|
|||||||||
> الصفحة الرئيسية - الحكمة - مقالات أخرى |
|||||||||
حديث عن العالم المنظور واللامنظور
الإنتروبي..
عالم من العشوائية الإنتروبي؛ فھي ولتسھیل فھمھا أشبه بوضع ملح وفلفل أسود داخل إناء ضمن طبقتین، ففي ھذه الحالة تكون الإنتروبی أو الفوضى في أقل مقدار. وعند خلصھا، یضیع الترتیب وتزید الإنتروبی أكثر وأكثر، حتى تصل إلى مرحلة یصبح فیھا لون الخلیط رمادي. ويكون احتمال عودة الخلیط إلى طبقتین بیضاء وسوداء أمراً مستحًیل. الإنتروبی أو المیل إلى الفوضى لیس أمراً محصوراً بالملح والفلفل، بل یشمل الكون بأكمله؛ من فساد الفاكھة وحركة جزیئات الھواء وتقدمنا بالعمر، إلى حركة الأمواج التصادمیة، واختلاط ذرات الغبار التي كنّا نراقبھا في طفولتا، كلھا إنتروبی، كلھا تمیل إلى الفوضى والتفكك والتشتت بعد الترتیب والتنظیم والتماسك؛ بمعنى أن الذرات لا تجتمع فیما بینھا وتقول "حسننا یا رفاق لنذھب في ھذا الإتجاه أو لنكوّن ذلك الشيء أو نتسكع لبعض الوقت ھنا أو ھناك" بل تتدافع في منظر من الأنانية المطلقة. ودون أدنى مقدار من الترتیب أو التفكیر. لا تعرف النجاح أو الفشل.. الصحیح أو الخاطىء. لأن كل ذلك إختراعات بشرية وليس للذرات عقول أو فكر أو أدمغة لتقرر ماذا تفعل -حسب نظرية الأنتروبي- فھي مجرد جسیمات مادیة متطایرة هنا وهناك. هذه هي المشكلة؛ إن كان العالم یمیل إلى الإنتروبی والعشوائية كما تقول ميكانيكا الكم.. كیف تُحفظ كل القوانین؟؟ وأین تذھب الصورة التحدیدیة للعالم؟؟ إن العالم الذي يسير كساعة المنتظمة, دقته خیالیة هل أصبح الآن مجموعة من التصادمات العشوائیة؟؟ وكیف تصنع العشوائیة كل تلك الإتقان والتنظیمات في أنحاء الكون.. كیف تصنع العشوائیة الجمال والترتيب؟؟ لذلك لم أستطع فھم الأمر؛ فنظرية "الانتروبي" كحقیقة كونیة تدمر النظرة التحدیدیة للعالم، وتفرض تساؤلات عدیدة، الفوضى تصنع كل شيء، ھل تستطیع أن تتصور ذلك؟؟ لنأخذ نظرة مقربة لنرى ھول الموقف:
أحد الأشخاص مثلاً يدخن
وأنت تجلس بقربه ونظرنا إلى الدخان الذي یخرج من
سيجارته، بصورة جزیئیة مصغرة،
إنه عبارة عن جزیئات تتصادم بعشوائیة،
لنفرض أننا قادرون على تصویر ذلك المشھد لساعات ثم عدنا إلى المنزل وأخذنا نشاھده.
أجزم أننا لو عدنا لنشاهد
التسجيل، فلن نرى سوى فوضى
ولو قمت بتسریع الشریط أو حتى ارجاعه للوراء،
فلن نتمكن من تحدید الزمن أو أي المشاھد كان قبلا أو كان بعد تلك اللحظة أو تلك.
الأمر مله عبارة عن مشاھد
لجزیئات متصادمة، وتتحرك في كل
الاتجاهات، وكأن المشھد
ذاته یتكرر مرة بعد مرة. كأن
الزمن غیر موجود. وهذا هو
العالم الكمي عالم الفوضى
واللامنطقية, لكن لو نظرنا إلى الأمر نظرة على المقیاس الطبیعي،
فسوف نرى السحابة الدخانیة؛ وھي عبارة عن متوسط
لعدد الجزیئات الدخانیة في المحیط الھوائي، وھي تتصاعد
وتخرج وتتوسع، ولو قمنا بتسجیل المقطع
وعرضه مراراً فنستطیع ببساطة معرفة أي اللحظات كانت قبل
تلك اللحظة أو تلك، ونستطيع أن نرى توسّع غیمة الدخان،
تفرض علینا الإعتقاد بأن الزمن یجري بإتجاه توسع الغیمة ولیس العكس,
ففي المستوى الذري لا ندرك شيء ولكن على المستوى الطبيعة تخلق الحياة
المعروفة من تلك العشوائية الذرية!!
