|
|||||||||
> الصفحة الرئيسية - الفكر - مقالات أخرى |
|||||||||
هل للنباتات عواطف؟
استناد على أن لكل كلمة طاقة خاصة بها، وأن لكل كلمة تمر على ناظرنا أو مسامعنا تدخل في العقل الباطن، أو ما يسمى باللاوعي... أي الجهة الأخرى من الفكر، والذي يعتبر هو أساس الفكر والأفكار الظاهرة أمامنا. فكرة أن للنباتات مشاعر وعواطف ليست حديثة، بل هي قديمة منذ آلاف السنين. والدليل على هذا الاعتقاد يمكن إيجاده في الكتابات الهندوسية وكذلك في الكتب المقدسة الأخرى كما في تراثنا الإسلامي حيث بكت الشجرة حينما نزل عنها النبي الأكرم. وفي السنوات السابقة، لاحظ العالم البريطاني تشارلز داروين التشابه المذهل بين جذر النبتة ودماغ الحيوانات البدائية. ويبدو أن طرف الجذر (الجذور) يحس أو يشعر بمحيطه ليقوم باتخاذ القرارات الضرورية لبقاء النبتة حية، ويقرر اتجاه النبتة وحركتها. فحينما غيّر العلماء مجرى نهر ما، وجدوا أن جذور النبات فيّر مساره واتجاهه. رغم أن داروين لم يشير قط بأن للنباتات جهازاً عصبياً حيوانياً، فإنه إنما لاحظ مثله كمثل غيره من العلماء، أن هناك تماثلاً لافتا للنظر في ما بين عمليات الحياة في كلا النباتات والحيوانات. لا شك أن تركيبه وخلايا كل كائن يختلف عن الآخر، ولكن كم يتشابه سائل البروتوبلازما -أساس حياة الخلية- في كلتا مملكة النبات والحيوان؟ إن مقدرة النباتات على الاستجابة للمحيط وإظهار ردود الأفعال، يبدو أنها تشبه كثيرا ردود أفعال الحيوانات -حسب المقالات السابقة- ويمكن للإنسان أن يتساءل عما إذا كانت النباتات واعية وتشعر بالألم والمعاناة ولديها عواطف؟ هذا كان تماما ما تساءل عنه "جاغادس ش.بوز" وهو عالم فيزيائي هندي، كرس حياته لدراسة النباتات. إذ انبهر بتماثلات ما بين جميع أشكال الحياة، بالبحث التقني والعلمي الرفيع، لإقامة الدليل على أن للنباتات مشاعر. وقد استبدل الحدث بإجراء تجارب واختبارات علمية دقيقة جداً، وتطوير أدوات مراقبة شديدة التعقيد لتسجيل ردود أفعال النباتات. لم يكن أحد مؤهلا أكثر من بوز للقيام بمثل هذا العمل، فقد كان عبقرية تقنية، وعالما فيزيائيا معروفا، كما طور عدد من الأدوات الميكانيكية لمساعدته على قياس ردود أفعال النباتات للمنبهات الخارجية وتسجيلها. ومن بين سائر مخترعاته جميعا، غدا الكريسكوغراف الأكثر شهرة، لأن هذا الإكتشاف كان قادراً على تكبير عمليات حياة النباتات 10 ملايين مرة. ويصف أحدهم لقائه مع بوز، حيث نظر من خلال أداته الكريسكوغراف، التي تجعل حلزونا زاحفا يبدو أنه يسير مثل القطار السريع. حيث تمكن حينما نظر إلى شاشة الكريسكوغراف من رؤية نبتة سرخس مكبرة عدة مرات. وكانت أدنى حركة من السرخس غير المرئية عادة بالعين المجردة، تبدو حقيقية كرقص بالية رشيق. وكان بوسع الزائر رؤية السرخس وهو ينمو. كانت الحركة بطيئة. ولكنها كانت مليئة بالحياة والحيوية. حينما نقر بوز السرخس، بدا كل حركة قد توقفت لحظة إلى أن سحب القضيب المعدني