Facebook Login JavaScript Example

 

 

 
 

> الصفحة الرئيسية - الفكر - مقالات أخرى

 

 

النباتات وإدراكها

 

 

   أمضى "كليف باكستر" -الخبير في مجال كشف الكذب- سنوات طوال قائما ببحث شامل في استخدام الانعكاس اللاإرادي النفسي المتعلق بالتغيرات في تنفس المرء وضغط الدم ونبضه وخصائص جلده الكهربائية. كل هذه الأمور تقاس بآلات تعرف باسم المرسامة المضاعفة (Polygragh) وهي آلة لتسجيل عدة نبضات مختلفة في وقت واحد، كنبضات القلب والشرايين معا ودرجة حرارة الجلد وغيرها، وأي تغيير في مزاج المرء أو حالته الذهنية إنما تنعكس في هذه الأمور (نبض القلب، خصائص الجلد... إلخ) التي تنعكس في رسيمات تسجلها الآلة، مثل الصورة المقابلة.

    في خلال عقود طويلة من السنين، غدا باكستر مشهورا بفضل خبرته في هذا الميدان، وبخاصة بالنسبة إلى تقنياته في قراءة رسيمات البوليغراف، وتستخدم طريقته الآن في مدرسة البوليغراف التابعة بالجيش الأمريكي، وكونه عضوا سابقا في هيئة مقاومة التجسس ووكالة الإستخبارات المركزية، طلب إليه أن يشهد أمام الكونغرس في سنة 1964 بالنسبة إلى استخدام "مكشاف الكذب" في دائرة الحكومة، وقد عين باكستر رئيس المدرسة التي تدرس فيها تقنيات كشف الكذب، ولكنه نظم أيضا "مؤسسة باكستر للبحوث" للقيام بدراسات خاصة.

    هنا نبدأ الحديث عن النباتات التي فاجئ باكستر المجتمع العلمي في مدى حساسية النباتات وتفاعلها مع الوسط المحيط بها، فهل بوسع النباتات أن تستجيب لفكر الإنسان عبر التخاطر؟ هل برهن باكستر أن للنباتات قوة نفسية وتفاعل عاطفي كالحزن والفرح تماما كما لدى الإنسان والحيوان؟ إن مجرد فكرة أن النباتات لديها مشاعر وهي قادرة على الاتصال بالبشر، بدت فكرة بعيدة الاحتمال ومع ذلك حيرت المتشككين الذين ما زالوا يهزؤون بالفكرة، وفي الوقت عينة منح المؤمنين بحساسية النباتات سلوانا ويقين... ماذا حدث في شتاء 1966 البارد للتسبب بمثل هذا الاهتمام؟ هل خطط باكستر للقيام بهجوم مدروس بدقة على المفاهيم والمعتقدات القديمة في جمودية النباتات واستقلالها بنفسها واقتصار حياتها على شرب الماء وامتصاص الغذاء من التربة وعملية التبادل الضوئي والنتح  والإثمار وغيرها؟

    لا، مطلقا.. وإذا تولا باكستر السأم ذات يوم بسبب العمل الروتيني المتعلق بتفحص خطوط مخربشة على قصاصات ورق طويل يمر عبر مرسامته الخاصة (آلته) قام وحسم اختبار غريب من باب كسر الروتين والتسلية. قرر كليف باكستر أن يرى ما إذا كان ممكن قياس سرعة ارتفاع الماء من جذور النبات إلى أوراقها من خلال وصل مجسات آلته بالنبات.

    هذه الآلة لديها مجسات تلصق على جسم الإنسان وصدره لتلقي المعطيات التي تنعكس على المرسامة التي تسجل هذه الموجات، وقد أوصلها بالنبات، وقد تكون هذه اللحظة جليلة وسخيفة عندما تكشف الطبيعة عن أسرارها  عن طريق المصادفة.

