقع صحي جديد.

 

 

____________________________

جميع الحقوق محفوظة بالملح وبعلب صحية