Facebook Login JavaScript Example

 

 

 
 

> الصفحة الرئيسية - الروح - مقالات أخرى

 

 

إكره الخطأ واحبب المخطئ

 

 

قال لوط -عليه السلام- لقومة الذين يمارسون الفاحشة:

((قال إني لعملكم من القالين))1

القالين تعني الكارهين، فيكون قصد النبي لوط، أنا كاره لعملكم الذي تعملون. كان يمكنه أن يقول أنا كاره لكم.. أو يقول أنا أكرهكم لأنكم تفعلون كذا وكذا، ولكنه قال أنا أكره ما تفعلون. لقد فرق بين من يعمل العمل وبين العمل نفسه. لقد كره لوط فعلة قومه ولم يكره قومه، بل الأحرى والأقرب إلى المنطق أنه يحب قومه، ولهذا أخذ ينصحهم، ولا ينصح أحد الآخر إلا ويحبه ويريد مصلحته.

تقول الشروحات أن لوط كان يحاول اقناع قومه بأن يكفوا عن هذه الفاحشة التي كانوا يمارسونها، ولكنهم رفضوا الانصياع لنصيحته، فتخلى عنهم. ولكني لا أرى بأنه قد تخلى عنهم، بدليل أن الآية المذكورة تقول (لعملكم من القالين..) أي إنني أكره هذا العمل، وكرهي لعملكم لا يعني أنني أكرهكم. فكيف يتخلى عنهم وهو يحاول اقناعهم بما هو أفضل؟ نعم، لقد تخلى عن الفعل الذي كانوا يفعلونه حيث قال: ((رب نجني وأهلي مما يعملون)) ولم يقل نجني منهم، إنما نجني من عملهم.. لم يقل خلصني منهم، إنما قال احمني مما يفعلون.

ما نتعلمه من هذا هو إن أردنا أن نكره فيجب أن نكره السلوك، بينما إن أردنا أن نحب فنحب الشخص.
اكره السلوك وأحبب الشخص. اكره الخطأ واحبب الخاطئ.

كلنا لدينا أحباب وأقارب وأصحاب، وهل يصح إذا ما أخطأ أحدهم نحول العلاقة إلى عداء بيننا وبينه؟
نعم، إن ما نمارسه اليوم هو عملية تحويل علاقاتنا الجميله إلى عداوة بشعه، فنكره أحبابنا لأنهم قاموا بسلوك ما خطأ، وما المانع من أن نكره ما يفعلونه دون أن تمس كراهيتنا ذاتهم؟

فمثلاً، يوم من الأيام أحببت أن أتناول بوظة في السوق وأقرأ كتابي، وقليلا ما أخرج عادة. فوجدتني امرأة كانت تعتبرني كمثل أعلى في الانضباط الصحي حيث أنادي بنظام غذائي عضوي لا يحتوي على سكر أبيض ولا حلويات مليئة بمنتجات الحيوانات. والآن وجدتني أتناول البوظة وأتلذذ بها وحدي في السوق، لا حسيب ولا رقيب علي!! انصدمت المرأة من هذا المشهد وتخلصت من فكرة أن تساندني وتقف بجانبي. لأنها كرهت فكرة تناول الحلويات والخروج عن النظام الغذائي. فأصبحت تكره كل من يتناول الحلويات باسم الحفاظ على الصحة! لنفترض أنها صنفتني كمنافق أسوّق لبعض المنتجات الصحية لمصلحة شخصية ما، فسيكون كرهها لي أو رفضها لكل ما سأقول وأفعل من باب أني واحد من المنافقين!