    ولكن علام عثر كليفر باكستر؟
عثر على شيء غير متوقع كليا، افترض باكستر أنه مثلما يرتفع الماء في نبتته وكما تصبح الأوراق مشبعه على نحو متزايد فسوف يكتشف انخفاض في مقاومة الورق الكهربائية، سوف يظهر بمثابة اتجاه إلى الأعلى على رسيم الآلة، ويصنع الرسيم بقلمه الحبري يروح جيئا وذهابا تتحرك على قصاصة الورق تتحرك عبر الآلة بمعدل سرعة ثابتة. والحركة المترجحة التي يقوم بها القلم تتطابق مع الجهود الكهربائية التي تلتقطها المرسامة نتيجة التغيرات في مجال الشخص الذي تدرس استجاباته وتفاعلاته . وفي هذه الحالة سوف يكون الشخص هو النبتة.

    عادة كان باكستر يربط المجسات الخاصة بهذه الآلة أو ما يسمى "الإلكترودات" (وهو قطب كهربائي) بأصابع الشخص، ولكنه في هذه المرة وضع الإلكترودين على جانبي ورقة كبيرة من النبتة الموجودة في مكتبه، وكان المؤشر يشير بانخفاض وركود استجابات النبتة وتفاعلها، وكان هذا النقيض تماما لما كان يتوقع مشاهدته، فضلا عن ذلك اكتشف بعد دقيقة واحدة وحسب من الاختبار الفريد من نوعه شيئا فاتنا، إن الرسيم الذي كان يحصل عليه على المرسامة، نتيجة معطيات إستجابة الأشخاص عاطفيا والذين يثارون عاطفيا بطريقة لطيفة، وجدها تتشابه مع معطيات استجابة النبتة حينما سكب الماء على جذورها. فهل للنبتة جهاز عصبي يتفاعل مع المحيط والمؤثرات؟ هل كانت النبتة تستطيع الإنفعال فرحا وسرورا حينما كانت تسقى ماء؟ كما يتفاعل البشر مع بعضهم من خلال تبادل المحبة؟ ما الذي كان يحدث بالفعل؟

    وقد أثار اهتمام باكستر في هذا الاكتشاف، تشابه المعطيات المرسومة الخاصة بالنبات مع المعطيات الخاصة بالبشر، وقد تبدو خطوته العادية غير عادية ولكنها كانت طبيعية بالنسبة إلى شخص عمل طوال سنين في حقل كشف الكذب، لقد عرف باكستر أن أي نوع من التهديد لرفاه الإنسان يستطيع أن يتسبب برد فعل عاطفي حاد فالخوف والقلق يحدثان استجابة مباشرة في أشخاص مربوطين إلى آلة تقيس نبضات القلب وخصائص الجلد -كالآلة التي ترافقنا في هذه التجربة- وباتباع باكستر هذا المبدأ، قرر باكستر بأن ينقع أحد أوراق النبتة في كوب شاي ساخن، ووقع أن تبدي النبتة رد فعل فورية على تهديده، لكنه لما غمس واحدة من النبتة في السائل الساخن، لم يحدث شيء.. وانتظر تسعة دقائق على أمل أن تبدي النبتة رد فعل من نوع معين، ولكنها لم تفعل شيء من ذلك. وكانت المحاولة المبدئية للحصول على الاستجابة من نبتة مماثلة للإستجابة، سوف يتوقعها من إنسان ناجحة كليا، ومع ذلك إنما لاحظه باكستر في الأصل في ذلك المنحى العاطفي الفريد من نوعه الخاص بالنبتة، كان أروع من أن يصرف عنه النظر ويهمل. وفكر للحظة قبل أن يقرر تهديد الورقة المربوطة إلى القطبين الكهربائيين، تلك الورقة عينها بالضبط، وكان التهديد الجدي الوحيد الذي استطاع التفكير فيه هو أن يحرقها، وبينما كان على وشك تناول بعض عيدان الثقاب بقية إحراق النبتة الراسخة بقوة في باله، لاحظ أن ترسيمة الآلة تقفز صعود باضطراب مثير... هل أن ورقة النبتة قد تصرفت حيال تفكير باكستر في احراقها؟ هل أن تهديده كان ناجها في هذه المرة؟

    يبدو أن ما شاهده باكستر كان لا يصدق أكثر مما كانت حال ملاحظته الأولى. لم يكن قد بذل حركة كافية للتأثير في قراءة المرسامة، ولم يكن قد مد يده لكي يلمس النبتة، لماذا كان رد فعل النبتة بهذه الطريقة؟

    ثم إن باكستر نفذ التهديد المقصود، وأحرق الورقة المربوطة بالقطبين الكهربائيين وأبدي ترسيم الآلة علامات (قلق) ولكن ليس أكثر من القلق الذي بدته النبتة حيال التفكير الذهني الأول.