العالم
الروحي والبعد غير المنظور عند قراءة عدد كبير من مؤلفات المتحررين من سطوة المادة, معظمهم كانوا خبراء في مجال الطب أو الهندسة, الفيزياء والرياضيات, مجالات وعلوم ماديّة البناء بشكل كامل. هناك نزعة داخلية لدى الأفراد تدفعهم وبشكل متزايد إلى الاعتقاد بأن للعالم صورة أخرى موازية للصورة المادية, أكوان موازية أوما شابه,و حتى في مجالات الفيزياء المتقدمة أصبحت تلك الصورة ضرورية ليتماسك العالم. فجوة في العلم ونافذة إلى الإيمان!! حيث تخفق جميع المعادلات والنتائج وتنهار بكل بساطة ولا تعود قادرة على إعطاء نتائج ذات معنى, وأصبح التوجه نحو تلك الغريزة الداخلية أمراً ضرورياً لتطوّر الوعي البشري. بدأنا للمرة الأولى في تقبل فكرة أن البشر كائنات روحية أو على الأقل جزء منهم, وحيث يفشل المنطق ويستمر في الفشل, تبقى تلك الشعلة مستمرة ومزدهرة. اليوم تخبرنا العلوم الفيزيائية بأن جميع أشكال الوجود في هذا العالم تتكون من أوتار صغيرة جداً من الطاقة, تهتز ضمن نطاق معين, فلو وجدت أجسام ذات ترددات أعلى أو أقل فلن نتمكن من الإحساس بوجودها مادياً, فنحن نعيش في عالم يهتز ويتذبذب بتردد خاص, شفرة مميزة, والعوالم الأخرى هي عوالم ذات اهتزازات مختلفة عن اهتزازات عالمنا، لهذا لا نستطيع الشعور بها. ولو استطعنا زيادة تردد الذرّات في أجسامنا فسنبدأ بالاختفاء تدريجياً من هذا العالم. وبالتأكيد فأجسامنا الماديّة غير قادرة على تغيير تردداتها لتنتقل بين تلك العوالم ولكن هل الروح يمكنها فعل ذلك ؟؟ إن لم تكن الروح مصنوعة من "المادة" التي هي نطاق إهتزاز هذا العالم. فهذا يعني أن تمتلك إهتزازاً أعلى يجعلها غير مرئية بالعين المجردة, وبذلك قد تصبح الروح نافذة للوعي البشري نحو تلك العوالم.
نظرة جدیدة
للكون والطبیعة في الطفولة كانت نظرتنا للعالم بأنه ضخم.. ضخم جداً لا یمكن إدراكه. كان الجلوس قرب نافذة الغرفة وتأمل ذرات الغبار وھي تتحرك وسط شعاع الضوء في عشوائية تامة شیئاً ممتعا، أو الاقتراب من شاشة التلفاز ورؤیة النقاط الملونة الصغیرة المكونة لھا بالإضافة إلى الألوان الجمیلة التي تتمازج في فقاعات الصابون وإنكسار الضوء على سطح الماء، مما يساعد في تكوین نظرة "الكون الغریب" والذي لا نستطيع أن نفهمه, وبعد أن ينضج وعينا لا نعود نبالي بتلك المشاهدات وتفقد جمالها، لأنها تفقد الغموض الذي كان يكتنفها. وهذا هو دور الفیزیاء وخاصة النظریة منھا بالإضافة للفیزیاء الحدیثة، التي غیرت مفھومنا للكون والمادة والطاقة للأبد، والتي جعلت كل ما يبدو مجهولاً وغامضاً وجميلاً يصبح مفهوماً وواضحاً ومملاً. بالإضافة لذلك أمدّتنا الفيزياء بنظرة واضحة للأبعاد وطبيعة الزمن. يؤثر الدین على نظرتنا للكون والطبیعة أيضاً. كحال أي إنسان، فنحن لا نأتي إلى ھذا العالم ولدينا إجابات لكل شيء، وتتشكل المفاهيم الأساسية من النظرة الدینیة لنا، وتجیب عن أسئلة عدیدة مثل: ماھو الإنسان وما دوره في الكون... كیف بدأ وكیف ينتهي.. الحیاة والموت وما بعد الموت بالإضافة إلى الأخلاق والسلوكیات والآداب.. وغیرھا. والنظرة الدینیة للكون ھي النظرة التحدیدیة، تنظر التحدیدیة للعالم كآلة زمنیة ضخمة وضعت في الحركة منذ بدأ الزمن بواسطة ید إلھیة واستمرت بالعمل كذلك دون أي اضطراب. وفیما بین حركتھا القصوى وحركتھا الصغرى تتحرك كل المواد المخلقة بطریقة یمكن التنبؤ بھا بدقة