لكن لندع فكرة تناول الحلويات جانبا، وندخل في قضية أعمق واهم، حينما نتذكر حديث النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- مع أسماء بنت أبي بكر الصديق حيث قالت أن أمها المشركة التي لم تدخل الاسلام وقد وصلت إلى المدينة وراغبة في أن ترى ابنتها أسماء التي دخلت الاسلام، فاستفتيت أسماء رسول الله وقالت: قدمت على أمي وهي راغبة برؤيتي، أفأصل أمي؟ قال النبي: (نعم صلي أمك).2

وهنا يتكرر لنا أمر أن نكره الخطأ ولكننا نحب المخطئ. ففي هذا الحديث دليل على أن يصل الإنسان أقاربه ولو كانوا على غير الإسلام. فسلوك الإنسان شيء وذاته شيء آخر. ونقدم آية أخرى في هذا الصياغ:

((وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً))3

يعني إن أمرك والداك وألحا في الطلب على أن تشرك بالله فلا تطعهما؛ ولكن صاحبهما في الدنيا معروفاً، أي أعطهم من الدنيا ما يجب لهم من الصلة، ولو كانا كافرين أو فاسقين؛ لأن لهما حق القرابة.

وهنا نكشف القاعدة التي تقول بأننا يجب أن نفك الارتباط بين التصرفات بين الأشخاص، السلوك شيء والذات شيء آخر. نحن نتعامل بالدرجة الاولى مع سلوك وقول الشخص، فإما أن نحب السلوك أو نكرهه، ولكن هذا لا علاقه له بالشخص نفسه. نعرف العبارة التي نرددها دائما: (الشخص جميل بأخلاقه وليس بمظهره) كذلك أقول أن الشخص منفصل عن سلوكه وليس متحد به.

حينما نطبق ذلك في حياتنا فإن اشكالات كثيرة ستحل، ونتقدم أكثر نحو ما نسميه حضارة أو تحضر، سنقترب أكثر أولا من فن نقد الآخر، وفن الحوار، وفن هندسة الذات.

فن نقد الآخر
النقد يعني تحليل وشرح وتبيان الجوانب الجيدة والسيئة، مما يدفعنا إلى فهم المادة التي ننتقدها أيا كانت تلك المادة، مقال في جريدة، مسرحية، نص ديني، شخصية ما، وزير ما.

وفق الحديث الذي يقول: ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يجعلانه يهودي أو نصراني أو مجوسي. فهذا يعني أن جميع البشر يولدون خيرين، ولكن الظروف هي من تجعل أحدهم شقي وآخر سعيد.. وما الظروف إلا البيئة التي تحيط بنا من أسرة نعيش معها، وبرامج تلفزيونية، ومقالات صحفية ومواقف وأصحاب وظروف اقتصادية ما.. جميع تلك الأمور تعتبر غذاء للانسان، كل ما نراه او نسمعه يعتبر غذاء لنا، والمعدة هي الفكر الذي يستقبل ويعالج تلك الأمور.. فلو لم يتمتع الانسان بفكر واعي، فلن يستطيع أن يصفي ويفلتر تلك المواد التي تدخل إلى عقله. وهنا نقول بأن بصيرته ميته او ان على عينه غشاوة، او أنه مشفر او مبرمج او مغسول دماغه.

يقول السيد المسيح حينما سألوه الحواريون، كيف نعرف الناس الطيبين الذي يمكن أن يساندونا في مهمتنا للتبشير؟ قال لهم: من ثماهم تعرفونهم. وما الثمار إلا أقوال وتصرفات يقدمها المرء، ومن هذه التصرفات نعرف خبث النفوس وطيبها. لماذا النفوس خبيثة؟ لأنها حرفت عن مسارها الصحيح، لأنها ضاعت عن البيت الآمن، تقول الآية في سورة الفاتحة:

((أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين))

أي، علمنا يا الله الطريق الصحيح، الطريق الذين أنعمته على المستنيرين والبشر الصالحين من قبلنا، وهو ليس طريق الناس الذي غضبت عليهم، ولا طريق الناس الذين أضلوه، الذين ضاعوا عن الطريق. أي أن البشر خيرين بطبيعتهم ولكن اضلوا الطريق، كالشخص الجديد في المدينة، فأضاع الطريق لانه لا يعرف الخريطة!!

وهنا يمكن أن نقول بأن سلوك الإنسان يخضع لادراكه وادراكه يخضع لفهمه وفهمه يخضع للبيئة حوله وما يقرأ وما يعرف من خبرات مختلفة. هذا السلوك منفصل عن الانسان، ولكن جذوره عميقة في كيان الانسان، وان اردنا تغيير السلوك، نغير الانسان نفسه.

