Facebook Login JavaScript Example

 

 

 
 

> الصفحة الرئيسية - الروح - مقالات أخرى

 

 

التدين هو أن تكون واعيا وليس وعائا

 

 

حينما نتأمل في قصة النبي ابراهيم، نجد العبر الكثيرة، فنتعرف على منطق الفطرة السليمة، وأهمية التفكر في الخلق، وبذرة الدين الاسلامي الذي لا يختلف عليه اثنان من البشر أجمعين!

من المعروف عن النبي ابراهيم انه تواجد في زمن كان الناس فيه يعبدون الكواكب والأوثان، ومن المعروف أيضا أن النبي ابراهيم كجميع الأنبياء يمتازون بالنباهة والتفكر واليقظة. ومن هذه الصفات نجدهم لا يسايرون تيار العوام، بل يتميزون عنهم ومن هنا الكل يحاربهم.

حينما نتذكر أن النبي ابراهيم كان مؤمن بأن الله يحيي الموتى، ولكن أراد أن يعرف "كيف يتم ذلك الأمر؟" ومن هنا جائت حادثة أن ذبح مجموعة من الطير ووضعها فوق قمم الجبال، وشاهد كيف أن الله يعيدها على شاكلتها الأولى. فابراهيم لم يكتف بالتصديق القلبي كما نكتفي نحن، بل إنه تفكر أكثر وأراد أن يتعمق أكثر في هذه القدرة الإلهية. ولا ننسى أن "العلم" اليوم هو المختص في البحث عن أجابات للسؤال المطروح "كيف؟" -كيف تعمل الجاذبية، كيف تطير الطائرة، كيف تنظر العين..إلخ" ألا يكون هذا دليل على طلب ابراهيم للعلم والمعرفة؟ ألا يكون هذا دليل على أن العلم باب من أبواب التدين الصادق؟

حينما يتمتع الانسان بنباهة لن يمشي مع القطيع، ولن يساير الروتين، بل سيشذ عنه، ولم يطرح القرآن قصة أو حادثة إلا كانت معنية للقارئ أيضا وليس للنبي محمد فقط، فكل حادثة وكل جمله هي معنية في الأساس بمن يقرأ القرأن، ومن كان كأسه يسع الكثير فسوف يحصل على الكثير، لأنه "قرآن كريم" و"حياة كريمة" وهنا يمكننا أن نتخلص من الخوف من الموت أو الفقر، لأننا نعيش في رحاب الله.. ولن ندرك هذا إلا إذا تمتعنا بصفات الأنبياء وهي النباهة واليقظة.

ومن هنا ندخل إلى قصة النبي ابراهيم والحادثة التي بدأ فيها بايقاظ الناس من عبادة الأوثان، تقول القصة المعروفة أنه كسر الأصنام التي كانوا يعبدونها ولكن هذه الحادثة لم توقظ فطرتهم السليمة وتم الحكم عليه بالحرق. ثم أخذ ابراهيم بمسايرة الناس واستدراجهم نحو الفطرة السليمة:

((فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فلما رأى الشمس بازغة قال:هذا ربي . هذا أكبر . فلما أفلت قال:يا قوم إني بريء مما تشركون . إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا , وما أنا من المشركين))1  

لقد اختلف المفسرون ما اذا كان هذا الحوار هو حوار داخلي في نفس ابراهيم، حيث كان يبحث عن دين الفطرة السليم، فأخذ يتفكر ويتنقل ويبحث عن إلهه في السماء، أو أنه نوع من استدراج القوم من حالة عبادة الأوثان والكواكب إلى حالة الفطرة السليمة! لا نحتاج أن نناقش أي الفريقين صحيح ولكن نرجح انه نوع من استدراج القوم نحو الفطرة السليمة، ولكن ما الذي نتعلمه في هذه الحادثة؟