الذي سبق أن وضعه على طرف النبتة، حتى عادت النبتة إلى نشاطها المعتاد. ثم حينما خدر النبتة بسائل مخدر، الذي أوقف نموها، وما إن سقاها بسائل مضاد للسم حتى راحت النبتة تتحرك من جديد. حتى بعد فترة أخرق بوز أحد أوراقها بآلة حادة، وما إن اخترقت النبتة بهذه الأداة حتى بدأ أنها تتلوى ألماً برعشات تشنجية. في النهاية، قطع بوز ساق النبتة بالموس، ورأى الزائر عبر الجهاز اهتياجا عنيفا، سرعان ما انتهى إذ غدا الظل ساكنا، أي ما يعني أن النبتة قد ماتت. عند ذاك أطلع بوز زائره كيف أنه خدَّر شجرة هائلة لكي يعيد زرعها. ولمّا كانت الأشجار الضخمة غالبا ما تموت في خلال العملية، كان بوز فخورا خصوصا بأن الشجرة استطاعت البقاء حية. وأشار إلى أن النباتات تستطيع أن تشعر بالمرض، والانجراح تماما مثلما يشعر البشر. قال بوز لزائره أن للنباتات جهاز دورة دموية، (ضغط نسغي) شبيه بضغط الدم في الحيوانات، وأنبوب ينسخ القلب. ثم قال: "بقد ما ندرك من طريق الحواس، على نحو أكثر عمقا، بقدر ما يصبح الدليل أكثرا لفتاً للنظر على أن تخطيط موحداً يربط كل شكل من الطبيعة المتنوعة." لم يتوصل بوز قط إلى هذه الاستنتاج بين ليلة وضحاها. لقد امتد عمله على عقود كثيرة من السنين. وفي أثناء البحث كان دائم المقارنة ما بين شكل حياة ما وشكل حياة ما آخر. لاحظ أن الإنسان عندما يلمس يكون هناك تأخر بين المنبه وردة الفعل. إن انتقال المنبه على طول عصب الدماغ يستغرق وقتا. وكان باحثون كثيرون يعتقدون حتى ظهور اكتشافات بوز المذهلة أن النباتات سوف تستجيب لمنبهات مبالغ فيها، من مثل الجرح بالسكين أو الضربات القوية. وفي عمله بالنبتة الحيائية المسماة (المستحية)، بيّن بوز أن النباتات تستطيع أن تكون حتى أكثر حساسية من البشر. ووصف النبات بأنه سريع الاهتياج جداً. وأكتشف أن المستحية يمكن أن تثار بصدمة كهربائية تبلغ عشر الشدة التي تثير إحساساً بشرياً. وقد نقل رد الفعل على مسافة كبيرة، ولكن لم يحدث أي حرج.
في أوائل القرن العشرين، قام باحثون آخرون بملاحظات مماثلة حول المستحية. ولاحظوا أن شجرة (السنط) -في الصورة المقابلة- تكون أكثر حساسية عندما تكون أوراقها آخذة بالنمو سريعا. وأوراق شجرة السنط تفاعلت في أثناء فترات نموها السريع، على نحو قوي، مع كلا الهواء البارد واللمس الضئيل، الأمر الذي حث النبتة على أن تطبق أوراقها، وتخفض سوقها على الفور. ...في إحدى التجارب، نقع الباحثون بعض القطن بمزيج سريع الالتهاب، وأشعلوه، ومرروا اللهب بسرعة تحت ورقة ناضجة. وبالكاد تلقّت هبة هواء حار حتى تفاعلت، مبدية علامات ما يمكن تسميته (إزعاجا)، وفي الاختبار التالي، أحرق اللهب طرف إحدى أصغر الأوراق. وكانت النتيجة مذهلة! إذ انكمشت الأوراق كلها كما لو أنها عانت أكثر الآلام حدة. واستخلص بوز وهو يراقب أوراق إحدى النباتات الدقيقة تنطبق، ويلاحظ استجابة النباتات لمنبهات خارجية في مختبره، أن لدى النباتات بالفعل، جهازاً عصبياً.