وهنا نعرف أبعاد السلوك حتى نقدم النقد الموضوعي الجيد، فنراعي ظروف الانسان وخبراته، فلا يمكن أن تحرم الخمر على مسيحي لأن ثقافته وظروفه تختلف من مسيحي إلى مسلم.. كذلك في السلوكيات الأخرى التي لا تنفك عن محيط الانسان. فسلوكيات ما صحيحه هناك، ولكنها خاطئة في مكان آخر.

نعود إلى علاقة السلوك بالانسان، ونقول بأنه لا يمكننا أن نحاسب الانسان على نواياه، إنما نحاسبه على سلوكه معنا فقط. لا يمكننا أن نقول بأن هذا عميل اسرائيلي لأنه علماني، أو أن نقول بأن هذا ماسوني يريد أن يدمر العالم الاسلامي بتعاليمه، لا يمكننا أن نحكم على النوايا، حتى لو وجدنا تصرفاته تدعم وتؤكد ما نظنه في نوايا هذا الشخص. ليس لدينا الحق في الحكم على نوايا الناس.. أي ناس حتى لو كان صدام أو هتلر!! إنما يمكن أن نحكم فقط على تصرفاتهم معنا. فالقاضي لن يقاضي أحد بسبب نواياه الشريرة كانت أم الطيبة، القاضي ليس الله! إنما القاضي وهو المثل الأعلى (كما يجب أن يكون) في الأمانة والعدل والمساواه والفضيلة، فإنه يحاسب الناس على سلوكهم فقط. وسيسأل المجرم، هل قتلت الضحية عمدا أم عن خطأ؟ نعم، سيخفف ذلك من العقوبة، ولكن العقوبة ستقع على القاتل سواء قصد ذلك أم لم يقصد، لأن الفعل قد وقع والأثر قد تم. لا تلعب نوايا القاتل دورا كبيرة حتى يتخلص من العقوبة التي ستقع عليه لا محاله.
هذا والقاضي سيستمر بالتحقيق والتفكير، غير ظهور الادلة الجنائية والطب الشرعي وغيرها، فما بالك بنظرتنا البسيطة للأمور كأشخاص عاديين لا حول لنا ولا قوة، لا بصيرة لنا ولا عمق في التدبر، كيف لنا  أن نحكم على نوايا الناس وهي من شؤون الله فقط؟

فن الحوار
ندير حوار ناجح حينما نفصل الشخص عن نواياه او تصرفاته وعن سلوكياته. حينما نمتلك قدرة على النقد الموضوعي، سنكسب معها فن حوار ناجح، فلن نناقش ذات الشص أو نواياه بل نناقش أفكاره وتصرفاته، حينما نفصل الشخص عن سلوكياته وأقواله يمكن لنا أن نقول تصرفك خاطئ، فكرتك ناقصة..إلخ، دون أن نخطئ في حقه كشخص.

إن أحد أهم الأمور في العلوم كلها، والذي صاحبت هذا التطور الكبير في مجالات عدة، هو فصل الجزء عن الجزء. ففي قديم الزمان، كان الدين في دائرة واحدة مع السحر ومع الفن، ومن ثم انفصل السحر عن الدين عن الفن وظهرت الفلسفة التي كانت تجمع تحت ظلها جميع العلوم، ولكن بعد ان تطور العلم صار هناك تخصصات جديدة، كالعلوم الطبية، تختلف عن علوم الرياضيات..إلخ. فمقدرتنا على فصل الجزء عن الجزء الآخر يكسبنا فن الحوار، فصل كيان المرء عن تصرفاته ومناقشتنا لتصرفاته أفضل بكثير من الاحاديث الغبية التي تدور بين الناس وفي صفحات الانترنت.

مناقشة أمور دينية تختلف عن مناقشة العلم، وهذا الاخير تختلف مناقشته عن الفلسفة أو الفن.. وكذلك هناك طريقة أخرى لمناقشة كل تلك الأمور مجتمع مع بعضها.

فإذن فصل الأمور وعدم خلطها يكسب المرء فن التفكير والحوار، كذلك جمع الأمور دون بعثرتها يكسب المرء أيضا هذا الفن.