كان يمكن لابراهيم أن يساير المعتقدات السائدة في ذلك الوقت، ولكن لأن فطرته سليمة يشعر بأن هناك ما هو خطأ وما هو ناقص، كما يشعر أي شخص واعي في أي زمن ومكان كان بأن هناك خطأ ما يحصل، لأننا نعيش في الحياة الدنيا، ومن طبيعة هذه الحياة أن يكون فيها من الصحة ما فيها ومن الخطأ ما فيها، وهنا تكمن مسؤولية الإنسان، هو أن يسعى نحو الأفضل ونحو الأسمى، ومن هنا جاء معنى "خليفة الله" أي المخول لأن يجلب الصفات الإلهية والكمالات إلى الحياة الدنيا، لا أن يرضي بما حصل بل يطمح بالمزيد والأفضل دائما، وبهذا تستمر الحياة.

ولكن ما نمارسه اليوم من رضى وتسليم للأمر الواقع، أو (الإيمان بأننا وصلنا إلى قمة التحضر والتطور والأخلاق) فهذا يدل على بداية أفول الحضارة والانسانية والدين! كيف؟

تأمل النبي ابراهيم في الأجرام السماوية، القمر الكبير والشمس الساطعة العملاقة، ولكنه أدرك انهم ليسوا الله، بل الله هو الكمال الذي لا ينطفئ حينما يشرق الصباح كالقمر، وأن الله لا يختفي حينما يجن الليل كالشمس، بل هو المستمر الموجود الذي لا ينام.

نجد ابراهيم في هذه القصة انه لم يتفكر بشكل "فلسفي أو ميتافيزيقي" أي لم يجلس في محراب ويتفكر، ولم يخترع مصطلحات ومفاهيم لاهوتية غيبية معقدة! بل أدرك أن الدين الحقيقي واللغة الحقيقية التي لا يعجز عن فهمها أحد هي عبر التأمل في الطبيعه والكون والبيئة حول الانسان، لأنها عبارة عن كتاب الله المنظور.

وحينما نقارن عباد الأصنام والنبي ابراهيم، فسنجدهما في حقلين متناقضين؛ فعباد الأصنام يكررون ما فعل أجدادهم، فهم مداد لجذور الماضي ومعتقداته الغابرة، بينما النبي ابراهيم هو حاظر في هذه اللحظة يبحث عن جوهر الحقيقة ويعيش في صميم الحياة. عباد الأصنام راضون عن وضعهم العام، بينما النبي ابراهيم هو في بحث مستمر، في حال متجدد حي مع اللحظة الآن.

فمن أي الفريقين أنت؟ قد تعبد الله، على شاكلة عباد الأصنام! ولكن ماذا لو تعبد الله على شاكله النبي ابراهيم وجميع الأنبياء حيث تتمتع بيقظة ونباهة! حينها يمكن لك أن تدعو من الله أن يعلمك ما يطمئن به قلبك ويفتح بصيرتك، وليس هذا من الله ببعيد.

 ((وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي..))2

 

 

24/4/2015

مقال حصري

 

____________________

المراجع:

1-سورة الانعام الاية 76-78.

2-سورة البقرة الآية 260.

 

 

 

طباعة الصفحة من أجل طباعة الصفحة، تحتاج إلى قارئ PDF

 

 

 

 

للاتصال بنا

ahmad@baytalsafa.com

أحمد الفرحان -الكويت.

 

 

 

facebook

أحمد الفرحان

مجموعة الاسقاط النجمي

مجموعة التحكم بالأحلام

 

 

 

 

 

"لو كان الفقر رجل لقتلته" رغم حجم الصدقات التي يدفعها الشعب البترولي. إلا أن لا زال الفقر والمرض والطمع موجود. نحتاج إلى حياة جديدة تنفض الغبار لتنتعش الإنسانية من جديد.

مالك أمانة، فانتبه أين تصرفه.. للسلاح أم للسلام.

 

الدعم المعنوي لا يقل أبدا عن الدعم المادي، لأن كلاهما يعبران عن قدرتنا على صنع واقع صحي جديد.

 

 

____________________________

جميع الحقوق محفوظة بالملح وبعلب صحية