    وافترض باكستر أنه إذا ما استطاع تكرار هذا الاختبار مرارا عدة وحصل على رد الفعل نفسه، فقد يكون قد اكتشف نوعا من الإدراك الحسي لدى النبات يمكن، وحسب.. أن يسمى خارقا للقوانين والمبادئ التي قامت عليها الدراسات البشرية. هل كان في نهاية المطاف في مقدور عالم مثل باكستر أن يبرهن على أن للنباتات حساسية جد مرتفعة؟ والقدرة على التفكير والتصرف حيال الفكر عبر الإدراك الحسي الخارج عن نطاق الإدراك الحسي العادي؟ هل أنه بالوسع تفسير هذه القدرة أم أنها خارجة عن نطاق ما يدعوه معظم العلماء "بالقوى الطبيعية" أي ما يسمى "بالخوارق فوق الطبيعة" التي لا يمكن للعلم أن يقيسها وتصنف على إنها خوارق وشعوذة؟

    هل تستطيع النباتات الاستجابة للانفعالات؟
حينما جاء الدعم من علماء في الاتحاد السوفياتي، حينما أكد باكستر ملاحظاته في انفعالات النباتات مع الأفكار والعواطف المحيطة، شرع احدهم وهو يدعى ف.ن.بوشكين، بعد أن اطلع على بحوث باكستر، في إجراء بعض التجارب الخاصة مع واحد مع زملائه، حيث جاء الأخير بنبتة إبرة الراعي من منزله إلى المختبر حيث كان يعمل الرجلان. وبدلا من شد النبتة إلى مرسومة باكستر - سابقة الذكر - شدها إلى جهاز يستعمل في معظم المستشفيات كطريقة لقياس الظواهر الكهربائية في الدماغ.

    إذ لم يكن الدماغ يعمل بكيفية صحيحة وسوية، فإن ذلك يظهر من قراءة ما يسجله هذا الجهاز. وإنه لممكن أيضا تسجيل استجابة الجلد، وهي الاستجابة نفسها المسجلة بواسطة مرسابة باكستر. وبربط قطب كهربائي براحة يد شخص ما، وقطب كهربائيي ثان بظاهر المعصم، تستطيع الآلة أن تقوم بتسجيل مماثل لتسجيل المرسامة، للحكم على إجمالي الإثارة أو التنبيه العاطفي والذهني. وكما هو الحال بالنسبة إلى المرسامة. تبدو الاستجابة بمثابة خط متموج على قصاصة ورق شريطية الشكل ومتحركة.

    استبدل يوشكين، بدل الشخص بالنبتة -كما سبق لباكستر أن فعل بآلته ونبتته- وشد يوشكين القطبين الكهربائيين إلى ورقة بدلا من يد بشرية. وعند هذا الحد، طلب البروفيسور إلى باحث بلغاري أن يساعدة في بحثة -وهو باحث في الطب النفسي والتنويم المغناطيسي- حيث طلب منه أن يحظر أحد تلامذته لمن يتمتعون برهافة الحس من أجل تجربة ما.

    وكان الشخص الذي تم اختياره والذي يتمتع بهذه الصفة، طالبة تدعى "تانيا" التي كانت تتمتع بمزاج حيوية وعاطفي عفوي. وقد يكون السبب في هذه العاطفة المنفتحة والصريحة على أن تثار بسرعة حيال المشاعر ذات القوة الكافية الذي تضمن لتجربتنا النجاح.

