|
|||||||||
|
> الصفحة الرئيسية - الروح - مقالات أخرى |
|||||||||
|
معنى الأهل في القرآن
يقول الشيخ الشعراوي في حديثه عن امرأة النبي لوط، حيث لم تخرج من المدينة التي سيحل فيها غضب الله، بينما لوط خرج من القرية مع (أهله) إذ يقول الله: ((فأنجيناه وأهله إلا امرأته))1 أي فأنجينا لوط و(أهله)، والأهل إما أن يكونوا أهلا بالنسب، أو بالدين، أو بمعنى آخر؛ إما أهل بالجسد، أم أهل بالروح. كذلك لو نذكر نوح عليه السلام حينما كان يحاول اقناع ابنه أن يركب السفينة، ورفض الابن وأصر على كفره فغرق، قال نوح وهو يدعو الله تعالى ((رب إن ابني من أهلي))2 فقال له الله ((إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح))2 فالأهل هنا هم من يشاطرونك الطريق نفسه ويشتركون معك بالقضية. وقد قدم القرآن القرابة الروحية والدينية على قرابة النسب! وكذلك نستشف معنى آخر من ذلك، هو أنك لن تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء، ففرعون لم يستطع أن يقنع زوجته أن تؤمن به وتكفر برب موسي رغم أنها أرقب الناس إليه. ولوط أيضا لم يضرب زوجته حتى تتبعه وتؤمن به وتخرج من القرية التي سيحل فيها العذاب.. القرآن يؤكد حق الاختيار والحرية ويكفلها.. حرية الاعتقاد، حرية السلوك!3 فالمرء عليه ألا يختار دينه وأهله الذي يحب أن ينتمي لهم إلا بعد اقتناع دون تبعية. وهذا الفصل بين أهل الجسد المختلفون عنك والوصل لأهل الطريق الواحد قد تحدث عنه المسيح وسماه بـ(السيف) حيث قال: (لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض، ما جئت لألقي سلاما بل سيفا)4 رجل ما يدعو لأن نحب أعدائنا، ونبارك لاعنينا، رجل يردد بأن الله محبة، كيف له أن يلقي سيفا في الأرض؟ إن سيفه ليس كسيف الحرب والعداوة، بل سيفه سيف رحمة ووصل، أن يقطعك من الجهل إلى النور، من الكفر إلى الإيمان. رجل الرحمة ليس ليّنا، بوذا ليس ليّنا، بل هو مجمع التناقضات.. كما هي ضربة المعلم، الذي يضرب التلميذ كي يكون التلميذ تلميذ صالح، فالمرء لا يصحو إلا في لحظة ينتفظ فيها، لحظة يتغربل فيها، لحظة يقف فيها بمواجهة السيف. الرسول الحقيقي والمستنير، مزعج مؤذي، جارح.. غير مستسلم، متمرد، ويدعوا الآخرين إلى التمرد ضد الظلم والخطأ والكذب.. وهذا ما يسمى بجهاد النفس وجهاد في سبيل الله. ولا أشير هنا إلى جهاد داعش (أن تقتل من لم يؤمن بالاسلام دينا وبمحمد رسول) فكما ذكرنا، الانبياء لم يقتلوا زوجاتهم ولم يظربوا أحد لا يؤمن بمنهجهم. فانتبه! يقول الشاعر: ((كل السيوف قواطع لو جردت)) لو جردت من هدفها النبيل.. كما نعلم، السيف سلاح ذو حدين، حد يفصل الحق لأجل أصحاب الحق، وحد القتل والعدوان. ولأن مهمة المستنيرون جميعهم أن يوقظوا المرء من سباتهم، فلن يبكوا معه، ولن يزكونه أو يواسونه أو يطببون على ظهرة، بل إنهم سيلقون سيفا، سيضربونه حتى يصحى، سينفضونه من غبار الزمن. لا ضرورة أن يكون السيف سيف حقيقي، ولا حاجة لأن يكون الضرب ضرب حقيقي باليدين، بل الكلمات تكون سيف قد يقع أثره أعمق مما تفعل الأسلحة، حيث يقول النبي أشعيا في نبوؤته عن المسيح: ((الرب من البطن دعاني من احشاء امي ذكر اسمي. وجعل فمي كسيف حاد))5 وأقرب مثال حي بيننا، هو فم مريم نور السليط على وسائل الاعلام، هذا ما يسبب الانزعاج لكثير من المشاهدين، وهذا الانزعاج يشبه تماما انزعاج الضالين أمام كلام المستنيرين. لهذا أختم المقال بقول جبران من كتابه النبي:
"المحبة... تضمكم الى قلبها كأغمار
الحِنطة...
25/4/2015
____________________ المراجع: 1-سورة الاعراف آية 83 2-سورة هود الآية 45-46 3-الشيخ محمد متولي الشعراوي، قصص الأنبياء والمرسلين، المكتبة العصرية، بيروت، ص111. 4-بشارة لوقا الاصحاح 13 5-أشعيا 49 6-جبران خليل جبران، النبي.
| |||||||||
| |||||||||