فلو أخذنا مثلا قضية الإمام الحسين ومقتله وذكرى يوم عاشوراء وما يصاحبها من مراسيم حسينية وتطبير. سيدخل الجاهل في عقيدتي ما اذا كنت أنا سنيا أم شيعيا، ثم سينهي الحوار بأن هذا محض كفر وشرك لم ينزل الله من سلطان. وسيتسائل الكثيرون عن السبب الشخصي الذي دفعني لان اطرح قضية الحسين كمثال في هذا المقال؟ ما الذي أرمي إله؟ هل لدي نوايا ما لصالح الجانب الشيعي؟ ولكن العاقل ذو ثقافة متوسطة، سواء كان من الشيعه أم من السنة، فإنه سيفند القضية ويحللها على النحو التالي:

1- من هو الإمام الحسين؟ وهل القضية موجودة في التاريخ أم هي أسطورة؟
2- إن كانت قضية موجودة في التاريخ فماهي الاحداث ولماذا حصلت؟
3- كيف بدأت ومتى بدأت مراسم العزاء الحسيني؟
4- هل لهذه المراسم جذور دينية، اي ان من يمارسها سيكسب الثواب؟ وماهي الأدلة الشرعية على ذلك؟
5- هل قضية الامام الحسين كانت قضية دينية؟ أم سياسية؟
6- إن كانت سياسية، فلماذا دخلت في الدين؟ وإن كانت دينية فكيف تحولت إلى قضية سياسية؟
7- هل الحسينية وعاشوراء يعتبر طقس ديني، أم مهرجان احتفالي سنوي؟
8- إن كان طقس ديني، فهل من لا يمارسه يعتبر خارج عن دائرة الشيعه؟

...إلخ

سنلاحظ ان هذه اسئلة عشوائية تدور حول قضية مقتل الإمام الحسين. وسنجد هذه الاسئلة تحاول أن تفصل وتفكك عناصر القضية، وحينما يتم الحصول على اجابات هذه الأسئلة، سيكون بامكاننا مناقشة القضية بشكل جيد جدا مع أي أحد. ومن يخلط الأمور مع بعضها دون أساس أو منهج، فهذا بسبب الجهل أو نقص المعرفة، كما تجد هذا النوع من الأحاديث التي تضر أكثر مما تنفع في الشارع وعلى صفحات الانترنت، وحتى من الكثير من المثقفين والاعلامين الذي انصدم بهم!

تجد ممثلة لعبة دور الراهبة، فتنهال ألسنة الناس: زانية داعرة سكيرة لعبت دور راهبه؟ ويقع الكل في حفرة الجهل هنا..
لم يفصلوا بين شخصية الراهبة في المسلسل الذي قد تكون المرأة أتقنت الدور وتفانت في تجسيد الحشمة والعصمة تحت الكاميرا، وبين المرأة التي تعيش حياتها الشخصية وتمارس ما تمارسه من سلوكيات تتأرجح بين الحلال والحرام، ولكنها خالصة لعملها متفانية له.. وبين أخلاق الممثلة التي لا دخل للآخرين بها، ليس هناك علاقة بين أخلاقها خلف الكاميرا وأخلاقها تحت الكاميرا!!!

فصل المرء عن نواياه وفصل نواياه عن سلوكة يكسبنا فن الحوار.

 

فن هندسة الذات
بما أننا تحدثنا عن فصل الخطأ عن الخاطئ، نكره الخطأ ونحب الخاطئ.. وبما أننا تحدثنا حول سلوك الانسان الذي يخضع لادراكه وادراكه يخضع لفهمه وفهمه يخضع للبيئة حوله وما يقرأ وما يعرف من خبرات مختلفة. هذا السلوك منفصل عن الانسان، ولكن جذوره عميقة في كيان الانسان، وان اردنا تغيير السلوك، نغير الانسان نفسه.

وفي هذا السياق تفصيل تناولناه في سلسلة "طاقة الكلمة" الموجودة على الموقع. وهناك طرق عدة يمكن فيها تغيير الجذور، أولا الارادة، ومن ثم محاولة الوصول إلى هذه الجذور عبر طرق عدة، كبرمجة العقل الباطن، او التأمل...