    في مطلق الأحوال، في خلال الدورة الأولى من التجارب، قيل لتانيا إنها بارعة الحس والجمال. وكان الإحساس بالفرح ظاهرا على وجه تانيا المبتسم، وإذ بدت أنها تشع بهذا الإحساس والسعادة، سجلت النبتة المشدودة إلى جهاز قياس الظواهر الكهربائية في الدماغ خطا متموجا على الورقة. وفي تجربة أخرى، أوحى المنوم المغناطيسي إلى تانيا بأنها تتعرض لهبة ريح باردة. وإذ استجابت الفتاة لهذا الإيحاء، أبدت النبتة استجابة أخرى. وفي خلال الاستراحة التالية التي دامت 15 دقيقة، وبينما كانت تانيا مسترخية، لم تظهر النبتة أي استجابة لها مطلقا.

    بعد الاستراحة القصيرة، أوحى المنوم المغناطيسي إلى تانيا بأنها لن ترتجف بردا، وحسب بفعل ريح قارسة، ولكن أمرا شريرا هو قريب منها. وذ تفاعلت تانيا مع هذه الإيحاءات بقوة، راحت النبتة تسجل ترسيمات شاذة عشوائية. وبعد ذلك بقليل، هدأ المنوم المغناطيسي من روع تانيا، وطمأنها برؤية أشعة شمس دافئة ووجود طفل صغير مبتسم. وإذ تبدلت تانيا من حال خوف إلى حال سعادة، راحت النبتة تستجيب من جديد.

    من تلك النقطة وصاعدا، وإذ كانت حالات تانيا العاطفية تبدل، واصلت النبتة التفاعل كما هو متوقع. وعلى سبيل الضبط أو الرقابة، كان يوشكين يشغل الآلة خلال فترار الاستراحة أو الفترات الفاصلة في جلسات التنويم المغناطيسي، ولكي يكتشف أن النبتة كانت تسجل حتى خطوط متساوية بواسطة الآلة، وكررت التجارب مرارا عدة لكي يعلن أنه غير وارد احتمال تدخل المصادفة.

    لقد بينت لنا هذه التجربة بأن النباتات تتفاعل مع الاحساس والعواطف. هل إن رد الفعل هذا يمكن أن يكون غير إدراك حسي خارج عن نطاق الإدراك الحسي العادي؟ أهو شيء آخر؟ وماذا نتعلم من هذه التجربة؟

    من هنا لابد من ادراكنا نحن لمملكة النبات، ودخولها ونحن كلنا إيمان بأن هذه النباتات لها مشاعر وانفعالات وتفاعلات معنا ومع المحيط، فإن أردنا العناية بها أو سقايتها بالماء فلابد أن تكون نابعة من محبتنا لها وألا نتذمر من واجباتنا اتجاهها. فهاهي الأرض تكفي مخلوقاتها من كل عناصر الحياة والراحة، وتلك السماء التي تعلونا جميعا تكفي لأن تضمنا جميعا... فلما الإنسان يقتل أو يقطع الأشجار؟ إن كانت النباتات تتواصل مع الكائنات الأخرى، فما بال الإنسان الذي يسيء لها؟ وعلى هذا نختم المقالة بفقرة أخيرة.

    في السويد فتاة جميلة يطلق عليها السويديون اسم "حبيبة الحقول"، يدفع لها المزارعون مبالغ كبيرة في موسم الزرع، لأن كل حقل تمر فيه يزدهر ويعطي نتاجاً جيداً.

 

 

* * *

 

 

 

مقال تم إعداده


 

 

 

طباعة الصفحة من أجل طباعة الصفحة، تحتاج إلى قارئ PDF

 

  

 

 

للاتصال بنا

ahmad@baytalsafa.com

أحمد الفرحان -الكويت.

 

 

 

facebook

أحمد الفرحان

مجموعة الاسقاط النجمي

مجموعة التحكم بالأحلام

 

 

 

 

 

"لو كان الفقر رجل لقتلته" رغم حجم الصدقات التي يدفعها الشعب البترولي. إلا أن لا زال الفقر والمرض والطمع موجود. نحتاج إلى حياة جديدة تنفض الغبار لتنتعش الإنسانية من جديد.

مالك أمانة، فانتبه أين تصرفه.. للسلاح أم للسلام.

 

الدعم المعنوي لا يقل أبدا عن الدعم المادي، لأن كلاهما يعبران عن قدرتنا على صنع واقع صحي جديد.

 

 

____________________________

جميع الحقوق محفوظة بالملح وبعلب صحية