واستطاع بوز أن يتناغم مع هذا الجهاز العصبي بمسبار هو كناية عن إبرة دقيقة موصلة إلى مقياس كلفاني -الصورة المقابلة. وشعر أن النباتات كانت مشابهة للحيوانات من حيث أن النسيج الموصّل ملفوف بنوع من الغمد الواقي (مادة مطاطية غير موصلة للكهرباء) حيث غرس الدبابيس المعدنية في النباتات بحثا عن (السلك) ناقل الرسائل من جزء من النبتة إلى الجزء الآخر. وعرف أنه ما لم يتصل الدبوس بالنسيج الموصّل، فإنه لن يستطيع مطلقاً أن يلتقط الرسائل المنقولة في (جهاز النبات العصبي). ويذكر بوز أن النجاح حالفه في تعيين مكان الأعصاب المطمورة في نسيج غير عصبي باستخدام المسبار الكهربائي، ويقول إنه كان ممكناً تعيين موقع الأعصاب المطمورة في نسيج غير عصبي باستخدام المسبار الكهربائي. ثم استخلص حيث قال: "تدل هذه الملاحظات على أن توصيل الإثارة مقتصر على نسيج محدد، يمكن إذ أن يدعى عصباً". واستطاع بوز في عمله على الجهاز العصبي، أن يضع رسماً بيانياً للمنبهات الناجمة كرد فعل من جانب النبتة على المنبهات الخارجية وتفاعلها معها. وفي أعماله الرئيسية وصف الطرائق المختلفة التي استجابت بها أجزاء من النباتات للمنبهات الكهربائية، واللمسية، والكيميائية، والحرارية. ومع كل اختبار مضاف، كان يغدو مدركا الفرق بين النباتات والحيوانات والتشابه بينهما. كان قادرا على أن يبيّن كيف أن النبات حينما يوخز على جانب ما، يرتجف من الجانب الآخر. ومع تساؤل بوز حول تأثير المثيرات أو المنبهات، والمسكنات والسموم في النباتات، حقن عدة أنواع منها بمادة الكافيين، والكحول والخمر الفطير (عصير العنب قبل التخمر وأثنائه) والبنج وغيرها. وكانت التأثيرات التي حصل عليها شبيهة بتلك التي تحدق في الكائنات البشرية. وتكشَّف الكافيين عن أنه منبِّه. وأحدثت الكحول إثارة أعقبها الاكتئاب. والنباتات التي حقنت بالكحول، كانت تتمايل كالسكارى... واكتشف أيضا أن النباتات إنما تمر عبر نوبة موت شبيهة بآلام الاحتضار لدى الحيوانات. ففي لحظة الموت تحدث إثارة شديدة في النبتة مع إطلاق قوي للكهرباء. والنوبة نفسها تتسبب عن تقلص الخلايا التي تموت. هل إن النباتات تصرخ من الالم عندما تعذب أو تقطع؟ هل إن عواطفها تشبه العواطف لدى البشر؟ هل إنها تسكر بالكحول ومادة الكافيين تنبهها؟ يجيب بوز على هذه التساؤلات بكلمة (أجل)، كما أن لديه برهان مقنع في الرسوم البيانية التي حصل عليها بواسطة جهازه المذكور سابقا المسمى بالكريسكوغراف، وتسجيلات المقياس الكلفاني. وذكر أنه حتى أكثر المراقبين تشككا سوف يكونون مقتنعين بأن لدى النباتات جهازاً عصبياً حساساً وحياة عاطفية متنوعة الألوان، إذا ما تفحصوا بدقة بحوثه الشديدة التدقيق في التوافه والتفاصيل. فالحب والكره والخوف والسرور والألم والاهتياج أو الإثارة والذهول وما لا يحصى من سائر الاستجابات والتفاعلات مع المنبهات الخارجية هي عامة في النباتات مثلما هي عامة في الحيوانات. وقد استهزئوا العلماء ببوزوحينما أكد أن للنباتات عواطف وجهاز عصبي خاص، ولكنه ذهب حتى خطوة بعد أكثر في ملاحظاته. لقد لاحظ أن لكل نبتة سرعتها الخاصة بها من حيث التفاعل تماما كما هي حالة الاستيعاب عند الإنسان. ولاحظ أيضا أن هناك تلازماً وثيقاً ما بين حالة النبتة والسرعة التي يمكن أن ينقل بها الاندفاعات (الموجات من الاهتياج التي تنقل عبر الأنسجة وبخاصة عبر الأعصاب وينشأ عنها نشاط فسيولوجي) "العصبة" بنسيجها الموصِّل. وبدت النباتات الكبيرة أنها تستجيب ببطء شديد، في حين أن النباتات الدقيقة تستطيع التفاعل بسرعة حيال المنبهات الخارجية. وقام بوز بالملاحظة أن هذا هو شبيه بالفوارق في ما بين البشر. إن معظم الدعم الذي تلقاه بوز كان من روسيا. ففي ضوء التطور، سوف يبدو طبيعياً أن النباتات قد أنمت، على الأقل ، جهازاً بدائياً لتحويل الإشارات.. يشبه جهاز الحيوانات. ويذكر أحد أساتذة علم الأحياء من الاتحاد السوفياتي، إن قطع سويقة ورقة تحمل زهرة أو عنقوداً، يثير رد فعل فورياً سلبيا لدي قاعدة الورقة بقمة ذروته تبلغ ما بين 50 إلى 60 ميليفولت (جزء من الألف من الفولت). ويعني أن للنبتة "وعي" (إدراك) لكونها قطعت! والمئات من هذه التجارب في أنحاء العالم ذات الاعتبار والمقام، مظهرة أن النباتات تستطيع توصيل اندفاعات كهربائية بطريقة مماثلة لأعصاب الإنسان. هذا ما نختم به مقالتنا هذه، وكذلك بسؤال أخير نطرحه. إلى أي العوالم والعلوم نشرف الدخول إليها؟
* * *
| |||||||||
|