 

* * *

الغرب أيضا يقع في هذه الاشكالية، كما نحن نقع فيها أيضا، اشكالية الاسلام والمسلمين والارهاب، اشكالية المسيح والمسيحية والمسيحيين. وهنا يمكن ان نقدر كم من المشكلات التي سنحلها ببساطة لو فصلنا هذا عن هذا عن هذا.

فكم من مرة اتبادل اطراف الحديث مع صديق أو زميل وأذكر على سبيل المثال رأي أوشو في قضية سياسية كمثلا -قضية بعيدة عن الخطوط الحمراء- فما أجد الجواب من الاصدقاء الذي اعتبرهم أذكياء، مطلعين، مثقفين قراء جيدين، إلا ويقولوا لي: اصمت لا تحدثني عن أوشو، فهذا شخص لا احبه!
ومن طلب منك أن تحبه أو تكرهه؟ انا هنا لأناقش رأي، فكرة ما حول الديموقراطية، ولم اطلب منك الزواج من صاحب الفكرة حتى تحبه أو تكرهه!

وهذا الموقف بالضبط كان يتكرر كثيرا في هذا الزمن وفي كل زمن، حتى زمن الجاهلية وفجر الاسلام (لا نريد سماع كلام النبي) فيغلقون أذانهم بأصابعهم حتى لا يسمعون كلام ذلك الأمي ليس ذي سلطة ولا جاه في مكه.
مرة أخرى يقع المرء في حفرة الجهل والخلط بين المرء وفكره أو سلوكه وبين نواياه.

يقول القديس اوغسطين:

"نكره الخطيئة وليس الخاطئ"4

نحن نخطئ الناس وندمجهم مع سلوكياتهم الخاطئة حتى نعلو عليهم. ليس من الصعب أن تتذكر شخص ما يخطئ العالم جميعهم، ويعتبر انه يملك الحقيقة وحدة.. كلما عظّمت من هول خطيئة الآخرين، كلما ارتفعت أنت بغرورك وصورت لك الأنا بأنك الأفضل. بهذه الطريقة لن تفيد أحد إلا الوهم فيك.

حتى الخطأ الذي يرتكبه الآخرون، ما هو إلا مرآة لما فيك من أخطاء، العالم انعكاس لما تراه أنت.

تقول القصة أن في يوم من الأيام، مات كلب عجوز من الجوع في وسط السوق، فتجمعوا عليه مجموعه مشمئزين، قال أحدهم: ما أقذره من كلب ميت. قال الثاني: رائحته نتنة، كلب شارع. قال الثالث: منظره مريع حتى قبل أن يموت. قال رابع: حتى ان ليس له جلد يكفي لصنع حذاء، لا تصلح هذه الجثة القذرة إلا كحطب للتدفئة!
لكن كسر اشمئزاز المتجمهرين شخص ما وقال: حتى اللؤلؤ ليست بيضاء كأسنانه الجميله!!

من يستطيع أن يقول كلمة جميله عن كلب عجوز قذر مات من الجوع؟
قيل أن هذا الشخص هو السيد المسيح!

لقد أحب العالم، بحيث لا يرى فيه خطأ، بحيث لا يرى فيه سوى الله.
القديس الحقيقي لا يرى أي خطئ، إن اراد ان يفتش عن الخطاة، فلن يجدهم، بل سيرى النور في كل مكان.. إن كان في قلبك بشاعه، فستجد البشاعه في كل مكان، وإن كان قلبك طاهر، فسترى الوجود عذري طاهر. ومن يخطئ الآخرين، يحاول بهذا أن يجعلهم أسفله مرتبه حتى يعلي من نفسه أكثر، ولن يحاول أحد أن يعلي من نفسه أكثر إلا من يشعر بالنقص والخطأ.5

مجرد ما أن نتوقف عن إدماج الآخرين بخطاياهم ونواياهم، نكون قد حررنا أنفسنا من مخالب المرض النفسي، وهو الصعود على ظهور الآخرين وخطاياهم من أجل أن نرضي غرورنا ونبرز أنفسنا كقديسين تملئنا الأنا.