مطلقة بواسطة قوانین نیوتن – الذي لم یترك أي شيء للصدفة. فالمستقبل یمكن تحدیده بدقة من الماضي كحركة أمامیة للآلة الزمنية. وبالرغم من أن عقولنا البشریة لا تستطیع عملیا وعلى الإطلاق تتبع حركة كل أجزاء ھذه الآلة الزمنیة الضخمة، وبالتالي معرفة المستقبل. فإننا یمكن بأن نتخیل بأن الله الذي وسع علمه كل شيء قادر على ذلك ویعلم من الزمن ما بین يديه وما خلفه, وھو كله حاضر بيمينه ككتاب مفتوح. المشكلة أن الفیزیاء القائمة الیوم وخاصة المیكانیكا الكمومیة لا تعتمد على تلك النظرة التحديدية بل تصور العالم كآلة قمار عملاق تحكمھا العشوائیة والفوضى، لهذا علينا أن نصفي ما معارفنا، وأن نرتب ما نقرأه ضمن اطار الحقيقة الموجودة، و بين النظرية التي قد تثبت بطلانها مع الزمن. أما الركن الأخیر في تشكيل مدركاتنا الكونية فیرتبط بالباراسیكولوجیا؛ الباراسیكولوجيا ھي دراسة علمیة لحدوث حالات إدراك عقلي أو تأثیرات على الأجسام الفیزیائیة دون تماس مباشر معھا أو اتصال عن طریق وسیلة فیزیائیة معروفة. ویستخدم وسائل علمیة كثیرة وعلوما شتى ومنھا علم النفس وعلم الفیزیاء والبیولوجيا بالإضافة للعلوم الإنسانية مثل علم الاجتماع. ویعالج ظواھر غیر طبیعیة، لذلك یعتبر ھذا المجال أقرب إلى الفلسفة منه إلى العلم, ویعرف على أنه بحث للعلوم فیما وراء العقل أو البحث الروحي، فھو ذلك المیدان الذي یعنى بتفاعل الأحاسيس والحركة دون الارتباط بقوة أو آلیة فیزیائیة معروفة علميا. عملیاً كأي نظام في العالم أعتقد بوجود ثغرات في النظام الكوني المادي حیث یمكن النفاذ إلى أبعاد أخرى وقدرات معینة وھذا جزء من الطبیعة الروحیة للكون. المیل إلى الباراسیكولجيا مرھون بتصور الفرد للمحیط الكوني حوله، فمن الناس من يعطيه صفة مادیة مجردة، فلا یؤمن بما وراء المادة أو ما وراء الحس، ومن الناس من یؤمن بھا كجزء من الطبیعة الكونیة.
الحقیقة أن العدید من
الظواھر مثل: توارد الأفكار والتخاطر،
الطرح الروحي.. وغیرھا من الظواھر والتي أخفق العلم في
دراستھا لا تكمن في زیف تلك الظواھر دائماً، بل بعجز
العلم على إدراك ما ھو فوق المادة... فھي تمثل "القفزات
الإیمانية"...فلا تدرك بالمنطق أو العلم. بل بالإحساس
والشعور والتجربة. كان لدى جوته
-الشاعر الألماني- نظرة
مخالفة لنظرة نیوتن حول الطبیعة، فمثلاً كان ینظر إلى
اللون على إنه خبرة بشریة فوریة بینما نظر نیوتن
إليه نظرة فیزیائیة
بحته. إن وجهة نظر جوته
-كأحد آباء المذھب الحیوي- تتعلق بفوریة الخبرة البشریة ویعتقد معتنقوا المذھب الحیوي بوجود قوة حیاة
كامنة في الأعضاء الحیة ولا تعتمد على القوانین الفيزیائیة،
وھذا حسب رأیھم إنحیاز إلى العقل دون النظرة المادیة،
وقد ظھر كامتداد لأنصار المذهب الحیوي، هؤلاء الذین
یعتقدون بأن للوعي البشري خصائص تذھب إلى ما بعد القوانین الفیزیائیة،
وهؤلاء یبحثون عن جذور الوعي والإدراك وراء نطاق الحقیقة المادیة المجردة.
نحو فناء
الوعي المتدني
الذات
البشرية ليست جزء من العالم المادي ولكنها تتأثر به,
فالعقل البشري يتكون في الأساس من الذرات المادية المكونة للعالم المادي,
والذي يجعنا مختلفين عن باقي الكائنات الحية ليس الدماغ فجميعها تملك أدمغة
بل الإدراك وهو بالتأكيد غير ماديّ, من المهم لكي نفهم
ميكانيكا هذه التحفة الإلهية (الإدراك) أن نفهم ما يحيط ويوثر بها من مادة. محمد العمصي
| |||||||||
|