|
|||||||||
> الصفحة الرئيسية - الروح - مقالات أخرى |
|||||||||
.. كأنه ولي حميم
((ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوه كأنه ولي حميم))1 تشبه هذه الآية قول المسيح: "أحبوا أعدائكم، باركوا لاعنيكم"، وهذا بخلاف مبدأ والقانون الحامورابي والتوراتي الذي يقول: "العين بالعين والسن وبالسن". فماهي الحسنة، وماهي السيئة التي لا تستويان معا؟ ولماذا لا تستويان معا؟ وكيف يكون العدو كأنه ولي حميم؟ قالوا أن الحسنة هي البر عند الغضب، والحلم والعفو عند الإساءة. قالوا ان الحسنة هي بمصافحة والقاء السلام على العدو. قالوا أن الحسنة هي المداراه، بينما السيئة هي الغلظة مع العدو. قالوا أن الحسنة هي أن تدفع بحلمك جهل من جهل عليك. لماذا لا تستوي الحسنة بالسيئة؟ لأن الحسنة تختلف عن السيئة في ذاتها وفي آثارها، فلو كل شخص قدم الحسنة لعدوه، فستختفي العداوة عاجلا أم آجلا. وتقديم الحسنة لا تعني بأن العدو لن يلاقي العقاب والندم، فقد روي أن رجل شتم خادم علي بن أبي طالب، فقال له علي بن أبي طالب -عليه السلام: دع شاتمك، وابتعد عنه ترضي الرحمن وتسخط الشيطان وتعاقب شاتمك، فما عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه! من الطبيعي أن ترد الشتيمة بالشتيمة، بل أصبح اليوم من الضروري أن ترد الشتيمة بالشتيمة وإلا قالوا الناس بأنك جبان أو بأن لا كرامة لك، أو بأنك تخاف أن يفتضح أمرك فلا ترد الإسائة لمن أساء إليك! ليس من الخطأ رد السوء بالسوء، فهذا مقام العدل، ولكن رد السيئة بالحسنة فهذا مقام أرفع وأعلى. فلكل مقام مقال، ولكل زمان حال. أن يقابل المرء الحسنة بالسيئة، هذه هي الخباثة. أن يقابل المرء السيئة بالسيئة، هذا هو القصاص. أن يقابل المرء الحسنة بالحسنة، هذا هو العدل. أن يقابل المرء السيئة بالحسنة، هذه هي الفضيلة. ولكن أن يقابل المرء السيئة بما هو احسن من الحسنة، فهذا هو الاحسان.
نعم، من السهل أن نعادي العدو، ولكن من الصعب أن نحسن إليه.. فهذه تحتاج إلى شجاعه، إلى عظمة في النفس.. ولكن هل من المستحيل تحقيق ذلك؟ هل من المستحيل أن يجسد البشر صفات ملائكية إليهية رحمانية في أرض الواقع؟ نعم، إنه يصعب علينا تحقيق ذلك، اتعلم لماذا؟
لأننا لم نسمع، ولم نرى
ولم نتذكر أي صورة من هذه الصور.. كل ما نسمعه اليوم يغرس فينا قيم معاني، سنحصدها غدا على شكل تصرفات وسلوكيات. ولأننا نادر جدا أن نرى شخص يدفع السيئة بالحسنة، صار من الصعب علينا أن نقوم نحن بذلك. ولأقرب لك الصورة أكثر، لما لا تشاهد هذا المقطع العظيم الذي كتبه الكاتب الفرنسي الشهير "فيكتور هوغو" من روايته (البؤساء).
يقال أن هذه الأمور لا تحدث في الواقع، وأن الاحسان لا يكون جزائه الاحسان إلا في الكتب والقصص الشعبية، فلم نجد طاغية ندمان، أو متكبر وحزين، ولم نجد الكون ينتقم للمظلومين والمساكين!! أظن أن بعد مشاهدة المقطع السابق من فلم البؤساء، صار من السهل علينا أن نقوم بمثل هذا الأمر، أي أن نقابل الإساءة بالاحسان.. فإننا بمقابلة الإساءة بالاحسان، فإننا سنحرر الشيطان الرجماني ليكون شيطان رحماني.. أي أن نحول الفحم الأسود الداكن إلى كرستال لامع.. كما حول المسيح الماء إلى خمر، كما كان يحلم الخيميائيون لتحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب صافي. فكرة الإحسان والفضيلة والصفات الملائكية والرحمة الإلهية غير موجودة لولا وجود الانسان. أي أن تلك المعاني الشيطانية والرحمانية وجدت من أجل الانسان، من أجل أن يستوعبها، من أجل أن يجسدها على الأرض. كما تردد المقولة القديمة (الله ليس لديه يد غير أيادي البشر)، الإنسان هو من يجعل تلك الصفات حقيقية على أرض الواقع، وبدون الإنسان كما لو يعرض فيلم في دار سينما لا يوجد بها شاهد يشاهد. وكأن الفلم لم يصور أبدا. طالما أن بامكاننا أن نتخيل أو أن نستوعب أو أن نتذكر تلك الصفات الملائكية والمواقف التي تتخطى طبيعتنا كبشر ناقصين إلى بشر كاملين نتمتع بنفس ألهمت فجورها وتقواها من رب العالمين! فإن هذا ليس بأمر بعيد عنا ولا مستحيل تطبيقه، ولكننا تناسيناه. كيف تتواجد صفة ما في الكون، الإنسان لا يكون معنيا فيها بالدرجة الاولى؟ كيف لفيكتور هوغو أن يكتب قصة عظيمة مثل قصة البؤساء ويصور لنا رجل عظيم كالقس الذي تجده كما الملاك إن لم تكن تلك الصفات أصلا مزروعة في وعي البشرية؟ نعم، أعرف ماهو شعورك حينما شاهدت مقطع الفيديو.. هناك نوع من السحر والغرابة والصدمة، حينما شاهدت كيف قابل القس سيئة اللص بالحسنة.. إنه لم يسامح اللص على ما سرق، وإنما منحه المزيد من الفضة! شعورك هذا بالغرابة، لقصة خيالية كتبها كاتب رومنسي هو فيكتور هوغو، فكيف لو عايشت المستنيرين وقوبلَت اسائتك بحسنة من النبي؟ شعورك هذا بالغرابة لا يقل غرابة لشعور أي رجل تعامل مع أحد المستنيرين. شعورك هذا لا يقل غرابة عن غرابة شعور الرجل اليهودي الذي يوجد النبي يزوره ويسأل عنه أثناء مرضه بينما كان يرمي القمامة على بابه!
8/5/2015
____________________ المراجع: 1-سورة فصلت الآية 34
| |||||||||
|