حينما نناقش السلوك والأفكار فإننا نناقش الظلال.. الظلال غير حقيقية، الظلال لا تدمرنا، الظلال تبقى بعيده عنا لا يمكنها أن تزعجنا او تعكر صفونا.. وذات المرء هي من تشعر، جوهر المرء هو الوعي، لو ناقشنا سلوك الفرد وأفكاره، فإننا نناقش ظلاله. بهذا نكون أكثر حرية في الحار وأكثر حرية في (التخلي أو عدم التخلي) عن الظل، ونكون اكثر حرية في تغيير شكل الظل. نكون أكثر حرية من مرض الاستعلاء الذي تتلذذ به الأنى وتزيف الواقع وتشوهه لنا حتى تعيش هي وتبقى الأقوى.

 

الخلاصة:

- إن أردنا أن نكره نكره السلوك، وإن اردنا ان نحب فنحب الشخص نفسه.

- فك الارتباط بين الفكر والسلوك من جانب وبين جوهر الفرد، يغنينا من مشاكل كثيرة ويكسبنا ميزة.

- ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يجعلانه يهودي أو نصراني أو مجوسي. فهذا يعني أن جميع البشر يولدون خيرين، ولكن الظروف هي من تجعل أحدهم شقي وآخر سعيد.. وما الظروف إلا البيئة التي تحيط بنا من أسرة نعيش معها، وبرامج تلفزيونية، ومقالات صحفية ومواقف وأصحاب وظروف اقتصادية ما.

- كل ما نراه او نسمعه يعتبر غذاء لنا، والمعدة هي الفكر الذي يستقبل ويعالج تلك الأمور.. فلو لم يتمتع الانسان بفكر واعي، فلن يستطيع أن يصفي ويفلتر تلك المواد التي تدخل إلى عقله.

- سلوك الإنسان يخضع لادراكه وادراكه يخضع لفهمه وفهمه يخضع للبيئة حوله وما يقرأ وما يعرف من خبرات مختلفة.

- لا يمكننا أن نحاسب الانسان على نواياه، إنما نحاسبه على سلوكه معنا فقط.

- إن أحد أهم الأمور في العلوم كلها، والذي صاحبت هذا التطور الكبير في مجالات عدة، هو فصل الجزء عن الجزء.

- القديس الحقيقي لا يرى أي خطئ، إن اراد ان يفتش عن الخطاة، فلن يجدهم، بل سيرى النور في كل مكان.

- سلوك وأفكار المرء عبارة عن ظلال له، منفصة عنه، بهذا يمكن للمرء ان يناقشها، يتخلص منها، يغيرها ببساطة شديدة.

 

 

20/5/2015

مقال حصري

 

____________________

المراجع:

1-سورة الشعراء 168

2-حديث رقم 14/325. من كتاب رياض الصالحين، باب بر الوالدين. من موقع http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_18186.shtml

3-سورة لقمان آية 15

4- رسالة أوغسطين رقم 211

5- اوشو، كتاب deep deep، رابط الموقع http://oshosearch.net/Convert/Articles_Osho/Philosophia_Perennis_Vol_1/Osho-Philosophia-Perennis-Vol-1-00000005.html

 

 

 

طباعة الصفحة من أجل طباعة الصفحة، تحتاج إلى قارئ PDF

 

 

 

 

للاتصال بنا

ahmad@baytalsafa.com

أحمد الفرحان -الكويت.

 

 

 

facebook

أحمد الفرحان

مجموعة الاسقاط النجمي

مجموعة التحكم بالأحلام

 

 

 

 

 

"لو كان الفقر رجل لقتلته" رغم حجم الصدقات التي يدفعها الشعب البترولي. إلا أن لا زال الفقر والمرض والطمع موجود. نحتاج إلى حياة جديدة تنفض الغبار لتنتعش الإنسانية من جديد.

مالك أمانة، فانتبه أين تصرفه.. للسلاح أم للسلام.

 

الدعم المعنوي لا يقل أبدا عن الدعم المادي، لأن كلاهما يعبران عن قدرتنا على صنع واقع صحي جديد.

 

 

____________________________

جميع الحقوق محفوظة بالملح وبعلب صحية